تُصادف اليوم ذكرى انقضاء 21 عامًا على حدث تاريخي هام وواحد من الأحداث الغريبة في تاريخ الشرق الأوسط. وقف على المنصة الممثلون عن الجانب الإسرائيلي، الفلسطيني، الأمريكي، الروسي والمصري، وانتظروا مراسم التوقيع، التي والتي سيتم بموجبها تسليم قطاع غزة وأريحا للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي تم تشكيلها قبل وقت قصير من ذلك. ولكن شخصًا واحدًا يدعى ياسر عرفات قد أفسد على الجميع ذلك الاحتفال.
قبل ثمانية أشهر من ذلك، وتحديدًا في تاريخ 13 أيلول من العام 1993، وقع رئيس الحكومة الإسرائيلي، اسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، مذكرة إعلان مبادئ سُميت “اتفاق أوسلو”، التي التزمت فيها منظمة التحرير بالتخلي عن العنف والاعتراف بإسرائيل، بينما التزمت إسرائيل بالاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. ومن ثم تم البدء بالتفاوض من أجل إقامة الحكم الفلسطيني المُستقل، الذي بدء بمنح السيطرة، للسلطة الفلسطينية الجديدة، على مدينة أريحا في الضفة الغربية وعلى المدن الفلسطينية في قطاع غزة.
عندما جاء موعد التوقيع، قرر رئيس السلطة الفلسطينية ياسرعرفات القيام بعملية استفزازية، ورفض التوقيع على الخرائط المُرفقة بالاتفاق
نقل هذا الاتفاق مسألة إعلان المبادئ، من عام 1993، إلى التطبيق الفعلي: تم الاتفاق على خروج الحكم العسكري الإسرائيلي من قطاع غزة ومنطقة أريحا، وأن يتم نقل السلطة للفلسطينيين. تم الاتفاق على أن تضم منطقة نفوذ سيطرة السلطة الفلسطينية مناطق قطاع غزة والضفة الغربية التي تُشكل بالنهاية وحدة إقليمية واحدة، وتم الاتفاق على تشكيل شرطة فلسطينية للحفاظ على النظام والأمن الداخلي، بينما تتحمل إسرائيل مسؤولية حماية الأمن الخارجي.
تم تحديد القاهرة كمكان لتوقيع الاتفاق، برعاية الرئيس المصري حسني مبارك. انضم، إضافة إلى رابين وعرفات، من الجانب الإسرائيلي وزير الخارجية شمعون بيرس، ومن الجانب الفلسطيني محمود عباس. كذلك انضم إلى مراسيم التوقيع كلُ من وزير الخارجية الأمريكي وكذلك وارن كريستوفر ونظيره الروسي أندريه كوزيرف.
ولكن، عندما جاء موعد التوقيع، قرر رئيس السلطة الفلسطينية ياسرعرفات القيام بعملية استفزازية، ورفض التوقيع على الخرائط المُرفقة بالاتفاق. لاحظ رابين ذلك، وتشاور مع بيرس على المنصة. سادت القاعة حالة من الإحراج، حين تبيّن أن عرفات يرفض التوقيع.
بقي عرفات لمدة نصف ساعة متمسكًا بقراره، إلى أن ألقى الرئيس المصري بكل ثقله لإنهاء هذا الأمر المحرج
بقي عرفات لمدة نصف ساعة متمسكًا بقراره، إلى أن ألقى الرئيس المصري بكل ثقله لإنهاء هذا الأمر المحرج، وصرخ بوجه ياسر عرفات أمام الجميع قائلاً: “وقّع يا كلب”. عرفات، الذي يبدو أنه أراد أن يُظهر للعالم مدى رفضه للتنازل عن المصالح الفلسطينية، انصاع أمام مُبارك.
أطلقت إسرائيل في يوم توقيع الاتفاق، وفي اليوم الذي تلاه سراح نحو 1400 سجين فلسطيني من سكان الضفة الغربية وغزة. بعد مرور نحو شهرين، وتحديدًا في 1 تموز 1994، عاد عرفات بعد عقود من الإبعاد إلى فلسطين. بعد أقل من عشر سنوات من ذلك التاريخ، في نهاية 2004، ترك عرفات فلسطين لآخر مرة، برحلة جوية إلى فرنسا والتي لم يعد منها.