قبل وقت طويل من أن يصبح الـ “توركينج” شعبيًّا في الغرب، كانت اهتزازات الحوض جزءًا أساسيًّا ولا يتجزّأ من الرقص الشرقي التقليدي. الرقص الشرقي، الذي يسمى في العبرية العامية “رقصات البطن”، يتضمّن اهتزاز معظم عضلات الجسم على أنغام الموسيقى الشرقية، وفيه الكثير من القفز، ولكنه أحيانًا أكثر هدوءًا، ويعتبر رقصًا معبّرًا عن الأنثوية وملائمًا بشكل خاصّ للجسد الأنثوي.
منذ ذلك الحين وحتى اليوم
يعتبر الرقص الشرقي ذو جذور تاريخية قديمة في الشرق الأوسط، وقد يكون مرتبطًا بالفلاحين القدماء الذين عاشوا قبل آلاف السنين. وقد وُجدت في منطقة العراق نقوش تصوّر راقصات شرقيّات، يرجع تاريخها إلى بداية الألفية الأولى قبل الميلاد، ويمكن من خلالها أن نفهم بأنّه نوع من الكهانة الدينية أو رقصات مقدّسة للآلهة.
ويشير آخرون إلى مصادر أكثر شعبية للرقص، على سبيل المثال، النظرية المثيرة للاهتمام والتي بحسبها فإنّ الرقصات كانت لإظهار عملية الولادة للوالدة.
وفي كلتا الحالتين، فإنّ الحديث عن رقص تقليدي ضرب جذوره عميقًا في الثقافة الشرقية، بل أثر على أنواع مختلفة من الرقص في جميع أنحاء العالم، مثل الفلامنكو الإسباني، الرقص الهندي، والرقص الغجري وغيرها.
شرقي- غربي
أدّى الالتقاء بالغرب إلى سلسلة من التطوّرات التي غيّرت وجه الرقص الشرقي. وقد كان وصول الأوروبيّين والأمريكيين كمحتلّين وكسائحين إلى الشرق الأوسط، في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، هو الذي حوّل الرقص الشرقي من رقص شعبي بمجمله لفنّ مسرحيّ، وخاصّة في مصر، تركيا ولبنان. وهكذا أيضًا وصل الرقص إلى الغرب.
أثارت شخصية الراقصات الحساسة والغامضة، واللاتي يلبسن الحجاب، خيال الأوروبيين، وبدأت تظهر في لوحات تصف الحريم الشرقي أو الحياة الثقافية في الشرق الأوسط، وحظيت بنجاح كبير.
لم ينجح الرقص الشعبي في الولوج إلى الفنون البصرية فحسب، بل كذلك إلى السينما والمسرح، ممّا أدّى لحدوث تغييرات في طبيعته. أصبح الرقص أقل ارتجالا وأكثر تخطيطًا، سُجّلت بعض الحركات المعيّنة وبدأت تتكرّر، وأنتج مصمّمو الرقص بناء على الطلب رقصات لبعض المشاهد.
وفي سنوات الثلاثينات، افتتحت الراقصة والمطربة اللبنانية بديعة مصابني، في القاهرة “كازينو أوبرا”، وهو نادي ليلي بنمط أوروبي والذي أصبح مسرحًا مركزيًّا للرقص الشرقي. أثر الغرب على الأزياء، حيث أخذت بدلات الرقص المكوّنة من قطعتين مطرّزتين مكان الفساتين الطويلة والتي كانت تستخدم سابقًا.
وهكذا بدا الخليط بين الرقص الأنثوي المرتبط بالإغراء مع الثقافة الغربية مبالغًا به بالنسبة للإسلاميين، وبدأوا بالنشاط في عدد من الدول العربية من أجل حظر الرقص الشرقي ووصمه بالـ “دعارة”، وفي بعض الحالات نجحوا في الإضرار بشعبية الرقص.
شعبية متجدّدة
ولكن رغم كلّ شيء، يحظى الرقص الشرقي في أوروبا والولايات المتحدة وأيضًا في إسرائيل في السنوات الأخيرة بازدهار متجدّد، سواء باعتباره نوعًا فنّيًا أو نشاطا شعبيًّا. الرقص، الذي كان مرتبطا بالسابق بالشرقيين، والذي حظي بالانجذاب الاستشراقي من ناحية والازدراء والتعالي من ناحية أخرى، أصبح جزءًا مهمّا من الثقافة البديلة المتجدّدة في السنوات الأخيرة.
في إسرائيل على وجه الخصوص، هناك محاولة معيّنة في “العودة للجذور” وتجدّد الاهتمام بثقافة الرقص. وقد ظهرت الأماكن التي تقدّم الرقص الشرقي كظهور الفطر بعد المطر، تختار لأنفسها أسماء ملوّنة مثل “شيك شاك شوك”، “ألف ليلة وليلة”، “سهرة سيتي” وهكذا دواليك.
في تل أبيب تحديدًا، المدينة الأكثر غربية في إسرائيل، والتي يشكّل الشباب فيها النسبة الأكبر، تسارع معاهد الرقص إلى افتتاح أقسام للرقص الشرقي، بل وأضافت بعض الصالات الرياضية دروسًا في حرق السعرات الحرارية بواسطة الاهتزازات الشرقية. وبشكل مثير للاهتمام، ينجذب الكثير من الشابات الشكنازيات (من عائلات قدمت للبلاد من أوروبا) إلى هذا المجال.
وقد امتلأ اليوتيوب أيضًا بالأفلام الإرشادية باللغة العبريّة للرقص الشرقي، وبدأ في إيلات، مدينة الشاطئ والمهرجانات الجنوبية، الاحتفال بمهرجان الرقص الشرقي، في كلّ عام. على ما يبدو فيمكن أن نعلن عن عودة الرقص الشرقي كصرعة.
تمكين المرأة
كان ينتقل الرقص قديمًا من الأم لابنتها، أو يتم تلقّيه كجزء من المعرفة الشعبية والثقافية، وأما الآن فهو قريبًا من الرياضة المعدّلة، ويتم تعليمه في المعاهد. ولكن لا زال الإحساس أحد المكوّنات المهمّة في الرقص. في جميع الدروس، تكون إحدى التوجيهات الأساسية هي أن تشعروا. الشعور بالإيقاع، إعطاء الجسم والحوض الفرصة للتحرّك مع الموسيقى بشكل حرّ نسبيًّا.
الكثير من النساء اللواتي يمرّرن دروس الرقص، وأولئك اللواتي يشاركن بالرقص، يشرنَ إلى أنفسهنّ بأنّهنّ نسويّات. يمكّنهنّ الرقص الشرقي من قبول أجسادهنّ والافتخار بها، يمنحهنّ الثقة، ويعزّز لديهن شعور الأنوثة والحرية.
بعض النساء اللواتي يحضرن لتعلّم الرقص الشرقي هم من الحاريديين. فالتعلّم بمجموعات للنساء فقط يمكّنهنّ من الانفتاح. بعد سنوات كنّ فيها “أدوات” مخصّصة للمنزل، للزوج ولتربية الأولاد، فهنّ الآن يتحرّرن أخيرًا. ويحضر كذلك نساء شرقيّات يبلغن من العمر 50 حتى 60 عامًا بعد سنوات من رفضهنّ الثقافة في المنزل، والآن يشعرن بالحاجة للتواصل مع الثقافة مجدّدًا. وجنبًا إلى جنب مع شابّات مدنيّات شقراوات وأنيقات يتشكّل نسيج إنسانيّ ساحر، وبيئة أنثوية ممكّنة.
والتحرّر يحقّق ثمراته. يحرّر الرقص العواطف ويعتبر متنفّسًا للنساء، واللاتي يشرنَ إلى أنفسهنّ بأنّهنّ منذ أن بدأنَ بالرقص يشعرنَ بالسعادة أكثر. ونتائج الدراسات تدعم ذلك أيضًا. يبدو أنّ النتيجة واضحة. إنْ كنتِ تبحثين عن تمكين المرأة، أو إنْ كنتَ تريد لزوجتك أن تشعر بالحرية والسعادة أكثر، فقد حان الوقت لبدء ممارسة الرقص الشرقي.