يكون الطلاق في الغالب عملية طويلة، متعبة، وليست سارّة على أقلّ تقدير. يمر معظم الأزواج الذين يقررون الطلاق برحلة طويلة مليئة بالتشهير ومحاولات إنقاذ أنفسهم من وحشية كل إجراءات الطلاق. هناك من سيؤيد المرأة وهناك من سيدعم الرجل. وأيا كان الأمر فإنّ الأولاد هم المتضرّرون الفوريون من هذه العملية الصعبة. لا يهم من سيحظى بحضانة الأطفال ومن سيكتفي برؤيتهم لفترة قصيرة، فسيعاني الأطفال من تجربة الترك الأصعب ما يكون في حياتهم وفي حالات عديدة سيفكّرون بأنّهم هم السبب وراء طلاق والديهما.
في إسرائيل تحظى معظم الأمهات المطلّقات (في نحو 90% من الحالات) بالحضانة الكاملة للأطفال. يترك هذا القرار للآباء خيارا في قضاء الوقت بصحبة أولادهم لمرتين في الأسبوع فقط وكل نهاية أسبوع ثانٍ (أيام الجمعة والسبت). فضلا عن ذلك كله يلزم القانون الإسرائيلي، الآباء فقط، بدفع تكاليف “النفقة” للأم وأبنائها.
ولكن في السنوات الأخيرة يجري في إسرائيل صراع عاصف حول حضانة الأطفال، وخصوصا في كل ما يتعلق بصراعات الطلاق. وقد بقي الجدل مفتوحا بين من يريد إبقاء “حضانة الطفولة المبكرة” كما هي، والتي تقضي أن الطفل في إسرائيل حتى سنّ السادسة والذي تطلّق والداه، سيبقى، باستثناء الحالات الاستثنائية، بحضانة أمه، وبين من يدعي أن القانون القائم يميّز ضدّ الآباء ويمنعهم من ممارسة أبوّتهم بشكل كامل من خلال الحضانة المشتركة. كجزء من النقاش يدعي الآباء أنّ هيئات السلطات القضائية والرعاية الاجتماعية تمتلك سلطة واسعة جدا بخصوص إخراج الأطفال من منازلهم وأنّ سياسة تلك الجهات موجّهة للإضرار بهم.
عند حدوث طلاق زوجين لديهما أطفال، يجب تحديد ترتيبات الحضانة: مكان سكن وترتيبات النوم الثابتة لدى القاصر. إذا لم يتفق الوالدان بينهما، فستقرر ذلك المحكمة لشؤون الأسرة. تتلقى المحكمة مساعدة من عاملين اجتماعيين، يقدّرون أداء الأمومة والأبوة ويوصون بالترتيب الأمثل.
في إسرائيل، الأساس القانوني لتحديد الحضانة هو كما ذكرنا “حضانة الطفولة المبكرة”. في السنوات الأخيرة تصدر في البلاد أصوات تدعي أنّ حضانة الطفولة المبكرة تمسّ بحقوق الآباء وقدرتهم على ممارسة أبوّتهم، وأنّها لا تلائم الواقع الجندري الحالي. في السنوات الثلاث الأخيرة، اشتدّ نضال الآباء وأصبح عالميا – يشمل شبكة من النشطاء في مختلف القارات، مواقع تعمل من خارج البلاد، وتوجّهات إلى الأمم المتحدة ضدّ دولة إسرائيل.
وتنقسم الأسباب الأساسية لاحتجاج الآباء وغضبهم الشعبي إلى ثلاثة أسباب: الأول، كما ذكرنا، هو إلغاء حضانة الطفولة المبكرة. في هذا الشأن أقيمت لجنة حكومية أوصت بإلغاء هذه الحضانة، ولكن لم تُطبّق توصياتها حتى اليوم.
السبب الثاني هو الحساب العادل للنفقة عند الطلاق. لا يوجد اليوم قانون ينظّم موضوع النفقة، وبناء على ذلك تعتمد المنظومة القضائية في إسرائيل على قوانين الشريعة اليهودية في قراراتها، والتي بحسبها لا تتحمل النساء مسؤولية إعالة أطفالهن اقتصاديا بغضّ النظر عن دخلهنّ. يدفع قانون النفقة الكثير من الآباء إلى حالة لا يكونون قادرين فيها على إعالة أولادهم، ووفقا لادعاءات الآباء، يمسّ هذا الأمر بالأولاد. في هذه القضية أيضًا أقيمت لجنة حكومية – والتي لم تطبَّق استنتاجاتها حتى الآن.
ورغم أن الرجال يكسبون أكثر في معظم الحالات، فالسؤال هو لماذا لا يُترك هذا الموضوع للنقاش في المحكمة، ومن ثم أن تتخذ القرار بدورها في كل مرة وفقا للحال. يدعي الآباء ليس أن المرأة لا تتحمل مسؤولية رعاية الأولاد تلقائيا فحسب بل إنّ حجم النفقة التي يدفعها الرجل أيضًا هو الأعلى من بين الدول الغربية. في ألمانيا، على سبيل المثال، يبلغ متوسط تكاليف النفقة حتى 180 يورو في الشهر لكل طفل. في الدنمارك 173 يورو لكل طفل، في فرنسا 91 يورو فقط، وفي إسرائيل يدفع الأب 447 يورو لكل طفل.
إنّ العبء الاقتصادي يجبر الكثير من الآباء على التهرب من التزاماتهم وفي حالات كثيرة إلى التخلّي مسبقا عن حضانة الأطفال لأنّ الدولة تجبرهم على دفع “غرامة ثقيلة” من دون الأخذ بالحسبان مساهمة الأم في إعالة الأولاد.
الظاهرة الأصعب التي تنبع نتيجة عجز الكثير من الآباء على مواجهة هذا العبء الاقتصادي هو ارتفاع معدّل الانتحار. وفقًا لتقرير الانتحار في إسرائيل والذي نشرته وزارة الصحة وُجد أنّ نسبة الآباء المطلّقين الذين ينتحرون كل عام أكبر بسبعة أضعاف من نسبة النساء المطلقات. فعلى سبيل المثال في عام 2010 بلغت نسبة المنتحرين في أوساط الرجال المطلّقين في أعمار 25-64 بالمعدل 82 حالة لكل 100,000 مطلق مقابل 12.4 في أوساط النساء.
ويتطرق السبب الثالث إلى تقديم “شكوى كاذبة” ضدّ الأزواج المطلّقين. “يوفر القانون في إسرائيل للزوجين المطلّقين أدوات فتاكة ضدّ بعضهم البعض”، كما يقول الآباء. “تؤدي الشكاوى الكاذبة إلى اعتقال آباء وتتسبب بحدوث ضرر نفسي ومهني لديهم”. تم مؤخرا تعديل القانون، ولكن ورد عن مكتب الادعاء العام في الدولة أنّه لن يكون هناك تغيير في السياسات في هذا الموضوع.
يبدو الآن أنّ نضال الرجال المطلّقين في إسرائيل يجني ثماره بصعوبة، ولكن بين حين وآخر يغطي الإعلام هذا النضال ويحضّر نماذجا وقصصا لآباء يكافحون النظام القضائي الذي لم يستطع تحديث قوانينه مع تقدّم المجتمع وبخلاف كل منطق وحسّ سليم.