من هو الرجل الذي قبل عام واحد فقط، في 14 آذار 2013، أُختير من قبل مجمّع انتخاب البابا لمنصب بابا الكاثوليك، والذي شغر منصب البابا بندكت السادس عشر؟
يعلّق مئات الملايين من الكاثوليك حول العالم على الحائط في منازلهم صورة وجه الجدّ المفضّل البابا فرنسيس (وهو الاسم الذي تم اعتماده مع تتويجه، واسمه الشخصي هو خورخي بيرجوليو)، والتي تختلف كثيرًا في شكلها عن صورة الرهبة لسلفه بندكت السادس عشر. الأحكام الدينية والسياسة الداخلية للفاتيكان تزعجهم أقلّ بكثير. لقد أعطاهم نجاح فرنسيس في تقريب الكنيسة للشعب شعورًا حميميًا بالانتماء والذي خسروه على مدى تسع سنوات بعد وفاة يوحنا بولس الثاني.
لم يمنحهم بندكت الألماني هذا الشعور، والذي تم تصويره من خلال وسائل الإعلام بأنّه رجل عجوز غضوب ومتزمّت، وصعوبة تواصله مع العالم الخارجي جعلته عاجزًا عن التعامل مع سلسلة من الفضائح التي ضربت أعلى قمّة الكنيسة الكاثوليكية خلال فترة ولايته.
وقد نجح بيرجوليو، الذي سيزور إسرائيل بعد شهرين، خلال وقت قصير جدًّا في تغيير النظرة إلى الكنيسة بشكل لم يتصوّره أحد. يصرّ الكاهن المتواضع على الاستمرار في حمل أوراقه بنفسه، يسافر في فورد فوكس بسيطة بدلا من الليموزين، يضرب الأكتاف مع السيّاح في ساحة القدّيس بطرس ويستجيب لهم لالتقاط الصور الذاتية. خلال أسابيع معدودة تحوّل إلى نجم، بل وأصبح “رجل العام” في مجلة تايم وبالتباين، أن يظهر على غلاف مجلة “رولينغ ستون” فيجعل نفسه أيقونة ثقافية ليس فقط بالنسبة للمؤمنين من الكاثوليك، وإنما بالنسبة للعلمانيين وأبناء جميع الديانات حول العالم الذين يتوقون كما يبدو لصورة جدّ الحكمة والرحمة.
ولكن حتى الاستعراض السريع لأعماله في العام الأخير يكشف بأنّ فرنسيس غيّر قليلا جدًا، إن لم يكن لم يغيّر شيئًا مطلقًا. في المجال اللاهوتي لم يكن لديه أي تحرّك بشأن قضايا مثل الطلاق، العلاقات المثليّة، عمل المرأة في وظائف مثل معلمة والموافقة على تزوّج الكهنة. بدلا من ذلك فإنّ البابا يقول بلسان لطيف ومعتدل: “من نحن بني آدم كي نحكم على الآخرين”، ووعد بتقبل كل شخص على أبواب الكنيسة.
أيضًا بخصوص فضيحة البنك في الفاتيكان، والحملات الحاقدة ضدّ موظّفين كبار في المؤسسة الكاثوليكية، وفوق كل الاكتشافات المستمرّة لمئات الأطفال والصبية الذين تم استغلالهم جنسيًّا من قبل كهنة وإسكات تلك الفضائح، فلم يكن هناك تغيير في السياسة. وسوى بعد التغييرات في الوظائف فإنّه لم يغيّر أيّ شيء يقترب من رحلة التطهير التي يعتقد بعض الكرادلة أنّها يجب أن تحدث في صفوف الكنيسة.
في الواقع يستمر فرنسيس في الإصلاحات التي بدأ بها سلفه المحافظ، الذي استطاع سرًّا وقُبيل انتهاء فترة ولايته أن يُقيل المئات من القساوسة المتّهمين بالاعتداء الجنسي. ولكن بندكت حظي فقط في الإدانات بينما يطفو فرنسيس فوق أيّ انتقاد.
يمكننا أن نتعلّم الكثير مثلا من أقوال البابا المحبوب. منذ أن أُختير للكرسيّ المقدّس قبل عام، اشتهر البابا بمواقفه الليبرالية والتجديدية. وبالمقابل طالب بجعل الفاتيكان أكثر تواضعًا وتركيز نشاطات الكنيسة على حاجات الفقراء.
حظيت أعماله وتصريحاته بصدى إيجابي جدًّا حول العالم، حتى من خارج صفوف الكنيسة. فعلى سبيل المثال قال خلال مؤتمر صحفي عقد فورًا بعد تتويجه، في 16 آذار 2013: “أوه، كم كنت أريد كنيسة فقيرة من أجل الفقراء”.
اقتباس آخر يدلّ على خشوعه كان في 28 آذار 2013 في خطاب للقساوسة: “علينا أن نخرج للخارج من أجل تحقيق كهنوتنا، أن نصل إلى حيث توجد المعاناة، الدماء، العمى أو الأسرى المستعبدين لسادة الشرّ”.
في مجال منح الحقوق للمجتمع المثليّ فاجأ وقال: “إذا كان شخص ما مثليًّا ولديه رغبة في استيعاب الله في حياته، فمن أنا كي أحاكمه؟” في 29 تموز، في حديث مع صحفيين على طائرة في طريق العودة من البرازيل.
وقد طالب فرنسيس أيضًا مكافحة صورة سوبرمان الجديد التي ألصقت به في الإعلام وحول ذلك قال: “إنْ كنت لا أخطئ فهذا كما قال سيغموند فرويد إنّه في كل تمجيد هنا عدوانية. إنّ وصف البابا كنوع من السوبرمان، نجمٌ ما، يبدو لي عدائيًّا تجاهي. البابا هو إنسان يضحك، يبكي، ينام بهدوء، ولديه أصدقاء كما لكل إنسان عادي”. 5 مارس في مقابلة مع صحيفة إيطالية.
في الوقت الراهن أيضًا في الشرق الأوسط يستعدّون لزيارة فرنسيس التاريخية. وقد خُصّصت الزيارة لتأكيد العلاقات الوثيقة مع المجتمع اليهودي ودعوة الفاتيكان للسلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وستكون زيارة فرنسيس المزمعة هي الرابعة لبابا الفاتيكان إلى إسرائيل. في عام 1964 زار البلاد بولس السادس، وفي عام 2000 يوحنا بولس الثاني وبعد تسع سنوات بندكت السادس عشر.