وصف رجال استخبارات إسرائيليون رئيس أركان حزب الله، الذي اغتيل في ضواحي دمشق في شباط 2008، بأنّه “أحد أخطر أعداء إسرائيل”، فيما لقّبه آخرون “رأس الأفعى”، ولا تقلّ أهمية اغتياله بالنسبة لإسرائيل عن أهمية اغتيال بن لادن بالنسبة للولايات المتحدة.
مِن قائدٍ في فتح إلى رئيس الأركان في حزب الله
وُلد مُغنية لأسرة شيعيّة لبنانيّة فقيرة في 7 كانون الأول 1962 في قرية طيردبا في قضاء صور جنوب لبنان. وفق عددٍ من المصادر، يتحدّر مُغنية من أصل فلسطينيّ. بدأ مسيرته العمليّاتية في الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كناشط في “القوّة 17” التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في بيروت. عام 1982، إثر مغادرة حركة فتح إلى تونس، انضمّ إلى النواة الأولى لمؤسّسي حزب الله. في البداية، عمل حارسًا شخصيًّا للسيّد محمد حسين فضل الله، الزعيم الروحي للحزب عند تأسيسه.
وفي وقتٍ لاحق، عمل رئيسًا لجهاز الأمن في حزب الله، وبعد ذلك أنشأ جناح العمليّات فيه، وكانت ذروة عمليّاته إنشاء جهاز للتفجيرات الخارجية ونسج العلاقة المميَّزة مع الاستخبارات الإيرانية. بسبب منصبه كقائدٍ للجناح العسكري لحزب الله، كان مُغنية عضوًا في “مجلس الشورى”، الذي يقودُ حزبَ الله، تحت اسمٍ مستعار هو “جواد نور الدين”.
وعُرف مُغنية بصفته قائدًا شديدَ التدقيق وذا شخصية جذّابة، سعى إلى التحكّم في جميع تفاصيل كلّ عملية، وأشرف شخصيًّا على كافة وحدات الحزب. وقد رأى نفسه وريثًا محتمَلًا للأمين العامّ للحزب، حسن نصر الله، ما كان سيسمح له بمغادرة العالَم الخفيّ خلف الكواليس حيث يعيش.
ويمكن أن يُدعى مُغنية أيضًا “وزير الدفاع” في حزب الله. فقد أنشأ جهاز التفجيرات الخارجية في الحزب، وكان له ارتباط وثيق بفيلق “القدس” في الحرس الثوري الإيرانيّ – فيلق مسؤول عن العلاقة مع الشيعة حول العالم وعن التنظيمات الإرهابية التي تعمل لصالح إيران.
المطلوب رقم 2 في الولايات المتحدة
اعتُبر مُغنية حتّى اغتياله المطلوب رقم 2 في الولايات المتحدة (بعد بن لادن)، بسبب تورّطه في خطف طائرة T.W.A عام 1985. قبل ذلك، كان مسؤولًا عن تفجير شاحنة مفخّخة في مدخل مقرّ المارينز في بيروت عام 1983. في الثمانينات، تورَّط أيضًا في التخطيط لعمليات خطف رهائن غربيين وتنفيذها، بما في ذلك خطف مواطنين أمريكيين في لبنان.
عام 1988، اختُطفت طائرة كويتيّة تُقلّ 121 من الركّاب وأفراد الطاقم كانت في طريقها إلى بانكوك، قُتل اثنان منهم. خلال عقدَين من الزمن، اتّهم الكويتيون مُغنية بالاختطاف، لكن لم تكن لديهم قرائن. بعد اغتياله، قالوا ذلك علنًا.
في نيسان 1995، أحبطت المملكة العربية السعودية خطّة أمريكية للقبض على عماد مُغنية، الذي كانت طائرته ستهبط في الرياض. وكشفت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أنّ طاقمًا خاصًّا من عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي (الإف بي آي) أُرسِل إلى الرياض لاختطاف مُغنية، الذي كان يُفترَض أن تتوقف طائرته في الرياض، وفق معلومات مسبقة. ولا يزال دافعُ عدم تعاوُن السعوديين حينذاك غير واضح.
وبعد ذلك بعامٍ واحد، لدى تفجير أبراج “الخُبَر” في منطقة الرياض عام 1996، الذي قُتل فيه 19 جنديًّا أمريكيًّا، وضع مُغنية السعودية على لائحة ضحايا الإرهاب العالميّ.
الحساب مع إسرائيل
وبعد اغتيال الأمين العامّ لحزب الله، السيّد عباس الموسوي، أحسّ مُغنية أنّ إسرائيل ستحاول التخلّص منه هو أيضًا، ففرّ إلى إيران. وفق تقارير مختلفة، أكثر مُغنيّة، بعد ملاحقته، من تبديل الهويات، وخضع لجراحات تجميليّة لهذا الهدف.
كلّ التفجيرات الإرهابية في العالم التي انطلقت بإيعازٍ من طهران كانت بتنسيق، تخطيط، وتنفيذ مُغنية. في إطار هذا التعاوُن، نُفّذ التفجيران في بوينس أيرس: عام 1992 ضدّ السفارة الإسرائيلية، وعام 1994 ضدّ لجنة الجاليات اليهوديّة. وقد قُتل في هذَين العملَين الإرهابيَّين ما يربو على 100 إنسان. بطبيعة الحال، كان لإسرائيل إثر هذه التفجيرات، حساب طويل مع مُغنية.
وتوسّع الحساب الإسرائيلي مع مُغنية أكثر بعد التقديرات بتورُّطه في نقل الطيّار رون أراد إلى الحرس الثوري الإيراني.
فضلًا عن ذلك، يمكن أن تُسجَّل في حساب مُغنية كلّ الأعمال القتالية التي نفّذها حزب الله ضدّ إسرائيل، بما في ذلك الكمين الذي نُصب للجنود الثلاثة في مزارع شبعا والتخطيط لخَطف إلحنان تننباوم عام 2000، واختطاف إلداد ريجف وأودي جولدفاسر في تموز 2006، ما أدّى إلى نشوب حرب لبنان الثانية (حرب تموز).
محاولات اغتياله
وفق الإعلام الأجنبيّ، بسبب مسؤوليّته عن تفجير السفارة في الأرجنتين وتفجير السفارة الإسرائيلية في لندن في تموز 1994، أضحى مُغنية الاسم الأوّل على لائحة المطلوبين للاغتيال لدى الموساد.
حاولت إسرائيل اغتيال مُغنية مرارًا وتكرارًا، لكنها لم تنجح على الإطلاق. عام 1994، وفق مصادرَ لبنانيّة، خبّأ عملاء لبنانيون عملوا لصالح الموساد قنبلة قتلت أخا مُغنية، فؤاد. كانت الخطّة قتلَ مُغنية حين يحضر تشييع شقيقه، لكنه لم يحضُر.
عام 1999، تجوَّل مُغنية على الحُدود مع إسرائيل. تمكّن الجيش الإسرائيلي من التقاط صُور، وطلبت شعبة الاستخبارات العسكرية اغتياله فورًا. لكنّ رئيس الحكومة حينذاك، إيهود باراك، لم يُصادِق على العمليّة خشيةً من إشعال الحُدود.
وفي مُناسباتٍ أخرى، لم تُنفَّذ العمليّات، لعدم توفّر معلومات كافية، أو بسبب الخطورة الكبيرة في تنفيذ العمليّة.
الاغتيال
نجحت عمليّة اغتيال مُغنية في نهاية المطاف بعد أن أظهر نقصًا غيرَ اعتياديّ في التحوُّط. خرج مُغنية عن سلوكه الحذِر العمليّاتي، كُشف، وقُتل في تفجير في جيب “باجيرو” الفضي الخاصّ به في دمشق.
وفق التقارير من سوريّة، انفجرت العبوة في القسم الخلفيّ من سيارة الجيب، حين دخلها مُغنية بعد أن خرج من شقّة في المنطقة. ووفق تقاريرَ إضافيّة، قُتل في الانفجار أيضًا مرافق مُغنية ومسؤول آخر في حزب الله، هو المستشار السياسي للأمين العامّ حسن نصر الله.
وكانت قناة الجزيرة قد ذكرت حينذاك أنّ القوى الأمنية السورية منعت الصحفيين من تصوير المكان، حتّى عبر هواتفهم النقّالة. سارع حزب الله وحركة حماس إلى اتّهام الاستخبارات الإسرائيلية بالمسؤوليّة عن الاغتيال، لكنّ إسرائيل الرسمية نفت تورّطها في الاغتيال.
دُفن مُغنية في مقبرة شهداء حزب الله في حيّ الغبيري، في ضاحية بيروت الجنوبيّة. وقد أصبح موقع دفنه قبلةً للحجّ بالنسبة للمسؤولين الإيرانيّين، مسؤولي حزب الله، وزوّار لبنان الأجانب.
عيّن حزبُ الله صهر مُغنية، مُصطفى بدر الدين، مسؤولًا عن الجناح الخارجي في الحزب بعد الاغتيال. وهو يُعتبَر اليوم القائد العسكري الأعلى في الحزب.