يرتبط استخدام داعش لمواقع التواصل الاجتماعية غالبا بالأفلام الإجرامية التي تصدرها. ولكن مثل هذه الإصدارات، التي تهدف تحديدا إلى الحرب النفسية، تشكّل نحو 10% فقط من مجموع إصدارات التنظيم الإعلامية، في حين أنّ الجزء الأكبر من نشاطه يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى تتعلق بطموحاته السياسية. هذا ما قرره باحث إسرائيلي خبير، وهو الدكتور هرئيل حوريف، من مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب.
في مقالة طويلة، حول قدرات الدولة الإسلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، يدّعي هرئيل أنّ الإنترنت ولا سيما مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أداة “للتلقين ولإقامة مجتمع افتراضي من المجنّدين المحتملين في المراحل الأولية، أي عندما يكونون (الشباب) جالسين في منازلهم في الخليج العربي، في الشيشان أو في باريس”.
بحسب كلام هذا الباحث الإسرائيلي، فإنّ ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب التحديثات التكنولوجية وعلى رأسها الهواتف الذكية “سهّلت على التنظيمات الإرهابية نشر رسائلها دون الاحتياج إلى وسطاء تقليديين مثل سلطات وقنوات إعلامية مؤسسية”.
ويدّعي الدكتور هرئيل أيضا أنّه إذا كان الإرهاب في الماضي بحاجة إلى عمليات تباهي، كتفجير الطائرات أو اغتيال شخصية كبيرة، وهي عمليات كانت باهظة الثمن ومعقّدة التنفيذ، فبإمكانه اليوم جذب الانتباه بوسائل رخيصة وبسيطة. كل ما يتطلّبه الأمر هو عمل إجرامي موثّق جيّدا مما يؤدي إلى الصدمة ومن ثم تنشره في مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم.
ومع ذلك فداعش ليست مجرّد تنظيم إرهابي يسعى إلى نشر الرسائل، وإنما أيضا لاعب يسعى إلى إقامة خلافة إسلامية أي دولة. إنّ قوة مواقع التواصل الاجتماعي في ربط وخلق حوار لدى المجتمعات غير المتجانسة تتجاوز الحدود القومية والثقافات المختلفة، ولذلك فهي تجسّد حاجة داعش جدا، حتى وإن كانت بشروط افتراضية، إلى الفكرة التجريدية للأمّة.
https://www.youtube.com/watch?v=8rSGJipCOAQ
تنتج داعش نحو 90% من إصداراتها الإعلامية. هذه المواد هي ذات طابع تقليدي أكثر من أفلام القتل، ولكنها هدفها ليس أقل أهمية في إحداث التلقين من خلال إنشاء لغة مشتركة من القيم العليا (الروح الجماعية)، المفاهيم الأساسية والرموز المغروسة في وعي مناصري الدولة الإسلامية في المراحل الأولية من تجنيدهم.
يستغل أعضاء داعش حقيقة أنّ لدى الكثيرين من المجنّدين المحتملين هناك فهم ضئيل للفكر الإسلامي، حتى لو مرّوا بمرحلة التطرّف في مناطقهم. إذ يفتقد الكثيرون منهم، على سبيل المثال من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى الغرب، أو من المجنّدين من غير العرب، بما في ذلك معتنقي الإسلام (في الولايات المتحدة مثلا 40% من المعتقَلين بتهمة الارتباط بداعش هم من معتنقي الإسلام) الإلمام الكافي باللغة العربية كوسيط يمكّن من التعرّف على المجموعة المتنوعة من التفسيرات القائمة. وهكذا تتحوّل الإنجليزية، “لغة الكفّار”، إلى وسيط يمكن لداعش بواسطتها التوجه إلى الجمهور المحتمَل من مجنّديها، والوقت نفسه عزلهم عن التفسيرات غير المرغوب بها لمصطلحات مثل الجهاد.
بل إنّ داعش تنشئ رموزا غير مكتوبة تُنشر في الشبكات. وككل علامة تجارية ناجحة، تسيطر في مجال التسويق، تستخدم داعش لغة تصميمية واحدة تهدف إلى إثارة التضامن مع الدولة الإسلامية، سواء كان المتضامن يعيش في أراضيها أو كان يعيش في “بلاد الكفار”. أحد الرموز المهمة في هذه اللغة هو العلم الأسود الذي يظهر تقريبا في كلّ صورة ينشرها التنظيم، والذي يضعه أنصاره في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي كعلامة لانتمائهم إلى مجتمع الدولة الإسلامية.
ثمة رمز شائع آخر، يكرّس مبدأ التضحية بالنفس، من خلال عرض جثث مقاتلي التنظيم بيمنا تكون ابتسامة صغيرة مرسومة على وجوههم. يتم إخراج مثل هذه الصور بحرص من قبل الإعلاميين في داعش، الذين يصورون الجثث بعد أن ينظّفوها من بقع الدماء ويرسمون على وجهها ابتسامة، والتي تنقل رسالة أنّ الشهداء قد حقّقوا أمنيتهم في الاستشهاد.
وتتضمّن ترسانة رموز داعش أيضا رموزا أكثر رقّة، مثل العصافير الخضر التي تجسّد أرواح من يقدّمون أنفسهم للشهادة. وتشكّل الأسود أيضا رمزًا شائعا لجرأة نفوس مقاتلي التنظيم، وتُستخدم الأشبال كرمز لجيل المستقبل في الدولة الإسلامية. ومن الرموز الأخرى القطط وجرائها التي تستند العلاقة الإيجابية بها إلى تقاليد بحسبها فإنّ أحد صحابة النبي، أبو هريرة، كان معروفا بحبّه للقطط. وفي الوقت نفسه، تُستخدم صور القطط لعرض الوجه الإنساني – كما يُفترض – للدولة الإسلامية.
ينشر جناح الإعلام لدى داعش والذي يشغّله مئات المهنيين من المصوّرين، المخرجين، المحررين، مهندسي الحواسيب وقراصنة الإنترنت، جميع هذه الرسائل في الشبكة، وهم المسؤولون عن إصدار المنتج الإعلامي بأعلى المستويات. ويقول الدكتور هرئيل إنّ سلطة الإعلاميين لا تقلّ عن سلطة قادة العمليات، وفي الواقع فإنّ العمليات المخصصة للتوثيق، سواء كانت هجمة على ثكنة أو مجزرة ضد جنود سوريين، لن تبدأ دون موافقة الإعلاميين الميدانيين.