إذا كنتم لا تعرفون الـ “الصندوق الجديد لإسرائيل”، فمن المهم أن تعرفوا أنه المنظمة الأكثر كرها لدى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، واليمين الإسرائيلي. ونقطة أخرى هامة وهي أن هذا الصندوق مشارك في كل مجال تقريبا في إسرائيل تعمل فيه منظمات اجتماعية مدنية. يعتبر نتنياهو “الصندوق الجديد لإسرائيل” عدوا إسرائيليا، ومؤخرا ازدادت اتهاماته ضده. هذا الأسبوع، كتب نتنياهو في صفحته على الفيس بوك: “الصندوق الجديد لإسرائيل” هو منظمة أجنبية تحصل على دعم دول أجنبية وجهات معادية لإسرائيل. والهدف الأسمى لهذا الصندوق هو التخلص من طابع دولة إسرائيل اليهودي”.
يجند هذا الصندوق سنويا مبلغ 30 مليون دولار تقريبا. بسبب الهجوم الذي شنه نتنياهو ضده، افتتح حملة تسويقية لتجنيد الأموال، إذ ربما سيؤدي هذا الهجوم بشكل ساخر إلى زيادة حجم التبرعات للصندوق. يوزع الصندوق الأموال التي يجندها على منظمات تعمل في إسرائيل في المجالات التالية: حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعيّة والاقتصادية، مكافحة العنصرية، الحرية الدينية، المجتمع العربي في إسرائيل، ودفع الحوار الديمقراطي قدما.
كيف أصبح صندوق الأعمال الخيرية الليبرالي عدو اليمين؟
بدأ الصندوق الجديد عمله في عام 1979، في أمريكا وعمل فيه أقل من عشرة عمال، برئاسة يهود أمريكيين سعوا إلى دعم إسرائيل في مجالات يؤمنون بها. في عام 2010، عمل في الصندوق أكثر من 130 موظفا. وفق تقرير الصندوق عام 2010، منذ تأسيسه في عام 1979 قدّم أكثر من 250 مليون دولار إلى نحو 850 منظمة مختلفة.
ولكن في عام 2010، بدأ اليمين الإسرائيلي باعتبار نشاطات هذا الصندوق خيانة. ترأست منظمة يمينية حملة تسويقية نعتت فيها نشطاء الصندوق الجديد بـ “جواسيس” يسعون إلى تدمير دولة إسرائيل. في أعقاب ذلك، توقف بعض السياسيين الإسرائيليين عن المشاركة في مؤتمرات ونشاطات يمولها الصندوق الجديد، ورفضت بعض المنظمات المدنية الإسرائيلية متابعة تلقي التمويل من الصندوق.
يعرف الإسرائيليون منظمات كثيرة مختلفة تحصل على دعم الصندوق الجديد. قائمة بأسماء جزء من المنظمات التي يدعمها الصندوق الجديد: “”بتسيلم” وهي منظمة توثق انتهاك حقوق الفلسطينيين، ومركز “عدالة” القانوني الذي يعمل من أجل حقوق المواطنين العرب في إسرائيل، وهاتين المنظمتين معروفتين بانتمائهما إلى اليسار ومعارضتهما لاحتلال الضفة الغربية. من جهة أخرى، يدعم الصندوق منظمات خيرية، حقوق المثليين، وجمعية تابعة لعضو كنيست من حزب الليكود، تعمل على دعم يهود إثيوبيا.
اتفاق المهاجرين الأفارقة.. تنصل نتنياهو من المسؤولية متهما “الصندوق الجديد”
في الأيام الثلاثة الماضية، شهدت العلاقات بين مواطني إسرائيل ورئيس الحكومة أزمة منقطعة النظير، فيما يتعلق بالمهاجرين الأفارقة في إسرائيل. ففي حين لم تتحدث وسائل الإعلام العربية عن هذا الموضوع، لأن القضية الأخيرة لم تكن ذات صلة بالعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، شهدت إسرائيل عاصفة.
يوم الإثنين الماضي، أعلن نتنياهو عن إلغاء برنامجه لطرد آلاف المهاجرين من إريتريا والسودان من إسرائيل. بدلا من برنامج إبعادهم، عرض نتنياهو خطة جديدة وقعت عليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تقضي باستيعاب جزء من المهاجرين في إسرائيل، وانتقال جزء آخر إلى دول غربية واستيعابهم فيها.
أعرب المعارضون لطرد اللاجئين عن فرحتهم لإعلان نتنياهو غير المتوقع، ولكن بعد مرور عدة ساعات اتضح أن الفرحة لم تستمر، لأن الضغط الذي مارسه مؤيدو اليمين على نتنياهو كبيرا. فبعد مرور عدة ساعات أعلن نتنياهو عن إلغاء برنامجه الجديد أيضا، وتطبيق البرنامج الأصلي وطرد المهاجرين الأفارقة من إسرائيل، حتى وإذا كان من غير الواضح إلى أية دولة سيغادرون.
بعد تراجعه المخجل، الذي مس بسمعة اليمين الإسرائيلي وصورة إسرائيل أمام الأمم المتحدة، بدأ نتنياهو بمهاجمة الصندوق الجديد مدعيا أنه السبب. كتب نتنياهو في صفحته على الفيس بوك أن الصندوق الجديد هو “الجهة المركزية التي مارست ضغطا أوروبيا على حكومة رواندا للتراجع عن اتفاقية إبعاد المتسللين من إسرائيل”. وطالب بإقامة لجنة تحقيق رسمية ضده. ردا على ذك، كتب نائب وزيرة خارجية رواندا “لا تعرف رواندا “صندوق إسرائيل الجديد”.
لماذا يكره نتنياهو “الصندوق الجديد”؟
هناك ادعاءان أساسيان لدى اليمين الإسرائيلي ضد “الصندوق الجديد لإسرائيل”. الأول هو أن نشطاءه والمنظمات التي يدعمها تدفع قدما وجهة نظر اليسار الليبرالي، التي لا تتماشى مع المبادئ التي تدفعها الحكومة الإسرائيلية الحالية قدما. فمن الواضح لماذا يعارض نتنياهو من يعمل وفق أيديولوجيّة لا تتماشى مع أيديولوجيّته. ولكن هذا لا يجعل نشاطات الصندوق الجديد لإسرائيل غير شرعية، ففي دولة ديموقراطية هناك معارضة، ويجوز لها أن تدفع آراء تختلف عن آراء السلطة الحاكمة قدما.
والادعاء الآخر ضد هذا الصندوق هو الأخطر، ويشير إلى أن الصندوق يشكل منفذا لتدخل حكومات أجنبية في السياسة الداخلية الإسرائيلية. فحقيقة أن الصندوق يحصل على أموال من جهات أجنبية، ومنها الاتحاد الأوروبي والحكومات الغربية، ويستغلها للتأثير على السياسة الإسرائيلية، مثلا حول النزاع بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تجعل نشاطات الصندوق غير شرعية ولاغية. فمن جهة، ربما الخوف هو السبب وراء هذا الادعاء وهو ينبع من قلق اليمين من زيادة قوة هذا الصندوق، ومن جهة أخرى إذا كانت هذه الادعاءات الخطيرة صحيحة فهذا الصندوق الذي يحاول دفع مبادرات جيدة وتغيير إسرائيل إلى “الأفضل”، في الواقع يتيح لدول أجنبية المس بالسيادة الإسرائيلية تحت شعار منظمة خيرية. الأهم في هذا الموضوع هو قرار الجمهور الإسرائيلي إذا كان سيصدق أقوال نتنياهو أو الصندوق الجديد لإسرائيل.