الشعور العام في مصر، بعد إعلان المشير السيسي عن ترشّحه للرئاسة، هو النشوة، التمجيد، الأمل بمستقبل أفضل. ولكن أيضًا صرخة صادرة من القلب تقول للسيسي: عليك إخراجنا من الوضع المؤسف “المحنة” الذي وجدنا فيه أنفسنا بعد الثورة.
كان قرار السيسي متوقّعًا وليس مفاجأ، ولكنّه عرف بذكاء كيف يمدّ رجليه وينشئ شعورًا بأنّه فعلا قام بذلك بناءً على طلب الشعب. أشبه بالشخص الذي يتمنى الحصول على شيء ما ولكنّه يريد أن يتوسلوا إليه، ويقول للناس امسكوني أنا لا أريد ذلك، وفي النهاية يعطونه ما يريد.
لقد أراد السيسي أن يكون رئيسًا.إعلانه الترشّح للرئاسة قد أنهى مرحلة التخبط.
والسؤال المثير هو كيف تحوّل من رجل لم يكن معروفًا خارج إطار الجيش، إلى رجل ذي شعبية جارفة كما لو كان في زمن جمال عبد الناصر. وقد شُبّه اليوم بأنّه منقذ أرض الكنانة.
حدث ذلك ليس بسبب شخصيته ولا بسبب تزيّنه في ساحة المعركة، ولكن بسبب الظروف. الاضطرابات في السنوات الثلاث الماضية، استقطاب الشعب وأخطاء الإخوان المسلمين حين كانوا في السلطة، هي التي شكّلت الظروف لصعود السيسي. واستطاع أن يقتنص ذلك بذكاء.
بعد ثورة كانون الثاني 2011، شعر الشعب بالقلق من الحكم العسكري الذي استمرّ منذ ثورة الضباط عام 1952. أراد أن تنتقل السلطة إلى أيدي مدنية وهذا الذي أدّى إلى صعود محمد مرسي للرئاسة. دعمت أمريكا ذلك، لأنّها أرادت وما زالت تريد أن تنتقل السلطة للأيدي المدنية.
واليوم ليس فقط أن الشعب المصري لا يطلب ذلك، وإنما يضغط لتتويج أعلى شخصية عسكرية، المشير السيسي، ليكون الفرعون القادم.
تثني وسائل الإعلام العالميّة والمحليّة على شخصية السيسي. وقد بالغت صحيفة le monde حيث كتبت أنّ السيسي يعتبر بالنسبة للنساء في مصر منقذ الأمة. وبالنسبة لرجال مصر فهو الرجل القوي الذي يمكنه قيادة البلاد في هذه المرحلة.
يقولون إنّه مستقيم، يحافظ على الدين ومتواضع.
تعالَوا نحكم على ذلك وفقًا لأعماله: ألم يؤدي السيسي إلى الإطاحة بمرسي، أول رئيس منتخب لمصر، زعمًا أنّ الكثير من أبناء الشعب طلبوا ذلك؟ ألم يكن هو نفس السيسي الذي ترشّح للرئاسة حين طالبه الجمهور المصري بذلك؟ إنّه نفس السيسي الذي أعلن أنّ الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي لأنّ الشعب طلب ذلك. ولذلك، فأنا أقول إنّ السيسي هو رجل مع آراء قوية، يعرف إلى أين يمضي وماذا يريد تحقيقه. كالرجل العسكري في ساحة المعركة فهو يحدّد الهدف بحسم ثمّ يغزوه.
حلّل خبراء في لغة الجسد بمصر ظهور السيسي القليل نسبيًّا على التلفزيون، والذي أعلن فيه أنّه سيترشّح للرئاسة. قرّر هؤلاء الخبراء أنّ من خلال صوته المنخفض واستخدامه المحدود ليديه فهو يبثّ الخوف والقلق. ظهوره في الزيّ العسكري يقول إنّه ما زال جنديًّا في خدمة الدولة حتى بعد انتخابه رئيسًا. وجد الخبراء أنّه يتحلى بالتواضع، الهدوء الداخلي، وثقته الكبيرة بنفسه.
من التقى بالسيسي خلال فترة عمله بالجيش وفترة دراسته في إنجلترا والولايات المتحدة، سيجد أنّه أمام رجل متزن، لا يظهر كل ما لديه. وهي صفات ساعدته في تحقيق ما يكفي من الشعبية عند الجماهير وتحقيق طموحاته الخفية في الوصول إلى السلطة.
ومن الواضح أنّ السيسي سيضطر لمواجهة مشاكل صعبة مثل انعدام الأمن الشخصي، الإرهاب، الاقتصاد المنهار، السياحة غير الموجودة، وغيرها. ولكن المواجهة الحقيقية للسيسي ستكون في مجال آخر، وهو مجال متعلّق بشخصيته. إلى أي مدى سينجح في أن يزيل عن نفسه نظرته العسكرية بكاملها، أن يفهم بأنّ الأمر لن يعود بعد تلقّي وإعطاء الأوامر للناس بل أصبح يتطلب أكثر مسايرة القوى السياسية التي سيحتاجها ليحكم.وهنا يكمن خطر الفشل.صدق المحرّر الرئيسي لصحيفة السياسة الكويتية، جار الله، حين كتب أنّ مصر بحاجة إلى قائد وليس إلى رئيس.
أعربت أسرة جمال عبد الناصر علنًا عن دعمها الكبير للسيسي ويبدو أنّه راض عن ذلك. قال عبد الحكيم عبد الناصر ابن الزعيم: “طريق الثورة هو طريق النصر. يحيا الجيش وتحيا مصر. السيسي هو الرئيس”. وقالت أخته هدى ناصر إنّ السيسي هو الوريث الطبيعي لتراث والدها السياسي. يبدو أن السيسي سيحظى فعلا بما يكفي من الأصوات في الجولة الأولى لتتويجه الرئيس المنتخب لمصر. بقي أن نرى إلى أيّ جهة يريد السيسي أن يقود السفينة. هل سيمضي في أعقاب ناصر ويؤكّد على دور مصر الرئيسي في العالم العربي ويجذب الشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط إليه، والذين خابت آمالهم من الربيع العربيّ، ويصبح زعيمًا عربيّا عامّا؟ أم سيركّز مثل السادات على حلّ مشاكل مصر المستعصية ويفضّل استثمار جهوده في الداخل بدلا من الأحلام العربية العامة التي هناك شكّ في إمكانية قيامها.
ستخبرنا الأيام. الشيء الواضح للجميع أنّ الظروف التي صدّرتْ السيسي هي التي جعلت منه الرجل المناسب في الوقت المناسب. ولذلك نقول للسيسي مرحبًا بك في قصر الاتحادية.