“كلّ شيء فردَوس” – هكذا يردّ أفيغدور ليبرمان عادةً حين يُسأل عن حاله. أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ “فردَوس”. لائحة اتّهام خطيرة بالفساد؟ “فردَوس”. إسرائيل ستهاجم إيران؟ الإجابة هي ذاتُها دائمًا. مزاج ممتاز.
روى إلداد يانيف، الذي كان معاوِنًا مقرّبًا من رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك ومحاميًا بارزًا مثّل سياسيين كثيرين، مؤخرا: “كان ليبرمان يستهلّ كل محادثة بالقول: (لديّ جنة عدن، كيف الوضع لديك؟ ما وضع المضاجعات؟)”
شائعات من فيينا
ليس الكثير معروفًا حول علاقة أفيغدور ليبرمان برجل الأعمال اليهودي النمساوي، الملياردير مارتن شلاف. لا أحد يعرف المدى الحقيقي لأعمال الرجل، وكيف جمع ثروته. ما هو معروف أنّ شلاف يمتلك عددًا من الكازينوات، وقسمًا كبيرًا من “بنك أوف أوستريا”. كذلك، فإنّ اسمه معروف في إسرائيل كواحد من أفضل أصدقاء أفيغدور ليبرمان.
وأوضح يانيف أنّ ليبرمان وشلاف “رجُلان بالغان. إنهما لا يذهبان إلى الحانة. ثمة مكان في فيينا يُدعى (بابيلون)، بإمكانك أن تستأجر نساءً هناك، تخرج معهنّ، تضطجع معهنّ… ومارتِن يدفع”. يُذكَر أنه لم تجرؤ أية صحيفة مركزية في إسرائيل على اقتباس ما نسبه يانيف لليبرمان.
مع ذلك، أدرك كثيرون في الماضي العلاقة الحميمة بين شلاف وليبرمان. فقد نقلت صحيفة “هآرتس” أنّ ليبرمان كان الضيف الإسرائيلي الوحيد في مراسِم ختان نجل شلاف. كان ليبرمان حينذاك وزيرًا للخارجية، وكان الضيف الخصوصي للثريّ النمساويّ. وفق تحقيق الصحيفة، جمع شلاف أيضًا بين ليبرمان ومسؤولين فلسطينيين تربطه صداقة بهم.
“أشبعه ضربًا حتّى انفجر الطفل بالبُكاء”
لكن رغم كلّ الشبهات، الشائعات، والثرثرات في شؤون الفساد، فقد تمّت منذ وقت قصير، في 6 تشرين الثاني 2013، تبرئة ليبرمان بالإجماع من مخالفات الخداع والنكث بالعهود التي اتُّهم بها. كانت هذه نهاية لائحة اتّهام صغيرة ومنكمشة قُدّمت بعد سنواتٍ من التحقيقات، ومنها أيضًا خرج ليبرمان مثل الشعرة من العجينة.
ورغم أنّه حُكم أنّ ليبرمان ليس فاسدًا، فقد أدين في أمرٍ واحد. فعام 1999، تنازع ابن ليبرمان مع شابَّين، يبلغان من العُمر 13 و14 عامًا، قرب بيته في مستوطنة نوكديم في الضفة الغربية. هرع نجل ليبرمان إلى البيت، طالبًا مساعدة أبيه. وبالنسبة لردّ ليبرمان على مشكلة ابنه، تقول لائحة الاتّهام المُقدَّمة في هذا الشأن:
“خرج ليبرمان من بيته، وبدأ بمطاردة الولدَين. وفيما كان يطارِد، رفع حجرًا عن الأرض، وألقاه على ظهر أحد الطفلَين. هربا إلى مكان يختبئان فيه، ولكنّ ليبرمان تمكّن من تحديد مكان الشابَّين اللذَين اختبآ في كرفان (بيت متنقّل). حينها، ضرب أحدَهما على وجهه. من قوّتها [الضربة]، طار الولد نحو الحائط، تأذّى رأسه، وسقط أرضًا. وفيما كان لا يزال مضطجعًا مصعوقًا من الألم، أشبعه ضربًا حتّى انفجر الطفل بالبُكاء”.
توصّل محامو ليبرمان إلى صفقة ادّعاء مع المُشتكين، وأدانته المحكمة بالهجوم، التسبب بالأذى، والتهديدات. صادق القضاة على صفقة الادّعاء، لكنهم عبّروا عن امتعاضهم الشديد لأنّ ليبرمان نفّذ أفعاله عن سابق إصرار وترصُّد، ولم يُعرب عن الندم على ما اقترفت يداه.
الطيبي أشدّ خطورةً من مشعل. مبارك؟ ليذهبْ إلى الجحيم!
إذا كان من مجالٍ تميّز فيه ليبرمان على مرّ سنواته في السياسة الإسرائيلية، فهو شتمُ الآخرين، من أكبرهم إلى أصغرهم. فحتّى حين كان الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، في أوج قوّته، عام 2001، لم يتردد عضو الكنيست حينذاك ليبرمان في مهاجمته وتوجيه تهديد صريح له، إذ قال: “يواصل مبارك العمل ضدّنا والسفر للتشاوُر مع صدّام حسين. إذا نفّذ تهديده بإدخال قوّات إلى سيناء، فإنّ هذا نموذج لخطّ أحمر يجب الردّ عليه بقوّة – بما في ذلك قصف سدّ أسوان”.
بعد بضع سنوات، حين عمل وزيرًا في الحكومة الإسرائيلية، عاد ليبرمان إلى مهاجمة الزعيم المصري، الذي لم يقُم بزيارة إسرائيل، قائلًا: “لم يوافق مطلقًا على القيام بزيارة رسميّة إلى هنا كرئيس. كل زعيم يحترم نفسه يجب أن يشترط لقاءاتٍ كهذه. أيريد أن يتحدث إلينا؟ ليأتِ إلى هنا. لا يريد أن يأتي إلى هنا؟ فليذهبْ إلى الجحيم!” في وقتٍ لاحق، اضطُرّ رئيس الدولة، شمعون بيريس، إلى الاعتذار لنظيره المصري عن هذه الوقاحة.
أمّا هدف الهجوم الأكثر شيوعًا والأحبّ إلى قلب ليبرمان فهو عرب إسرائيل، وعلى رأسهم أعضاء الكنيست العرب. على سبيل المثال، قال ليبرمان للنائب واصل طه: “أنتَ حليف الإرهابيين في الكنيست. آمل أن تهتمّ بك حماس – أنتَ والباقين – يومًا ما. يومكم أيضًا سيأتي، لا تقلقوا”. وعن النائبَين أحمد الطيبي ومحمد بركة قال ليبرمان: “إنهما أخطر من مشعل ونصر الله”.
يشكّل موضوع عرب إسرائيل مسألة حسّاسة بالنسبة ليبرمان، وقد كرّر مؤخرا موقفه بأنّ عرب إسرائيل يجب أن يُصبحوا في نهاية المطاف مواطنين في الدولة الفلسطينية. حتّى إنه قال مؤخرا إنّ عرب إسرائيل “مصابون بالفصام”، فهم لا يستطيعون أن يقرّروا إن كانوا إسرائيليين أم فلسطينيين.
كذلك، لم تعرف علاقات ليبرمان بباقي دول العالم الراحة. فحين كادت تندلع أزمة بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، قال للإعلام الإسرائيلي إنه “يجب القول للأوروبيين بأوضح طريقة دبلوماسيّة: كُفّوا عن إرباك الدماغ”. حقًّا، كلمات غير اعتيادية من وزير خارجيّة!
أصوات تسوِية
ومع ذلك، فمنذ تبرئته في تشرين الثاني، يجري الحديث في إسرائيل عن ليبرمان آخر جديد. فقياسًا لموقفه المتطرّف تجاه الفلسطينيين، واتّهاماته المتكررة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإدارة “إرهاب سياسيّ”، يُبدي ليبرمان انفتاحًا ومرونة حيال مساعي وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، للتوصُّل إلى اتّفاق بين إسرائيل والفلسطينيين.
“أيّ اقتراح بَديل يمكن أن نتلقّاه من المجتمع الدولي سيكون أسوأ بالنسبة لنا من اقتراح كيري”، قال ليبرمان عن نظيره الأمريكي، مثنيًا على جهوده. وهذا الأسبوع، حين هاجم وزير الدفاع موشيه يعلون كيري مُلقّبًا إياه “المسيحانيّ والمهووس”، كان ليبرمان مَن وقف إلى يمين كيري، داعيًا إلى التهدئة.
فهل نشهد تشكّل ليبرمان من طرازٍ آخر؟ إذا سألتم المحلّل السياسي لصحيفة معاريف، شالوم يروشلمي، فإنّ إجابته هي لا. “في رأس الهرم السياسي يدركون أنّ ليبرمان لم يغيّر مواقفه قيد أنملة حول عملية السلام”، يوضح يروشلمي. ويتابع: “غيّر فقط التكتيك السياسي والصورة الزائفة”.
لكن يبدو أنّ رئيس دولة إسرائيل، شمعون بيريس، يصدّق الصورة الجديدة لوزير الخارجية، إذ قال: “ليس منصفًا أن تأخذ منّي صورة البالغ المسؤول”، ممازحًا ليبرمان حول التغيير الذي طرأ عليه، في مؤتمر لوزارة الخارجية. ووفقَ محلِّلين إسرائيليّين، بدأت تتغير النظرة إلى ليبرمان في الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا. وإذا صدقت الأنباء، فإنّ الولايات المتحدة أيضًا سلّمت بأنّه عند حلول الوقت، سيرث ليبرمان مكان نتنياهو في مكتب رئيس الحكومة.