إذا كانت مخيّمات اللاجئين (الفلسطينية) تمثّل مقياسا لما يحدث في الضفة، يمكن الاستنتاج إذن أن الأوضاع سيّئة للغاية. منذ نحو شهر ونصف ومخيم بلاطة للاجئين – الأكثر ازدحاما وكثافة من بين مخيمات الضفة الغربية – يشتعل. أصبحت الصدامات، بما في ذلك إطلاق النار، بين جهات مختلفة داخل المخيم والقوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، في الشهرين الأخيرين أمرا شائعا. يكمن السبب المباشر لهذه الأزمة في مداهمة لقوات الأمن الفلسطينية للمخيم في منتصف شباط بهدف اعتقال ثمانية عشر مجرما مطلوبين من سكان المخيم ونقلهم إلى التحقيق في أريحا.
أقيم مخيّم بلاطة للاجئين عام 1950 للاجئي النكبة. يبلغ عدد سكانه نحو 23,000 مواطن في مساحة أصغر من كيلومتر مربّع واحد، ويعاني من نسب مرتفعة من الفقر، البطالة، الإهمال ونقص الخدمات الأساسية والبنى التحتية (على سبيل المثال كثافة الفصول الدراسية، نقص المياه النظيفة والبنى التحتية المناسبة للصرف الصحّي). حوّل الإهمال والكثافة السكانية المخيّمَ إلى منطقة صعبة السيطرة على نحو فعّال، وغالبا ما يكون كلّ دخول للقوى الأمنية الفلسطينية مصحوبا باحتجاج عنيف واشتباكات مع السكان.
في بداية أزمة بلاطة توصّل رئيس الحكومة الفلسطيني وجهات من داخل المخيّم إلى اتفاق تسوية، سلّم في إطاره بعض المطلوبين أنفسهم للقوات الأمنية. في مقاله الذي حمل عنوان “بلاطة: لن نصطاد السمك بالديناميت”، انتقد محرّر الموقع الإخباري الفلسطيني معًا، ناصر اللحام، الاتفاق، بل ووصف خطوات السلطة الفلسطينية ضدّ سكان المخيّم بأنّها “عقوبة جماعية”. أيا كان الحال، فقد انهارت التفاهمات بين الأطراف، وتدهورت الأزمة خلال وقت قصير إلى صراع عنيف. اندلعت، في الأسبوع الماضي، اشتباكات بين القوى الأمنية التابعة للسلطة وبين سكان المخيم، سقط فيها بعض الجرحى من إطلاق النار، من بينهم أطفال في سنّ العاشرة والحادية عشرة، وأحدهم في حالة خطرة. حمّل جمال الطيراوي، وهو عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وأحد أعضاء فتح بنفسه (هو من أقارب رئيس الاستخبارات الفلسطينية السابق ومستشار أبو مازن الأمني، توفيق الطيراوي)، قيادة السلطة مسؤولية ما يحدث داخل المخيم بشكل مباشر، وبشكل حصري لأبي مازن ورئيس الحكومة رامي الحمد الله. وفي أعقاب الأحداث الأخيرة اجتمع زعماء المخيم في محاولة أخرى لمنع استمرار التدهور.
إنّ حقيقة أن الفصيل الأكثر هيمنة على المخيم هو فتح تشير إلى عمق الأزمة. وفقا لشهادات مختلفة، تنشط في الأزمة الحالية فصائل مختلفة وتخريبية، بما في ذلك أولئك المنتمين إلى محمد دحلان، رئيس أجهزة الأمن في قطاع غزة سابقا والخصم المرير لأبي مازن من صفوف فتح في الوقت الحاضر، والذي تمّ طرحه من الحركة وهو الآن في المنفى (بشكل طوعيّ؟)، في الخليج. وأيّا كانت هوية الفصائل، فالدلالة هي أنّ سكّان المخيّم أصبحوا رهائن في أيدي مسلّحين سواء من القوى الأمنية التابعة للسلطة أو معارضيهم.
إنّ حجم هذه الأزمة، وانزلاقها إلى مخيمات أخرى في الضفة (وعلى رأسها مخيّم جنين للاجئين) قد يشير إلى أزمة عميقة في قدرة الحكم لدى السلطة الفلسطينية وإلى صراعات القوة والسلطة التي تظهر داخل فتح، في ظلّ الإشاعات حول اعتلال صحّة أبو مازن. يبدو أنّ الأزمة في مخيّمات اللاجئين، إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تدهور العلاقات مع حماس ونتائج الانتخابات في إسرائيل، تعكس أزمة داخلية خطيرة تعيشها السلطة الفلسطينية اليوم، وربّما تكون أزمة غير مسبوقة في حجمها ودلالتها السياسية.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع Can Think