“الهدوء الأمني في غزة مرتبط بشكل مباشر بإعادة الإعمار”، هذا ما يقوله مصدر إسرائيلي رفيع، قبل ساعات من الرد على صاروخ تم إطلاقه من القطاع بقصف إسرائيلي على القطاع. تنجح حماس، غالبا، في الرقابة على إطلاق الصواريخ والسيطرة على التنظيمات الأخرى في القطاع، ولكن يبدو أنّ هؤلاء قد بدأوا يفقدون الصبر.
المفتاح هو في إعادة الإعمار
بالفعل، فرغم المساعدات التي تدخل القطاع بكميات كبيرة، فإنّ النقص لا يزال هائلا. المصريون لا يفتحون المعابر ويراقبون بحرص عمليات التهريب من سيناء، ومنذ سقوط نظام مرسي، فإنّ الضغوط في القطاع آخذة بالازدياد.”هكذا تماما كان الواقع عشية عملية “الجرف الصامد”، كما يقول المصدر. في حين أنّ مصلحة حماس هي الحفاظ على الهدوء، ومنع إطلاق الصواريخ، فإنّ الفصائل في القطاع أكثر تطرّفا وترغب بإشعال المنطقة. فيما لو أرادوا التوصل إلى جولة تصعيد أخرى – فهم قادرون على فعل ذلك. بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة المستمرّة منذ انتهاء القتال في غزة في الصيف الأخير، تبدأ حماس بفقدان شرعيّتها، ومن المرتقب أن تستغلّ الفصائل ذلك.
وتُضاف إلى ذلك أضرار الحرب؛ أكثر من 100 ألف(!) شخص بقّوا دون منزل، ووصفة الإحباط مضمونة. وقد رفعت حماس مؤخرا الضرائب على سكان القطاع، في محاولة لاستعادة أموال الحركة التي تعاني هي أيضًا، بشكل أساسيّ لأنّها لا تنجح في تجنيد دعم من الدول العربيّة. يخشى المواطنون في غزة من الانتفاض، ولكن أصوات الاحتجاج بدأت تُسمع، حتى ولو بصوت خافت.
ولكن حماس ليست قلقة. فهي تعرف أنّ معظم الإحباط يخرج ضدّ إسرائيل، وضدّ السلطة التي تؤخر نقل أموال إعادة الإعمار للقطاع. بالإضافة إلى ذلك هناك مصر، وأيضا الأنروا اللتان تتلقّيان الاتهامات أكثر من مرة. حماس هي الأخيرة في “القائمة”، والحركة تدرك ذلك، ولذلك فهي لا تخشى من انتفاضة شعبية. كما وتدرك أيضًا أنّه في الواقع ليس هناك بديل مناسب لها في القطاع.
“معركة التحرير“
في إسرائيل أيضًا، فإنّ التقديرات هي أنّه لا يُتوقّع حدوث انتفاضة شعبية ضدّ حماس في القطاع، وأنّ التضامن الشعبي بين السكان قويّ جدّا. ومع ذلك، إذا استمر الإحباط في غزة بالازدياد، فمن المحتمل ألا يكون هناك مناص لحماس من تشجيع بدء معركة أخرى ضدّ إسرائيل، من أجل توجيه إحباط السكان ضدّها.
وبالفعل، تخطّط حماس مسبقا للمعركة القادمة، ولكن الطموح هذه المرة هو توسيع النطاق، وإدارة القتال أيضًا خارج القطاع. في خطابات مسؤولي حماس ومتحدّثيها – مشير المصري، خليل الحية وأبو عبيدة، يكرّر هؤلاء أكثر من مرة عبارة “معركة التحرير”.
الوضع الأمثل كما يبدو هو إدخال مقاتلي كتائب عزّ الدين القسّام إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة للقطاع، سواء بواسطة تجديد الأنفاق الهجومية أو من خلال اختراق بحري لمقاتلي الكوماندو البحري. وفي كلتا الحالتين فإنّ التطلّعات واضحة؛ اختراق حدود قطاع غزة وجلب القتال إلى داخل حدود إسرائيل.
ليس هناك بديل لحماس، ولكن الشعب يتطرّف باتجاه داعش
حتى لو لم تندلع قريبًا معركة حقيقية بين إسرائيل وحماس في غزة، فيبدو أنّه ليس هناك تنظيم قوي بما فيه الكفاية في غزة بحيث يمكنه أن يكون بديلا لسلطة حماس في حال “سقوطها”. حركة فتح مشغولة بشكل رئيسي في المعاركة القبلية الداخلية؛ سواء كان ذلك بين أنصار دحلان وأنصار عباس، أو ضدّ أنصار حماس، وليس لديها منذ وقت طويل تفويضا من الشعب لقيادتها.
التنظيمات التي تُعتبر أكثر تطرّفا، لا تزال صغيرة أو ضعيفة جدّا، وليس لديها نظام تحكّم منظّم كما لدى حماس. وفي كلّ ما يتعلّق بداعش يبدو أنّه ليس هناك ما يُخشى منه؛ إذ يقدّر مسؤولون إسرائيليون بأنّه وبخلاف الوضع في شمال سيناء، ليست هناك فروع لتنظيم “الدولة الإسلامية” داخل غزة، في الوقت الراهن على الأقل. ومع ذلك، يمكننا أن نعثر بالتأكيد على خلايا صغيرة تنتمي إلى السلفية الجهادية.
ومع ذلك، حتى لو لم تدخل داعش فعليا إلى القطاع، فالتنظيم يكتسب التأييد بالتأكيد. ظهر في استطلاع رأي عام عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، وهو أن 19% من سكان قطاع غزة يعتقدون أن “تنظيم الدولة (داعش) يمثل الإسلام الصحيح” وأكثر من 60% من ضمن هذه المجموعة يعتقدون أنه “ينبغي قيام حركة إسلامية تابعة لها في فلسطين”. وأشار المسؤول إلى أن النسب التي جاءت في الاستطلاع لافتة لأنها تُعبّر عن دعم كبير لفكر داعش في القطاع مقارنة مع دول عربية أخرى.
حماس في الضفة: قصة أخرى
في حين أن حماس في غزة صاحبة الكلمة الفصل، فالوضع في الضفة الغربية مختلف تمامًا. على مدى عدّة أشهر، ترغب حماس بإشعال انتفاضة في الضفة الغربية، ولكن دون نجاح. يترأس هذا الهدف بشكل رئيسي صالح العاروري، المقيم بتركيا، والذي ينقل تعليماته لرجاله في الضفة، بشكل خاصّ إلى محرّري صفقة شاليط الذين تمّ طردهم إلى الضفة بدلا من غزة.
لعاروري، الذي يُسمى في دوائر حماس “محمد ضيف الضفة”، علاقات وثيقة مع رئيس الحركة، خالد مشعل. فبينما وُلد الأول وترعرع في قرية عارورة الواقعة شمال شرق رام الله، فإن مشعل من سلواد، القرية المجاورة، حيث هناك اتصال طبيعي بين الاثنين. ولكن العاروري يعمل بشكل شبه مستقلّ. فهو يقوم بتوجيه “شباب الانتفاضة” من تركيا، وهي حركة من الشباب المناصرين لحركة حماس والتي تكتسب زخمًا متزايدا في الضفة (هناك أكثر من خمسين ألف معجب في صفحة الفيس بوك الخاصة بهم)، بمساعدة معيّنة من قيادة حماس في غزة.
ولكن محاولات العاروري في إثارة “مقاومة” حقيقية في الضفة، والتي يمكن أن تصب في مصلحته، لم تنجح حتى الآن. طمح العاروري في أن يحقّق عدة أهداف بضربة واحدة:، إثارة انتفاضة ضدّ إسرائيل، وإضعاف السلطة أيضًا، وبالإضافة إلى ذلك نقل مركز الصراع إلى الضفة مع الحفاظ على الهدوء في غزة، ممّا يسمح بإعادة إعمارها. ولكن التنسيق الجدّي بين الأجهزة الفلسطينية والقوى الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب طموح سكان الضفة إلى نمط حياة آمن وهادئ، أدت إلى فشل محاولاته. تم إخماد وتفريق مظاهرات وتنظيمات شباب الانتفاضة، بالإضافة إلى بعض محاولات الاحتفال بيوم انطلاقة حماس في مدن الضفة، من قبل أجهزة الأمن التابعة للسلطة.
في القدس أيضًا كانت هناك عدة محاولات لحماس في إرسال إرهابيين واستغلال موجة الأحداث التي ثارت في المدينة، إلا أنّه فيما عدا إرهابيا واحدا، الذي كان شقيقا لأحد عناصر حماس، لم يُسجّل نجاح في هذا المجال أيضًا.
التقارب من إيران
منذ سقوط حكم محمد مرسي في مصر، تجد حماس صعوبة في إيجاد راعٍ واحد كبير، ومصادر التمويل في الحركة آخذة في التقلّص. تحوّلت الحركة في مصر منذ وقت طويل إلى حركة غير مرغوب بها، ويحرص عبد الفتّاح السيسي على توضيح ذلك في كلّ فرصة. باستثناء موسى أبو مرزوق، الذي قد يتمّ قبوله بشكل ما في دوائر مصرية معيّنة، فلا أحد من حماس يمكنه الاقتراب من مصر.
ورغم أنّ الوضع في قطر أفضل بقليل، إلا أنّه وفي الوقت الراهن، حيث جميع أنظار العالم مفتوحة تجاه دولة الخليج الصغيرة قبيل كأس العالم، يبذل الأمراء القطريّون جهودهم في طمس علاقاتهم مع التنظيمات الإرهابية من أجل عدم تشكيل خطورة على إقامة كأس العالم في 2022.
في ساعة الذروة هذه، يبدو أّنّه لم يعد هناك مناص لحماس، وهم يطرقون على أبواب الإيرانيين مع طموح لتوسيع مصادر تمويلهم. وترغب إيران من جهتها بأن تتدخّل في الشؤون الفلسطينية، وترى في ذلك فرصة، حيث إنّ الاتصال الجديد يخطو خطواته الأولى. وخير مثال على ذلك ما رأيناه في احتفالات الانطلاقة لحماس في غزة، عندما حرص الناطق باسم كتائب عزّ الدين القسّام، أبو عبيدة، على شكر إيران بشكل علنيّ وواضح. يبدو أن حماس – الآن وأكثر من أيّ وقت مضى – تسير في طريق حزب الله، زميلها من الشمال منذ القدم.