يمكن لخزانة ملابس الجالية أن تحكي عن نفسها أكثر من آلاف القصص. في الوقت الراهن، تتم حكاية قصة الجاليات اليهودية حول العالم بهذه الطريقة الخاصة من خلال معرض تم افتتاحه في متحف إسرائيل في القدس. ويصف القيّمون على المعرض بأنّه: “فرصة نادرة لمشاهدة الأزياء التاريخية التي تلهم مصمّمي الأزياء حول العالم حتّى يومنا هذا”.
يعرض في المعرض أكثر من 100 ثوب وقطعة ملابس من بداية القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، والتي تم جمعها حول العالم. من بين الملابس هناك مجموعة نادرة من الفساتين، البدلات، ملابس العريس والعروس، ملابس الأطفال بل وحتّى الملابس الداخلية. إنّها لمحة عن ثقافة غنية ومتنوعة لليهود في المجتمعات المختلفة التي عاشوا بها في أوقات مختلفة.
ويوضّح منظّمو المعرض قائلين: “تمثّل الملابس نصّا ثقافيّا غنيّا، يبرز كل من هوية وصورة لابسها الذاتية، وكذلك حياة الفرد، المجتمع، السياسة والاقتصاد”. وبشكل مفاجئ، تُظهر لنا الملابس المعروضة في المعرض كم هو كبير وملحوظ ذلك الإلهام الذي أعطته لمصمّمي الأزياء الذين يعملون اليوم.
من بين القطع النادرة يمكن العثور على تنانير فريدة من نوعها صُمّمت في إيران وهي مستوحاة من ملابس راقصات الباليه الباريسيات (توتو)، وقطع ملابس داخلية للنساء من بخارى والتي خُيّطتْ بوفرة من الألوان والنقوش الجريئة، فستان زفاف أبيض تأثر بفستان زفاف الملكة فيكتوريا، وعباءة الحاخام الأكبر في تركيا، والتي تم تحديد تصميمها من قبل السلطنة العثمانية وأعطت إلهامًا لعباءة الحاخام الأكبر للسفاراديم في إسرائيل، وهي لا تزال تُرتدى حتّى يومنا هذا.
قطعة فريدة أخرى معروضة في المعرض تأتي من العراق: إزار مُدمج بحجاب تمّ نسجه من قبل منشيه إسحاق سعات، كبير النسّاجين في بغداد. ويتألّف الإزار من حجاب كثير الطبقات منسوج من شعر الخيل. ووفقًا لابنة سعات، شولميت ابنة الـ 95 سنة، والتي تعيش اليوم في إسرائيل، تقول إنّ النساء من جميع أنحاء العراق، ومن بينهنّ مسلمات ونصرانيّات، كنّ يجئنَ إليه لشراء إزار منه.
قطعة أخرى مثيرة للاهتمام وهي مجموعة ملابس لعروس من تونس والتي تشمل سروالا يصل إلى نحو 3 أمتار والذي صُمّم للعرائس اللواتي تلقّين التشجيع من أسرهنّ قبيل زفافهنّ كرمز للصحّة والثروة. قطعة أخرى تحكي قصة مثيرة للاهتمام وغير عادية وهي ثوب إحدى الأمّهات والتي رافقتها خلال حياتها حتّى وفاتها حيث استخدمت كفنًا لدفنها.
وكانت بداية مجموعة الملابس في متحف إسرائيل في سنوات الثلاثينات في القرن الماضي في بيت بتسلئيل، حيث نُقلت مجموعاته لاحقا إلى متحف إسرائيل. كان هدف الباحثين والقيّمين ولا يزال هو إنقاذ ثقافات الجاليات الإسرائيلية المختلفة والحفاظ عليها، بما في ذلك التنوّع الهائل من الأزياء الخاصّة بها.
على مرّ السنين، وفي أعقاب عمليات مسح إثنوغرافية أجريتْ في إسرائيل والخارج، فقد نمتْ المجموعة وتطوّرت. رويدًا رويدًا، وبعمل دؤوب، تشكّلت مجموعة فريدة من نوعها من أكثر من 10,000 قطعة نادرة حيث إنّ الأقدم من بينها يعود لمائتي عام.
وقد ألزمت تشكيلة المجموعة، مختبرات متحف إسرائيل مواجهة التحدّي الهائل في الحفاظ على الملابس وحمايتها من عوامل الزمن. وبفضل عملية الجمع والحماية الاستثنائية هذه، استطاع متحف إسرائيل اليوم أن يقدّم للجمهور العريض معرضًا نادرًا بسعته وبنطاق تطوّر الملابس في جميع أنحاء العالم.