قرار إلغاء الأمر المتعلق بعدم السماح للفلسطينيين، الساكنين في الضفة الغربية، بالعودة من عملهم، في إسرائيل، بالحافلات التي يستقلها إسرائيليون، كان قرارًا صائبًا وخطوة صحيحة ولكن، يبدو أنه تم اتخاذ ذلك القرار لسبب غير صحيح. ما كان يجب أن تكون ردة فعل العالم المُتوقعة، للطلب من الفلسطينيين أن يستقلوا حافلات منفصلة، هو السبب الأساسي، وبالطبع ليس الوحيد، للخطوة التي اتخذها رئيس الحكومة.
كان يجب أن يكون السبب هو المبادئ الأخلاقية التي علينا أن نتبناها. إن الفصل بين المسافرين، في المواصلات العامة، وفقًا لأصولهم، يُناقض المبادئ الأخلاقية لدولة إسرائيل. ورأينا تجاه أنفسنا هو أهم بكثير من رأي الآخرين بنا.
تعلم اليهود والعرب الحياة معًا في دولة إسرائيل، والفصل بين الوسطين اليوم أمرٌ ليس مُمكنًا ولا مرغوبًا به
لا يُمكن الإنكار، هناك مشكلة أمنية، ويشعر المواطنون الإسرائيليون أحيانًا بالتهديد. كثيرًا ما فجّر فلسطينيون أنفسهم في الحافلات وقتلوا وجرحوا مئات الإسرائيليين؛ وفي القدس يحاول المُخربون مر تلو الأخرى طعن يهود أو دهسهم في الشارع؛ قبل ثلاث سنوات اختطف مُخربون ثلاثة شبان يهود وقتلوهم. هل يعني هذا أن الطريقة للحفاظ على المسافرين اليهود هي منع جميع الفلسطينيين من استخدام المواصلات العامة المتيسرة لليهود، أو أن على أولئك الذين يحتاجون لسيارة أجرة أن يستقلوا فقط سيارات الأجرة التي يقودها يهود؟ هل الحل للمشاكل الأمنية، التي تسبب بها مُخربون فلسطينيون، هو الفصل بين اليهود والعرب؟
ليست عملية الفصل هي الحل. هذا الأمر خاطئ أخلاقيًّا ومُدمر للمجتمع الإسرائيلي. تعلم اليهود والعرب الحياة معًا في دولة إسرائيل، والفصل بين الوسطين اليوم أمرٌ ليس مُمكنًا ولا مرغوبًا به. يدخل عمال فلسطينيون، من الضفة الغربية، إلى إسرائيل كل يوم ويساهمون بدعم الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني. يجب أن يكون أحد أهداف الحكومة هو الاستمرار بدمج العرب الإسرائيليين بالمجتمع. وتحسين الظروف المعيشية في الضفة الغربية هو أمر سيعود بالفائدة على الإسرائيليين والفلسطينيين على حدِّ سواء. إن الفصل بين اليهود والعرب، حتى وإن كان ذلك في الضفة الغربية فقط، يُناقض تمامًا هذا التوجه.
في إسرائيل ذاتها، بات دمج المواطنين العرب في المجتمع والاقتصاد يتقدم العام تلو الآخر
في إسرائيل ذاتها، بات دمج المواطنين العرب في المجتمع والاقتصاد يتقدم العام تلو الآخر. يعمل أطباء عرب في مُستشفيات إسرائيلية، يُحاضر أساتذة عرب في الجامعات، هناك محامون ومدققو حسابات عرب شركاء في مكاتب كبيرة، يعمل صيادلة عرب في صيدليات موجودة في مُدن يهودية ويعمل سائقو أجرة عرب في كل أنحاء إسرائيل. ما من شخص سليم العقل قد يُفكر بالفصل بين العرب واليهود في البلاد.
الوضع في القدس مُعقد جدًا. يعمل الكثير من المواطنين العرب، أبناء الأحياء العربية في القدس، في مصالح تجارية يملكها يهود، في كل أنحاء المدينة. يؤدي الكثير من سائقي الحافلات وسيارات الأجرة العرب عملهم داخل أحياء يهودية. تُثير موجة الأعمال الإرهابية، التي يقوم بها مواطنون عرب من القدس، القلق لدى المواطنين اليهود في المدينة، إلا أن الفصل هنا أيضًا هو ليس الحل.
هذا الحل مرفوض أخلاقيًّا، كما ويثير اشمئزاز أولئك الذين يُريدون أن تبقى القدس موحّدة. من الأفضل أن يتم ضمان الأمن من خلال تعزيز الكادر البشري في خدمات الأمن والشرطة، وزيادة عدد ضباط الأمن في الأماكن الاستراتيجية في المدينة، وليس محاولة الفصل بين اليهود والعرب.
يشكل اليهود في إسرائيل الأغلبية بينما يُشكل العرب الأقلية، ولكن في الضفة الغربية الأمر مُختلف فالعرب هم الأغلبية. يريد بعض الإسرائيليين اليساريين اقتلاع 500 ألف يهودي من الضفة الغربية، “نحن هنا وهم هناك”، هذا شعارهم. هذا سيكون “الفصل” الأخير، وهنا أيضًا هذا ليس الحل. ليس الفصل الذي يتم من خلال ترحيل العرب ولا الفصل الذي يأتي من الفصل في الحافلات. يتعيّن على مؤسستنا الأمنية أن تعمل على توفير الأمن لكل مواطني الضفة الغربية، في إطار المبادئ الأخلاقية التي نؤمن بها.
نُشر هذا المقال على “صحيفة “هآرتس”