قبل لحظات من عيد الميلاد: قُتِل 25 شخصا على الأقل أمس (يوم الأحد) وأصيب 38 في انفجار في كنيسة قبطية في القاهرة. يشكّل هذا الانفجار، بالإضافة إلى الهجوم على قافلة الشرطة المصرية قرب الأهرام في الجيزة (السبت) حلقة في سلسلة هجمات قاسية ضدّ أهداف مصرية واضحة. الهجوم ضدّ الأقباط هو تغيير خطير قد يقود مصر إلى دوامة داخلية أخرى.
في محادثة مع هوفمان آدم، وهو خبير إسرائيلي لشؤون داعش (حتى الآن لم يعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن العملية في الكاتدرائية)، حاولنا فهم ما هو سبب هذا التفجير تحديدًا ضدّ الأقباط والرموز المدنية في مصر، وهل يقود هذا التفجير مصر مجددا إلى دوامات اليوم الذي تلى الربيع العربي؟
يقدّر الجيش الإسرائيلي أنّ فرع داعش في سيناء آخذ بالتدهور، ولكن كيف يمكن تفسير إنجازاته في اليوم الأخير؟
“لنفترض أن عناصر داعش نفذت العملية، لأنّه حتى الآن لم يعلن التنظيم مسؤوليّته، فالحديث مع ذلك عن ضربة قاسية على الوتر المصري الحساس واستمرار مباشر للأيديولوجية القاتلة لدى داعش ضدّ الأقليات الدينية.
كجزء من الاتجاه العام، سيطر عناصر داعش اليوم (الأحد) على المدينة القديمة تدمر، بعد نحو تسعة أشهر من طردهم منها من قبل قوات النظام. لقد احتلّوا المدينة رغم موجة الهجمات الجوية للطائرات الروسية وسجّلوا إنجازا كبيرا بعد سلسلة من الهزائم في السنة الماضية في سوريا والعراق.
تشكل الدافعية عاملا مشتركا بين كلا هذين الحدثين، فالعملية في مصر هي ضربة على الوتر المصري الحساس ضدّ أهداف مدينة قبطية وكذلك فإن الدافعية هي السبب في إعادة احتلال تدمر. تحديدًا لأنّ العالم بدأ الآن برثاء داعش، تزداد دافعية مقاتلي الحركة لتنفيذ عمليات القتل هذه. ترغب داعش في تصدر العناوين وضرب الرموز الدينية، مثل مهاجمة الكاتدرائية خلال صلاة يوم الأحد في قلب القاهرة، وهو ما يشكّل استجابة جوهرية للأيديولوجية القاتلة لدى التنظيم”.
لماذا تعتقد أن عناصر داعش تهاجم الأقباط تحديدا؟
“تركّز داعش هجماتها ضدّ الأهداف المسلمة الشيعية، في الغالب. لا تظهر هنا تحديد أولويات حول “العدو المطلق”. تهاجم داعش الأكراد، اليزيديين والمسلمين السنة المتّهمين بالتجسس بالإضافة إلى الجيش المصري في سيناء. لا ينبغي التقليل في حوادث القتل هذه ولكن أيضًا لا يمكن الاستنتاج من ذلك أنّ داعش تعطي الأولوية للأقلية القبطية عن سائر السكان. المسيحيون في مصر هم بمثابة “الآخر” في الشرق الأوسط ولذلك يجب إما أن يعتنقوا الإسلام، أو أن يدفعوا الجزية، أو أن يتم طردهم أو تصفيتهم. رأينا نماذج كهذه أيضًا ضدّ الجالية المسيحية في مدينة الموصل: تطهير منطقة الشرق الأوسط من كل غير المسلمين”.
هل يمكن أن نتوقع أن تنتقل داعش من حرب ضدّ النظام المصري، ضدّ الأقليات الدينية إلى حرب ضدّ إسرائيل؟
“لا أعتقد. الهدف من ضرب الكاتدرائية في القاهرة هو فتح جبهة داخلية للأقباط ضدّ المسلمين، لتأجيج النفوس والتوترات بين الطائفتين. لا أعتقد أن هناك اتجاها للانتقال من الصراع ضدّ النظام المصري إلى الصراع ضدّ إسرائيل. أعتقد أنّ هدف داعش هو تأجيج التوترات في مصر ولكن الهجوم ضدّ إسرائيل يتطلّب موارد عسكرية أكثر والمزيد من القدرات التي لا تمتلكها داعش الآن.
تقاتل داعش بشكل تقليدي حتى الآن بنجاح ضدّ قوات ضعيفة: مثل الجيش السوري الذي تقهقر نتيجة الحرب الأهلية، والجيش العراقي في الموصل وبطبيعة الحال ضدّ قوات الثوار في المجال السوري – العراقي. داعش لا تقاتل قوات نظامية. وحربها في سيناء ضدّ الجيش المصري تتم في المنطقة الجغرافية الضخمة في سيناء وفي ظل الحضور الضئيل للقوات المصرية في المنطقة على مدى سنوات طويلة، وهو الأمر الذي تغيّر في السنوات الأخيرة”.
https://www.youtube.com/watch?v=QJgwJ0Narq4
هل تُتخذ قرارات في داعش سيناء؟ ما هو نوع علاقة فرع داعش في سيناء بالقيادة العامة للتنظيم؟ إلى أي مدى هذا الفرع مستقل؟
“أعتقد أن هناك تنسيق بين فرع داعش في سيناء والقيادة العامة. ومع ذلك داعش هي تنظيم هرمي جدا ومنظّم. أرجّح أنّ القيادة العامة تعلم بأعمال الفرع في سيناء، كما تتطلّب البيعة لأبي بكر البغدادي. ميدانيا، أعتقد أنّ فرع داعش في سيناء يختار كيفية تنفيذ العمليات والأهداف الحصرية”.
هل تشكّل داعش في سيناء اليوم تهديدا على السيسي؟
“الأمر متعلّق بتعريف التهديد. لا تشكل داعش تهديدا لإسقاط النظام. من جهة أخرى، أحد وعود عبد الفتاح السيسي لناخبيه هو أنّه سيعمل على استقرار الأمن في مصر. لقد اختير باعتباره الرجل الأقوى الذي سيعيد الأمن إلى الشارع المصري، ولكن الحرب المستمرة للجيش في سيناء ضدّ داعش والإضرار المتكرر بالمدنيين وعناصر الجيش، بدأت تقوّض من الثقة بالرئيس.
حتى الآن لا يمكن تتويج محاولة السيسي القضاء على الإرهاب في سيناء كنجاح. في المقابل كان هناك وعد آخر للسيسي في الانتخابات وهو أن تشكّل سيناء وجهة سياحية تدخل الأموال لمصر والآن طالما استمر الإرهاب فيها، فلن يزورها السائحون. لا يمكن للسيسي اليوم أن يقول للمواطن المصري البسيط “أعدتُ الأمن وأعدتُ مصر إلى مسارها”. كل ذلك يزيد من الاضطرابات الداخلية”.
آدم هوفمان هو طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس وباحث في مواقع التواصل الاجتماعيّ في جامعة تل أبيب. تتناول وظيفته الدكتوراة استراتيجيات الإعلام لدى التنظيمات السلفية الجهادية في مواقع التواصل الاجتماعي. باحث مشارك في منتدى التفكير الإقليمي