اسمي الآن نوعمي كلسيك، وصونيا هبنشتريت سابقا. كنت ابنة عشر سنوات عندما اندلعت الحرب. وكانت عائلتي صغيرة. كنت الابنة الكبرى وكانت لدي أخت أصغر مني بعامين وكان أخي عمانوئيل صغيرا جدا، وقد وُلد أثناء الحكم الروسي. فرحنا جدا عند ولادته وكان الطفل المنتظر. أحببته كثيرا، واخترت اسمه وكنت أتنزه معه.
كان لدى والدي مخبز، وأثناء الحرب أغلقه الروس، ولكنا احتفظنا ببعض أكياس القمح لاستخدامها في الأيام الصعبة.
وحينها تغير كل شيء.
كانت المراسيم مكتوبة على لوحة الإعلانات اليومية، وجاء في الإعلان: “على كل عائلة أن تسهم وتشارك في الحرب”. أي أن على أحد أفراد العائلة العمل. وقد ذهب والدي إلى العمل صباحا ولم يعد في الليل، بل عاد بعد مرور أسبوعين، وكان متعبا. لهذا قررت والدتي أن تبدأ بالعمل، لأنه يتعين على أحد أفراد العائلة أن يعمل لإعالتها.
كنت أتنزه مع أخي وأختي في ساعات المساء وكنا نشاهد العمال وهم في طريقهم عائدين إلى المنزل. شاهدنا منديل والدتي الملون، ولكن اتضح أنه لم تكن تلك المرأة والدتي. واصلنا مراقبة كل العمال، ولكن والدتي لم تكن بينهم. عندها بدأنا نبكي.
خيّم الظلام على المنطقة، ولكن انتظرنا بصبر، وقال لنا الأشخاص: “أيها الأطفال، لا تقفوا هنا، فهذا يشكل خطرا عليكم”.
فأجبنا: “نحن ننتظر والدتنا”.
فقالوا: “هذا ليس مهم، اذهبوا إلى المنزل! ستصل والدتكم إلى البيت”.
عدنا إلى المنزل، ولم يسألنا والدي ماذا حدث. عندها خلدنا للنوم للمرة الأولى دون أن تكون والدتنا في المنزل.
كان والدي مريضا ولم يتكلم معنا. وفي الليلة التي توفي فيها صرخ أيضا: “خبز”.
قالت لنا جارتنا: “أصبحتم يتامى، ولكن اليتامى هم أشخاص أقوياء، وستعيشون وحدكم، لأن الحرب ستنتهي يوما ما”.
مرض عمانوئيل فنقلناه إلى المستشفى. في اليوم التالي ذهبنا لزيارته في المستشفى وأحضرنا له حساء، وكانت كل الأسرّة في المستشفى فارغة، ولم يكن هناك شخص يمكن أن نسأله ماذا حدث للأطفال المرضى.
ارتديت فستانا جميلا، وذهبت إلى العمل في منزل كبير كان لعائلة يهودية ذات يوم. في نهاية يوم العمل، كنت أحصل على صحن حساء، والقليل من الخبز لإطعام أختي.
في يوم من الأيام، عندما عدت إلى المنزل ومعي الخبز والحساء اللذان كانت تنتظرهما أختي، لم تتقدم أختي صوبي كالمعتاد. عندها دخلت إلى المنزل عبر النافذة لأنني فقدت المفتاح.
سألت جيرانينا إذا شاهدوا أختي روزا، التي كان اسمها ورد بالعبرية، فقالوا لي أن النازيين جمعوا اليهود وأرسلوهم إلى معسكرات الإبادة، وأخذوا كل الأطفال.
لم أستطع العمل بعد ذلك، لأنه تم إغلاق الحي بسياج عال مصنوع من الشجر أصبح يدعى “غيتو”.
كان يصل اليهود من المدن، والأحياء الغنية، ومعهم عربة فيها ممتلكاتهم. وصلت عائلة فاينبرغ إلى منزلنا، وعندها فرحت لأني لم أكن وحدي. مقابل وجودها في منزلنا أعطاني أفرادها وجبة واحدة في اليوم، وكانت أكثر مما حلمت به.
في يوم من الأيام ابتعدت عن المنزل، وعندما عدت لم تكن عائلة فاينبرغ فيه. عندها تذكرت، أنه في الليلة الماضية، عندما كنت مع أفراد هذه العائلة، أعطوني بطاقة هوية بولندية وقالوا لي: “سيجمع النازيون الأطفال في الغيتو، لهذا عليك الهرب من هنا”.
عندها أخذت بطاقة الهوية، وزحفت تحت جدار الغيتو هاربة بعيدا عنه. عندها أمسك بي رجلان وقالا لي: “أيتها اليهودية، أعطينا المال وإلا سنسلمك إلى الألمان!”
عرفت أنه سيتم القبض عليّ على أية حال، حتى إذا أعطيتهما مالا لأن كل يهودي يساوي كيلوغراما من السكر، لهذا عضضت كلا اليدين بشدة وعندها تركاني. فركضت عبر خط السكة الحديدية، وابتعدت عن الغيتو. سمعت صوت صفارة القطار قريبا مني لهذا عبرت خط السكة سريعا وركضت كالمجنونة إلى الجهة الأخرى باتجاه الرصيف. ركضت حتى نهاية الرصيف وكنت متأكدة أن الرجلان سيلحقان بي ولكنهما لم يفعلا ذلك.
كنت أدخل طعاما سرا إلى الغيتو لأتناوله فيه. أمسك بي عناصر الغستابو (الشرطة السرية لألمانية النازية) “متلبسة” ولكن نجحت في التحقيق معي بإقناع المحققين أنني بولندية عارضة عليهم شهادة ولادة بولندية وهكذا نجحت في التهرب منهم مستخدمة الخدعة.
نجحت بالهرب في قطار ليلي من مدينة لفيف بمساعدة رجل من أوكرانيا إلى منطقة قروية بالقرب من لوبلين التي عملت فيها حتى بدأ الأشخاص من حولي يشككون بي ويضايقونني. تجولت من مكان إلى آخر، حتى نهاية الحرب. اجتزت مراسم “المناولة” في الكنيسة. وعندما قدم لي الكاهن “القربانة” قلت في قلبي: “أنا يهودية، أنا يهودية”.
بعد إطلاق سراحي أردت العودة إلى لفيف. فكرت ربما ظل فيها أحد معارفي، ولكن عرفت من أول ناج يهودي التقيت به صدفة، ومن قائمة الناجين الـ 600 التي كانت بحوزته، أن ليس هناك أي شخص أعرفه.
لهذا لم أعد إلى لفيف. وصلت إلى لوبلين، إلى دار أيتام، ناجين مثلي. كان الأطفال في دار الأيتام في عمر 3 حتى 15 عاما، وكانوا يشعرون بالألم والحزن. عانيت من ضائقة مستمرة، فقدت صوتي بشكل مزمن، وتعرضت لجروح ملوثة كثيرة.
عندما قدمت من بولندا إلى إسرائيل في أيار 1948، بعد إقامة دولة إسرائيل، شعرت أني بدأت حياة جديدة.