رُبما كان الرئيس أوباما قد قرر أن يفتتح جولة الوداع في الشرق الأوسط بزيارة السعودية، ولكن رصدت عناوين الصحف في المملكة مُحمد بن سلمان، ابن ملك السعودية، الذي طمأن المواطنين القلقين أن تسعيرة الماء الجديدة “حُددت بشكل غير مُرضٍ ولهذا ستُصحح”. إن كان هناك ما يثير قلق السعوديين فهو التوقعات الاقتصادية السلبية العاصفة التي تستند إلى انخفاض سعر النفط، فشل مؤتمر الدوحة الذي كان مُخصصًا لخفض مُعدل إنتاج النفط بهدف رفع سعره في السوق العالمية، والحرب المُستمرة في اليمن، التي وصلت المفاوضات لحلها إلى طريق مسدود.
تشكل زيارة أوباما في هذه المرحلة على الأغلب “ضررا بيئيا”، وعلى المملكة احترام أوباما وفق آداب التصرف- ولكن من المُفضل أن يكون الضيف مُستعدًا أيضًا لنيل “حمام ماء بارد”. ارتكب أوباما، بحسب رأي المملكة، عدة أخطاء سياسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وطالت الأخطاء، بشكل غير مُناسب وغير منطقي، تحديدًا من تعتبر الولايات المُتحدة كحليف أساسي لها في العالم.
من الصعب تحديد المكان والزمان اللذين وقع فيهما الشرخ بين البلدين. هناك من يعزو بداية الغضب السعودي إلى موقف واشنطن من الرئيس المصري السابق مُبارك والتخلي عنه في ثورة كانون الثاني 2011، ويتهم آخرون أوباما بتقاعسه فيما يتعلق بالمجزرة الحاصلة في سوريا، ولاحقًا إلى تنازلاته الكثيرة أمام الضغوطات الروسية. إنما لا شك أن ذروة التحول كانت في اتفاقية النووي مع إيران. تمسكت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية بموقفين مُختلفين، بل فيه نوع من المعاداة. ضحى أوباما، وفق أقوال السعوديين، بسوريا أيضا من أجل إيران. بينما حاول الرئيس إقناعهم أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى فترة طويلة من الهدوء.
ما أخاف السعودية أكثر من التهديد المُتمثل بالنووي الإيراني هو المكانة الجديدة التي يُتوقع أن تحظى بها إيران نتيجة هذه الاتفاقية. حاولت السعودية إفشال هذا الاتفاق، أو جعل إيران تُقدم تنازلات أُخرى كبديل. فزادت من إنتاج النفط وتسببت بهبوط حاد بالأسعار. كان الهدف من ذلك هو ممارسة ضغط اقتصادي ضد إيران وروسيا، مما يجعل إيران تتنازل في موضوع النووي وأن تقبل روسيا الموقف السعودي فيما يخص مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. ولكن لم ينفع ذلك الضغط، وتعاني السعودية اليوم من صعوبات اقتصادية، ما أدى، من بين أمور أخرى، إلى رفع تسعيرة الماء كثيرا، كجزء من تقليص الدعم الحكومي الذي تنوي تطبيقه. بالمقابل، تحولت إيران، إلى وجهة للشركات العالمية والدول الغربية. وما زالت تُمارس تأثيرها في سوريا ولبنان. تُحَجّم العلاقات القوية بين إيران والعراق، ودعم إيران للحوثيين في اليمن، من مكانة السعودية في المنطقة.
لم تُضف تصريحات أوباما لـ “أتلانتيك”، التي قال فيها إن “على السعوديين أن يتعلموا تقاسم المنطقة مع الإيرانيين”، الراحة للملك السعودي المريض أساسًا. وثمة صعوبة أخرى، وهي عدم قدرة واشنطن على دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والآن أصبح يحوم حول السعودية شبح الدعوى القضائية التي ستُرفع ضدها بتهمة وجود علاقة بين السعودية وهجمات 11 أيلول. هددت السعودية، بشكل غير مسبوق، بأنها سوف تسحب أصولها البنكية من الولايات المُتحدة، التي تُقدر بنحو 750 مليار دولار، إذا سمحت الإدارة الأمريكية بمُحاكمتها في قضية الهجمات. وقد حدث حقا تباعد كبير بين البلدين منذ أن سمح الرئيس بوش لمواطنين سعوديين، من بينهم أفراد من عائلة بن لادن، بالهرب من الولايات المُتحدة في الأيام الأولى من الهجمات.
يعرف السعوديون جيدًا، على الرغم من قائمة الشكاوى الطويلة، أنه ليس هناك بديل لواشنطن. على الرغم من محاولات روسيا من التقرب إلا أنها ليست بديلاً. وكذلك لعدة أسباب ومن بينها أن روسيا تُعتبر حليفة إيران، كون الجيش السعودي مبني على أساس بنى تحتية أمريكية وأوروبية، وعدم وجود تقارب أيديولوجي بين البلدين أيضا. في البحث عن حليف استراتيجي لمواجهة التأثير الإيراني فإن واشنطن هي العنوان وليس موسكو.
هذا التوقيت أيضًا ليس توقيتا جيدا لإحداث تغييرات استراتيجية كبيرة. الملك سلمان، ابن 80 عامًا مريضٌ وتتزايد التقارير المُتعلقة بحالة تعرضه للخرف. تدور في الباحة الخلفية في المملكة رحى صراع خفي على السلطة بين ابنه مُحمد وبين ولي العهد، الأمير محمد بن نايف. كلاهما من الداعمين للتحالف مع أمريكا وهما قلقان على سلامة أمريكا في حال فاز دونالد ترامب بالرئاسة. ليس هذا وقت مُناسب للتعامل اللامبالي مع أوباما. ولكن لن يرغب هذا الثلاثي في الاكتفاء بتصريحات علنية تؤكد على الالتزامات الأمريكية. بل سيطالب بتأمين مُستقبل العلاقات – سواء كان هذا التأكيد من خلال التحالف العسكري الرسمي أو من خلال اتفاقيات طويلة الأمد، التي لا يُمكن لأي رئيس أمريكي التهرب منها، وإن كان يكره العرب والمُسلمين مثل ترامب. مُقارنة بفترات سابقة، وخاصة في عهد جورج بوش الأب، جورج بوش الابن، والملك عبد الله في السعودية – ربما كان البلدان مُندمجان معا، والقلق بخصوص مكانتهما في المنطقة لا يسمح لهما أن يتنازلا عن بعضهما، ولكن يبدو أن الغراء الضروري الذي يربط العلاقات بينهما، آخذ بالتلاشي.
تم نشر هذا المقال التحليلي لأول مرة في صحيفة هآرتس