حان الوقت لكسر الصمت، لا للمزيد. في اليومين الأخيرين يحدث مواطنو إسرائيل ضجة لأن وزير المالية، يائير لبيد، يطرح قانونًا لتخفيض ضريبة القيمة المضافة (في إسرائيل: 18%) على الأزواج الشابّة الذين يخطّطون لشراء شقّتهم الأولى.
ويبدو أنّ هذا الاقتراح هو حلم. بالنسبة لمعظم الأزواج الشابّة في إسرائيل فإنّ بشرى لبيد لاقت ترحيبًا. ووفقًا لاقتراح لبيد، فإن كل زوج مع طفل واحد على الأقلّ يريد شراء الشقّة الأولى من مقاول بسعر أقلّ من الحدّ الأقصى الذي تحدّده الحكومة، سيدفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 0%. أي أنّ زوجَين شابين في بداية طريقهما يمكنهما التوفير على أنفسهم ما لا يقلّ عن 18% من تكلفة شراء شقّة، حيث يمكنهما توفير المبلغ.
ولكنّ يكشف الفحص الدقيق في تفاصيل اقتراح وزير المالية لبيد، والذي تمتع في العام الأخير بنسب دعم منخفضة وواجه انتقادات لاذعة حول تصرفه الشعبويّ، عن عيوب حقيقية في ما يُفترض أنّه سيعالج أزمة السكن في المجتمع الإسرائيلي.
ومن لا يمكنه الاستمتاع بتلك “التسهيلات” الكبيرة؟ بالنسبة للكثير من المواطنين، بمن فيهم مصوّتون لصالح لبيد في الانتخابات الأخيرة، الذين يتوقون لشراء شقّة في إسرائيل، فإنّ المسافة بينهم وبين تحقيق هذا الطموح لا تزال بعيدة. من بين أمور أخرى، يجري الحديث عن عازبين وعازبات، مثلي، أزواج دون أطفال، مثلي، وأزواج لم يخدم أحداهما في الجيش (لأسباب صحية، وجدانية أو دينية) مثلي، جميعهم لن يحظى بالتسهيلات. أيضًا أولئك الذين سيشترون شقّة في إطار التسهيلات سيضطرّون إلى الالتزام بعدم بيع الشقّة لمشتر آخر لمدّة خمس سنوات على الأقلّ.
تعالَوا نعدّ معًا من لن يتمتّع بذلك: عازبون من الطبقة الوسطى، أزواج دون أطفال، والذين لا ينجحون في الدخول في الحمل أو أولئك الذين قرّروا بأنّهم حاليًّا لن ينجبوا طفلا أبدًا بسبب غلاء المعيشة في إسرائيل، العرب، لأنّهم لم يخدموا في الجيش لأسباب وجدانية ولعدم وجود قانون في إسرائيل يلزمهم بالانضمام إلى صفوف الجيش الإسرائيلي، والحاريديون بالتأكيد لنفس الأسباب المُشار إليها وهي الخدمة العسكرية.
وأنا أسأل نفسي، هل حقّا لم يملّ وزير المالية لبيد من هذه الشعبوية الرخيصة؟ إنه يهدد أحيانًا بزيادة ضريبة القيمة المضافة ومرة أخرى يقرّر إلغاء الزيادة المتوقّعة بسبب سوء موقفه في استطلاعات الرأي. أحيانًا يريد مساعدة الطبقة الوسطى، ويمثّل عرب إسرائيل جزءًا كبيرًا منها، ولكنه لا يزال يستهدف في التسهيلات فقط “اليهود الجيّدون” الذين خدموا في الجيش.
ثمة أخبار مزعجة بالنسبة للسكان العرب حيث إنّ أزمة السكن لديهم أكثر صعوبة. طوال الـ 66 عامًا منذ إقامة دولة إسرائيل، لم يتم بناء بل حتى تخطيط مدينة عربية واحدة رغم النموّ الكبير في تلك الشريحة (1.2 مليون)، والبنى التحتية الحضرية ليست موجودة تقريبًا. زيارة قصيرة إلى قرى المُثلّث أو المدن العربية الشمالية أو الجنوبية، ستفتح عينيك، سيّدي وزير المالية.
أعلم أنّه حين يتعلّق الأمر بمسألة الأراضي وتراخيص البناء، فالبعض منّا نحن عرب إسرائيل، يقوم بخرق القانون. بل هناك من يستهتر به وهذا بالتأكيد أمر خاطئ وليس شرعيًا. ولكن عليك أن تفهم أنّ هناك أسباب لذلك: ليست هناك مخطّطات هيكلية للمدن العربية، تخشى الهيئات المسؤولة عن تطبيق القانون من مواجهة السكان العرب عندما يتعلّق الأمر بجباية الضرائب، وأصبحت الرشاوى العشائرية والمصالح العائلية منتشرة في عدد ليس قليل من البلديات والمجالس العربية. في المدن المختلطة مثل عكا، الناصرة ويافا هناك خطّة ترميم سافرة لإقصاء الشريحة المحلية الفقيرة بشكل خاص، واستبدالها بالسكّان الأغنياء من خارج المدن. لا تُبنى الخدمات الاجتماعية – الثقافية المرتبطة بالسكان العرب مثل المدارس العربية، المساجد أو الكنائس، المحاكم الشرعية بشكل صحيح.
أفهم أولئك الذين يزعمون أمامي بأنّه ليس هناك ما يمكن عمله، إنْ لم تخدم الدولة فلن تستحقّ الحصول على التسهيلات. وعلى ذلك سوف أرد، فليس هناك قانون في إسرائيل يجبرني على الخدمة في الجيش كوني عربيًا، بل اعتبرت دومًا من قبل الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة كطابور خامس. ونعترف بالحقيقة أنّه حتى أولئك الذين خدموا في الجيش أيضًا، مثل الدروز والبدو، لم يحظوا فعلا بالحدّ الأدنى من خدمات الدولة: البنى التحتية الحضرية والفوائد الخاصة لقدامى العسكريين في شراء السكن العامّ المخفّض.
ومرة أخرى لا تخطئ يا لبيد إنْ كان الأمر يهمّك أو يهمّ حزبك في تمكين الدمج والدخول الحقيقي للسكان العرب بالتيّار الإسرائيلي السائد، كنت بالتأكيد ستحرص على شمل الشباب العرب في إسرائيل في قانون التجنيد والمساواة في العبء الذي شرّعته قبل وقت قليل بخصوص الحاريديين. وبالمناسبة فأنا شخصيًّا، من المؤيّدين المتحمّسين للخدمة المدنية الكاملة في أوساط شبابنا لخدمة الدولة، لأنّ هذه مواطنة صالحة، ولأنّ ذلك يخدم السكان العرب أنفسهم!!!
الورقة قصيرة كي نستمرّ ونقوّض جميع الأسباب التي قرّرتَ من أجلها الاستمرار في هذه الخطوة المشكوك بها، ولكن ربّما أستطيع توصيتك بطرق أخرى يمكن من خلالها إفادة الطبقة الوسطى التي تعاني تحت نير أزمة السكن: وفّروا المزيد من الأراضي للبناء، كبّروا حجم عروض المساكن، أوصلوا المناطق المهمّشة من خلال البنى التحتية الوطنية بمنطقة المركز وابدأوا بالاستثمار أكثر في المدن داخل الخطّ الأخضر، في البناء، التعليم والاقتصاد.
أتمنّى ألا يجتاز هذا القانون محكّ محكمة العدل العليا بسبب التمييز الواضح فيه. إنّ آليات مكتبك المهنية بدأت فعليّا بالضعف والانهيار أمام الانتقادات اللاذعة للخطّة.