كانت الشباتان على مدى سنوات مستبعدتين، منبوذتين، تعيشان على هامش المجتمع الإسرائيلي وتتعرضان للسخرية، الاحتقار وفي أحيان كثيرة جدا للعنف أيضًا. بدأ مجتمع المتحولين جنسيا في إسرائيل، والذي بدأ نشاطه كأفراد في وقت ما في الثمانينيات المتأخرة، بتشكيل أفراده حول موقدة قبيلة واحدة. جاءت ذروة هذا التكتل في نهاية الأسبوع الماضي عندما صعدت 12 متنافسة متحولة جنسيا واحدة تلو الأخرى على منصة المسرح القومي الإسرائيلي وعندما سعَين إلى تمرير رسالة من الاحتواء والتحرير، الجمال، الحقيقة، المشاعر، والكفاح.
ركّزت مسابقة الجمال الأولى للنساء المتحولات جنسيا والتي أقيمت في تل أبيب يوم الجمعة الماضي الاهتمام الإعلامي حول جمال المتنافسات الاستثنائي ولكنها سعت أكثر من كل شيء إلى التأكيد على “اعتيادية” الفتيات وقدرتهنّ على أن يكنّ جزءا من المجتمع وألا يتم إلقاؤهنّ إلى هامش المجتمَع الإسرائيلي كما حدث حتى الآن.
وقد تميز الحفل بلحظة الفوز المدهشة لتالين أبو حنا، وهي عربية مسيحية من مدينة الناصرة، وذلك عندما اختيرت كملكة الجمال المتحولة جنسيا الأولى في إسرائيل. أبو حنا، راقصة في الواحدة والعشرين من عمرها، بدأت عملية التحوّل الجنسي لديها قبل عام من ذلك عندما كانت في العشرين من عمرها بتشجيع أمها وأختها الكبرى. أجرت عملية التحوّل الجنسي في تايلاند كمعظم الفتيات المتحولات جنسيا في إسرائيل واللاتي يسعين إلى تغيير جنسهنّ من ذكر إلى أنثى. فازت تالين بالمركز الأول في مسابقة Miss Trans 2016 وستمثّل إسرائيل في مسابقة الجمال العالمية للمتحولات جنسيا في برشلونة في أيلول، هذا العام.
أكثر ما جذب اهتمامنا في هذا الحفل المتألق، هو مكانة المتحولات جنسيا العربيات اللاتي يعشنَ في إسرائيل ويواجهن يوميا نتائج قرارهنّ حول تحويل جنسهن في المجتمع الإسرائيلي المحافظ والمجتمع العربي الذي ينظر إليهن نظرة “انحراف” عن الأعراف الاجتماعية المقبولة وغالبا ما يلقي بهنّ إلى الهامش أيضًا. تتعرض المتحولات جنسيا كثيرا للعنف، السخرية والاحتقار في أوساط أسرهنّ والبيئة القريبة ويواجهنَ صعوبات يومية في كسب الرزق بكرامة ولا يحظين بمعاملة من المساواة ككل مواطن آخر في البلاد.
التقينا بفتاتين متحولتين جنسيا عربيتين شاركتا في مسابقة الجمال، وأجرينا معهما محادثة حميمية ومثيرة للاهتمام حول تجاربهما وحول العالم الحقيقي الذي عليهما مواجهته يوميا.
“أنا لست رجلا مرتبكا، أنا راقصة ومتصالحة مع نفسي”
نشأت تالين أبو حنا (21) في مدينة الناصرة، وهي مدينة كبيرة في إسرائيل، وفازت بالمركز الأول في مسابقة Miss Trans. كونها مسيحية خفف عنها قليلا عملية القبول الذاتي. “رغم أنني ولدت ذكرا ولكن دائما كنت أعلم أنني أنثى، منذ سنّ مبكّرة جدا. في سنّ الرابعة عشرة عاما بدأت تتبلور هويتي الشخصية في ذهني. واجهت مضايقة في المدرسة وفي الحيّ كثيرا. في سنّ عشرين عاما، قبل نحو عام، قررت إنجاز عملية التحوّل الجنسي المنشودة مع فتاتين أخريين”، كما تقول لنا تالين وهي لا تزال تتجهّز خلف الكواليس للمسابقة.
تتحدث تالين بصراحة عن القبول الأسري، والذي هو الأهم بالنسبة لها وتقول: “دعمتني والدتي وأختي الكبيرة دائما. ولكن لم تؤيد أختي الوسطى فكرة عملية التحوّل كثيرا، ولم تدرك أهميتها بالنسبة لي. كذلك لم يدعمني والدي ولكنه أيضًا لم يعارض أن اجتاز عملية التحوّل الجنسي بشدّة. أزور أسرتي في الناصرة مرة أو مرتين في الشهر وأحظى باحترام والدي”. في سنّ السابعة عشرة انتقلت تالين إلى حيفا ولاحقا أيضًا إلى تل أبيب واكتشفت دعما أكبر لتحقيق حلمها أن تصبح أنثى. “لا يزال هناك رهاب من متحوّلي الجنس مع الأسف، وآمل أن تساعدني المسابقة على الترويج لآراء أكثر إيجابية. في اللحظة التي يرى فيها الناس نساء جميلات في التلفزيون ربما يفهمون أنّ ذلك ليس مجرد نزوة لرجال مرتبكين، وإنما نحن حقا ولدنا نساء كاملات في جسد ذكر وقد سمحت لنا التكنولوجيا المتطورة أن نلائم مظهرنا الخارجي مع شعورنا الداخلي”.
واليوم ما زالت تالين تمارس مهنة تعليم الرقص وترقص أيضا، ولكن بعد العملية تغيّرت طبيعة الرقص أيضًا. “عندما كنت ذكرا كان علي رفع راقصة الباليه أما الآن فأنا الأنثى وعلى الراقصين أن يحملوني”.
“رُبطت لمدة 5 أيام في السرير كي لا تهرب”.
قصة تالين المفاجئة هي استثنائية بشكل خاص. قبلت أسرتها (بشكل أو بآخر) التغيير الذي مرت به، ولم تنجر للعمل في الدعارة مثل الكثير من الفتيات المتحولات جنسيا الأخريات، واللاتي تعرّضن لتجارب عنف ورفض أكثر شدّة من قبل أسرهنّ ومن البيئة القريبة إليهنّ.
مادلين مطر (25 عاما) هي مثال على اجتياز عملية التحول الجنسي الذي كان مصحوبا بالكثير جدا من الألم والحزن، والتي أصبحت رويدا رويدا أنثى جميلة، لا تخاف أن تنكشف وأن تظهر في العلن، حتى لو كان ذلك غير مقبول من قبل الكثيرين في المدينة التي ولدت فيها، يافا.
مادلين، التي ولدت كإبراهيم مطر، ولدت لأسرة مسلمة متديّنة في يافا. “كنت في منزلي طائرا غريبا. في كل مرة كانت تزورونا فيها صديقات أمي في منزلنا كنت أجلس وأتحدث معهنّ. أعتقد أن أمي كانت تعرف دائما أنّني “مختلفة”. واجهت مضايفة في المدرسة في أكثر من مرة. في الشارع أيضًا، سمعت ألفاظ بديئة إلى ما لا نهاية”، كما تقول مادلين.
“لم أكن مرتاحة مع جسدي كرجل. كانت روحي أسيرة جسدي. في سنّ 12-13 بدأت في استكشاف حياتي الجنسية. دخلت إلى الإنترنت وقرأت المعلومات، ثم استشرت من مرّ بهذه الإجراءات حينذاك. رويدا رويدا كلما كبرت، أصبحت هويتي الجنسية أكثر وضوحا. بدأت أتناول هورمونات أنثوية، لم تكن تُباع في ذلك الوقت في الصيدليات أبدا. قمت بذلك سرّا، واشتريت الهورمونات في السوق السوداء”، كما أضافت.
كانت إجراءات التحوّل الجنسي التي مرت بها مادلين طويلة جدا وقد كلّفتها الكثير من الآلام الجسدية “لم أجد عملا، كنت بحاجة إلى المال لإكمال عملية التحوّل الجنسي. اضطررت إلى العمل بالدعارة. كنت أقف في الشوارع بتل أبيب وكان لدي زبائن دائمين. هكذا موّلت مصارفي والإجراءات التي اجتزتها. هكذا يفعل العديد من الفتيات اللاتي تراهنّ هنا”.
كانت قصة مادلين معروفة جدا في يافا، لقد شقّت الطريق ليس فقط لنفسها وإنما أيضًا كونها كانت إلهاما للمتحوّلات جنسيا الأخريات وللكثير من المثليين الذين رفضوا المحرمات الاجتماعية واخترقوا الوعي الاجتماعي.
“في إحدى الليالي وصلت إلى الزاوية الخاصة بي في تل أبيب والتي كنت أقف فيها دائما وفجأة توقفت بقربي سيارة. ظننت أنهم زبائن جدد. كلما اقتربت اتضح لي أن هناك 4 رجال يجلسون فيها. كان أولئك إخوتي. لقد جرّوني عائدين إلى المنزل وهم يضربونني بشدّة. عندما قدمنا إلى المنزل بكت أمي وتوسلت أن يتركوني فقاموا بسجني في الغرفة. في كل ليلة كانوا يقيّدونني بواسطة قفل بالسرير كي لا أهرب. كنت مربوطة لخمس ليال ولم أستطع الهرب. رويدا رويدا حاولت إقناعهم بأنّني أريد العودة للاستقامة. وأوضحت أنني مرتبكة وقلت إنني لن أهرب. وقد هربت في الفرصة الأولى التي سنحت لي، وذلك عندما كسرت نافذة الغرفة وذهبت مباشرة إلى محطة الشرطة. قدّمت شكوى ضد إخوتي ولذلك اعتُقلوا. ثم حكمت عليهم المحكمة بالسجن لمدة سنة ونصف. طلبت أمي أن أسامحهم وأكدت لي أنّهم لن يمسّوني. في تلك الفترة لم أصدّق أحدا وبعد تفكير طويل توجّهت إلى المحكمة وطلبت تخفيف عقوبتهم وإطلاق سراحهم. فطُلب منهم الابتعاد عني”.
وهي تتحدث لنا عن هذه الأحداث، كان بالإمكان أن ننظر إلى عيني مادلين اللامعتين وأن نفهم إلى أي مدى هي مشتاقة غلى حضن العائلة “أنا على علاقة مع والدتي وأخواتي الكبيرات. وإخوتي يحبونني جدا وتربطنا معا علاقة جيدة. لا أزور يافا تقريبا”. اعترفت مادلين أمامي أنّها تفكر في المستقبل وترغب حاليا في إعادة بناء حياتها والعثور على مهنة في مجال التجميل والأزياء.
رغم البريق الذي كان في تلك الليلة في المسابقة ورغم الرسالة التصالحية والمعانِقة التي حظيت بها الفتيات، لا تزال حياة أبناء المجتمع المثلي في إسرائيل صعبة. إنّ حياة المتحوّلات جنسيا هي أكثر صعوبة أيضًا. فهنّ يواجهن السخرية والعنف القاسي. تُجبر معظمهنّ على العمل في وظائف مؤقتة في أفضل الأحوال وفي الدعارة في أسوأ الأحوال، يجدن صعوبة في استئجار الشقق بل ويجدن صعوبة في إبقاء أقاربهم قريبا منهم. ورغم كل شيء فإنّ مسابقة Miss Trans نجحت في جسر الهوة وبطرح السؤال حول مستقبل أفراد هذا المجتمع وفتحت نافذة على الحياة الرائعة للنجمات المتحولات جنسيا الأكثر جمالا في إسرائيل.