“العودة إلى الجذور” هي ظاهرة آخذة في الازدياد في صناعة الموسيقى في إسرائيل. المزيد من الفنانين – المؤلفين، الملحنين، والمغنّين – يسعَون للعودة إلى أماكن طفولتهم، إلى روائع الأنغام وشذى الروائح، الآلات الموسيقية والأغاني، والحضارة التي أحضرها آباؤهم، أو أجدادهم وجدّاتهم، الذين قدِموا من شبه الجزيرة العربية، شمال إفريقيا، والقارة الأوروبيّة.
أحد هؤلاء الموسيقيين هو دودو طاسا (36 عامًا)، فنان موسيقي متعدد المواهب يتقن الكتابة والأداء، فضلًا عن التوزيع والإخراج. قبل نحو عامَين، رأى ألبومه الأول النور، باسم “دودو طاسا والكويتيان”، إذ تألف من موادّ لجدّ طاسا، داود الكويتي، وأخيه صالح. كان كلاهما موسيقيَّين شهيرَين جدَّا في العراق، في النصف الأول من القرن العشرين، واعتُبرا مقرّبَين من الأسرة المالكة في العراق، في عهد الملكَين فيصل وغازي.
استمعوا إلى دودو طاسا وفرقته يؤديان أغنية قديمة من العراق، “والله عجبني جمالك”:
الألبوم هو ثمرة عمل دؤوب لطاسا، امتدّ أكثر من عقد. فقد جمع موادّ من مصادر لا تُحصى، استمعَ إلى أغانٍ أصلية نجت من قلاقل الزمان والمكان، عمل على إعادة توزيعها، وأخيرًا سجّلها في ستوديو، بالتعاون مع موسيقيين بارزين أمثال يهوديت رفيتس وباري سحاروف. والشخصية الأخرى التي شاركت في الألبوم هي كارميلا تاسا، أم دودو وابنة داود، التي رافقت بصوتها عددًا من الأغاني.
رغم أنّ اللحن الأصلي جرت المحافظة عليه في الأغاني، بشكل خاصّ بفضل الاستخدام الصحيح لآلات وترية منوّعة (العود، مثلًا)، فإنّ المستوى الرفيع للإنتاج الموسيقي يمنحها شعورًا بالحداثة وعمقًا غيرَ عاديّ. ليس مدهِشًا أنّ دودو طاسا تحديدًا نجح في الدمج بين الأسلوب الموسيقي القديم، وبين ستوديو التسجيلات العصري. لكن، لفهم شخصيته، يجدر بنا العودة قليلًا إلى الوراء.
يصعُب التصديق أنّ ألبومه الأول صدر عام 1990، حين كان في الثالثة عشرة من عمره. ينفجر من حنجرته صوتُ عندليب، وبتأثير البيئة التي نشأ فيها، أُنتِج “أوهيف إت هشيريم” (يُحبّ الأغاني) بأسلوب متوسطي. في الحي الذي ترعرع فيه في تل أبيب، حي “هتكفاه، كان نجمًا صاعدًا وصوتًا مطلوبًا. رغم ذلك، رفض أن يواصل الخطّ نفسه، وأصدر ألبومه الثاني بعد عقد، احترفَ خلاله العزفَ والدراسات النظرية لجوانب الموسيقى المختلفة.
نجاح أوّل – منذ الثالثة عشرة في الأغنية الضاربة “أني شار” (أنا أغنّي):
عام 2003، عاد إلى الضوء مجددًا بعد صدور ألبومه الثالث “ميتوخ بحيراه” (طوعًا)، وبفضل مشاركته كعازف في فرقة برنامج حواريّ ناجح. أذاعت المحطات الإذاعية أغانيه دون توقف، وسُمع صوته الرقيق في كلّ مكان. تميّز الألبوم بنغمة “روك” من جهة، وباستخدام آلات نفخ وبانكسارات مفاجئة في صوته كوسيلة تشديد من جهة أخرى.
من ذلك الحين فصاعدًا، أضحى شخصية معروفة في المشهد الموسيقي، أصدر 4 ألبومات خاصة، وأسهم في كتابة، عزف، وإنتاج أغانٍ وألبومات عديدة لفنانين آخرين. أضاف عناصر راي وبوب، اتجه إلى الغناء العبري القديم وتحديث الأغاني، وواصل طريقه الموسيقية الخاصّة. في ألبومه السادس، “بسوف مترجليم لهكول” (في النهاية، نعتاد على كل شيء)، كانت الأغنية “إيزِه يوم” (أي يوم)، التي استضاف فيها عازف الغيتار الشهير، جوني غرينوود، عضو فرقة “راديوهيد” البريطانية.
أصغوا إلى الأغنية الرائعة “إيزه يوم” (أي يوم)، نموذج لـ”الاندماج” الموسيقي الذي رفعه تاسا إلى رتبة الفنّ:
لا يكفّ تاسا عن الإتيان بالمفاجآت. فإلى جانب التعاونات المثيرة، وبعد إصدار الألبوم الذي يشمل أغاني جدّه (وشقيق جدّه)، تفرّغ لمسيرة موسيقية إضافية، كممثل سينمائي. فقد شارك العام الماضي في فيلم “الأغنية الشعبية للربيع الباكي”، إيماءة للموسيقى الشرقية (المتوسطية) ذات الجذور، التي رافقت بلوغ كثيرين من الإسرائيليين. ورغم أنه تلقى المديح على ظهوره المبهِج، يبدو أنه ينوي العودة للتركيز على الموسيقى. وربما، في المستقبل القريب أو البعيد، يقرّر السير على خطى داود، وإصدار ألبوم جديد باللغة العربية. حتّى يحدثّ ذلك، يبقى لنا أن نستمتع بما أصدره حتّى الآن.
وفي النهاية، أنتم مدعوون للتمتّع بأداء دودو تاسا لأغنية “فوق النخل”، أغنية شعبية عراقية: