بمناسبة انطلاق ماراثون تل أبيب امس، نقدم لكم مقالة تبحث ظاهرة الماراثونات في إسرائيل، إذ شارك في الحدث في شوارع تل أبيب – يافا أكثر من 40 ألف عدّاء وعدّاءة. إليكم المقالة:
من يتجوّل قليلًا في شوارع المدن الكبرى في إسرائيل: تل أبيب، القدس، وحتى طبريا، سيقع نظره على إعلان عن “إغلاق شوارع يوم الجمعة القادم، بسبب أحداث الماراثون”، أو إعلانات عن تسجيل مبكر “لماراثون الصيف الكبير”، وحتّى إعلانات عن انتظام مجموعات عدّائين لحشد أموال وإعلانات من أجل مستشفيات، خلال الماراثون القادم. فقد أضحت سباقات الماراثون منذ فترة طويلة نزعة حماسية وهامّة في إسرائيل بكلّ معنى الكلمة.
في سنة واحدة، يمكن ذكرُ 3 ماراثونات كبرى تجرى في شوارع المدن الكبرى: تل أبيب، القدس، وطبريا (سباق محيط بحيرة طبريا). موضة استعادة اللياقة وركض المجموعات أضحت بين عشية وضُحاها هدفًا مرغوبًا فيه، تحتضنها كبرى الماركات الرياضية أمثال ADIDAS، NIKE، وNEW BALANCE، البلديات التي يهمها تطوير مدنها وتحصيل دخل جيّد جدًّا للمحال التجارية المختلفة، المُعلنون، شركات مشروبات الطاقة، وحتى التلفزيون. والشأن هو موضة إلى درجة أنّ القناة الإسرائيلية الثانية أطلقت مؤخرًا برنامجًا وثائقيًّا يوثّق خمسة أشخاص عاديين دون خلفية أو تجربة مسبقة في الرياضة الاحترافية يلبون التحدي – 8 أشهر استعداد مكثفة، يستعدّون خلالها للمشاركة في ماراثون برلين المنتظَر.
كيف بدأ كل ذلك؟
من الصعب إيجاد حدث، ليس في الرياضة فقط، مُثقَل بالأساطير مثل الماراثون الأولمبي. تبدأ أسطورة الماراثون الأولمبي في الألعاب الأولمبية الأصلية، في اليونان القديمة، حيث وُلد وفقًا لبعض التقديرات كاحتفال لانتصار زيوس على كرونوس، قائد التيتانيين، في معركة الصراع على التحكُّم بالكرة الأرضية.
التاريخ الدقيق للألعاب الأولى غير معروف؛ فقسم من المصادر يشير إلى عام 1253 قبل الميلاد، ومصادر أخرى إلى 884 ق م. أمّا ما هو موثَّق فهو أنه بين عامي 776 و 394 ق م، جرت الألعاب الأولمبية كل أربعة أعوام في أولمبيا، اليونان، وأنّ الحدث الأكبر في الألعاب فكان سباق 24 دورة (نحو خمسة كيلومترات) حول الملعب الأولمبي.
استخدم اليونانيون العدو لمسافات طويلة كوسيلة اتصال في ذلك الحين؛ فرسل مشاة، كانوا بالطبع عدائين ممتازين، نقلوا رسائل من مدينة إلى مدينة. وتُعرف قصة أحد هؤلاء العدّائين، التي جرى عليها العديد من التعديلات، كملهم لخلق الماراثون: فعام 490 ق م، وصل جيش الإمبراطورية الفارسية إلى مدينة ماراثون، على بُعد نحو 40 كيلومترًا عن أثينا، بهدف احتلال المدينة. فيما تنظم الفُرس، أرسل الأثينيون مبعوثًا اسمه فيليبيدس لطلب العون. ركض فيليبيدس نحو 240 كيلومترًا في أقلّ من يومَين، لكنهم قرّروا في أثينا عدم انتظار المعونة بل مفاجأة الفُرس، الذين لم يكونوا مستعدين، ما أدى إلى فوز اليونانيين رغم أنّ عددهم كان أقلّ بكثير.
لا يؤتى على ذكر فيليبيدس، أو أيّ رسول آخر، في كتابات المؤرخين الذين كتبوا بعد فترة قصيرة من الحدث. لكن بعد ستة قرون، كتب تشارلي لوفيت في كتابه الخاص بإحياء ذكرى 100 سنة على الألعاب الأولمبية أنّ المؤرخين بدأوا يدّعون أنّ عدّاءً أُرسل من أثينا إلى ماراثون ليبشّر بالنصر الكبير. وفقًا للرواية الجديدة، وصل العدّاء إلى أثينا، نقل البشرى، ثم سقط صريعًا. مع الوقت، أصبح فيليبيدس، الذي غُيّر اسمه إلى فيديبيدس، يُعتبَر عدّاءً قليل الحظ في الأسطورة التي انتشرت بعد أن حظر الإمبراطور ثيودوسيوس، عام 394 للميلاد، كل احتفال غير “مسيحي” في الإمبراطورية الرومانية، بما في ذلك الألعاب الأولمبية.
بعد أكثر من ألفَي سنة، ترسّخت أسطورة فيليبيدس في رأس ميشيل برل، عالم اللغة والمؤرخ الفرنسي، أثناء مكوثه في مؤتمر دولي لرياضة الهواة، نظّمه البارون الفرنسي بيار دو كوبيرتان واستضافه عام 1894. في نهاية المؤتمر، جرى تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية، وانطلق برنامج إقامة الألعاب الأولمبية العصرية الأولى عام 1896 في أثينا. اقترح برل على كوبيرتان، الذي انتُخب أوّل رئيس للّجنة الأولمبية، أن يُدخل في الألعاب الأولمبية سباق ركض طويلًا يخلّد ذكر قصة فيليبيدس. أحبّ كوبيرتان الفكرة، ونال السباق الجديد اسم “ماراثون”، ووُضع في آخر الألعاب الأولمبية.
الماراثون الإسرائيلي
لم يكن الركض شائعًا في إسرائيل دائمًا، ولم تكن مجالات الرياضة النشطة هذه شائعة. هكذا، كان أول ماراثون جرى في فلسطين (إسرائيل) عام 1934 في شارع بياليك في مدينة تل أبيب. أطلق رئيس البلدية حينذاك، مئير ديزنغوف، سبعة عدّائين ركضوا بين مدن تل أبيب، ريشون لتسيون، ونس تسيونا لإتمام 42.195 كم. كان الوقت الرسمي للفائز، ولتر فرنكل، الذي سيطر على ميدان العدو السريع في البلاد، 3 ساعات و19 دقيقة.
شكّلت ألعاب المكابياه الثانية عام 1935 منبرًا لائقًا للماراثون الثاني بمشاركة ستّة عّدائين فقط، انطلقوا من تل أبيب إلى نس تسيونا، ثم إيابًا إلى داخل ملعب المكابياه، شمال ميناء تل أبيب. أمّا الماراثون الثالث في البلاد فلم يجرِ قبل عام 1956، في مدينة الخضيرة.
عام 1977، جرى لأول مرة ماراثون بحيرة طبريا، الذي تحوّل مساره في سنته السابعة ليصبح اسمه “ماراثون طبريا”، بمشاركة 99 عدّاءً ركضوا من طبريا إلى عين جيف، ثم إيابًا. منذ ذلك الوقت يُقام ماراثون طبريا، الذي يركّز على الجودة بمستوى دوليّ (الرقم القياسي – 2:07:30 عام 2009 للفرنسي باتريك طمبويه)، إلى جانب مشاركة إسرائيلية مذهلة: ألف وأربعمئة عدّاء فيالسباق الذي أُقيم في كانون الثاني 2010.
وانتظرت تل أبيب 47 سنة حتى حظيت مجددًا باستضافة ماراثون حقيقي في شوارعها في آذار 1981. ساد حرّ كبير في ذلك اليوم أدّى إلى وصول 79 عدّاءً فقط من أصل 352، بعضهم ليسوا محترفين، إلى خطّ النهاية. ورشّ سكّان تل أبيب على طول مسار السباق الماء من الأنابيب على العدّائين لإنعاشهم. كان الفائز جان ميشال شارفونيل من فرنسا. وفاز آفي ليفي بالمركز الأول بين الإسرائيليين، فيما حلت زهافا إلياس أولى بين النساء، في فترة كانت مشاركتهنّ ضئيلة.
عام 1994، أقيم الماراثون الأخير في تل أبيب. وقد فاز فيه الإثيوبي بيرا غيزاتشو. في 24 نيسان 2009، جرى استئناف الماراثون في تل أبيب، وعام 2010 أقيم السباق في إطار الاحتفالات بمرور مئة سنة على المدينة العبرية الأولى. انطلق أكثر من ألف عدّاء، في السباق الأكبر في تاريخ البلاد حتّى ذلك الحين، لسباق 42 كيلومترًا، فيما ركض نحو 8 آلاف آخرين 10 كيلومترات، بينهم قليلون ركضوا 5 كم.
وشكّلت عودة الماراثون بداية جديدة لتقليد الماراثون في تل أبيب، بهدف تحويله إلى حدث دولي. عام 2010، أضيفت للماراثون ثلاثة مسارات جديدة: نصف ماراثون، سباق 10 كم، وسباق 10% (4.2 كم). وشاركت في الحدث ذروة من 10 آلاف عدّاء.
لكنّ طريق تنظيم الماراثونات في إسرائيل ليست مفروشة بالورود بسبب الطقس الحارّ وأحجام المدن الكبرى. فثمة صعوبة موضوعية كبرى في إقامة ماراثون تل أبيب. فتنظيم سباق في أرجاء المدينة يتطلّب إغلاق شوارع وتشغيل منظومة تنظيميّة ضخمة خلال السباق. تجري السباقات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة صباح يوم العطلة المحلي (يوم الأحد). يؤدي تنظيم السباق في يوم العطلة إلى تقليص تعطيل حركة السير خلال السباق.
أمّا ما يقلّل من نجاح سباقات الماراثون في إسرائيل فهو أيضًا غياب جمهور محلي يحتشد في الشوارع لتشجيع العدّائين.
لكنّ هذه المشاكل أيضًا جرت محاولة حلّها في السنوات الأخيرة. فمثلًا، أقيم عام 2011 للمرة الأولى في إسرائيل كجزء من تنوّع مسارات ماراثون تل أبيب مسارٌ للتزلج على مسافة نصف ماراثون (21 كم)، ليشارك مئات المنزلقين بانزلاق سريع.
أدّى الحرّ الشديد هذا العام (2013) إلى إلغاء الماراثون الكامل في تل أبيب، لكنّ السباقات الأقصر – نصف الماراثون، 10 كم، و5 كم – جرت كالمعتاد.
ويقدّر خبراء أنّ موضة الركض والماراثونات تعود بقوة. فمجموعات دعم رياضية وركض مهني “تهيئ محركاتها” على مدار السنة، وتشجع عدائيها على المشاركة في كل الماراثونات في البلاد، وحتى المشاركة في ماراثونات دولية مثل ماراثون برلين أو شيكاغو.