أضحت إسبانيا في السنوات الستّ الأخيرة زعيمة كرة القدم الأوروبية والعالميّة دون منازع. فقد فاز المنتخَب ببطولتَين أوروبيّتَين متتاليتَين (2008 و2012) وبكأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010. أمّا على مستوى الفرق، فقد فازت برشلونة ثلاث مرّات بدوري أبطال أوروبا، فيما رفع أتلتيكو مدريد مرّتَين كأس الدوري الأوروبي. أمسى لاعب كرة القدم الإسبانيّ سلعةً مطلوبة في جميع أنحاء العالم، فيما تستمرّ نوادي الشباب في اجتذاب مواهب رائعة، كما تبيّن في بطولة أوروبا للمنتخبات الشابة التي جرت في إسرائيل صيف العام الماضي.
أدّى تزويد المواهب غير المتوقّف إلى ظاهرة قديمة – جديدة: لاعبو كرة قدم على مستوى عالٍ، وجدوا طريقهم إلى دوري الدرجة الأولى في إسبانيا في الماضي، يُستبدَلون بمواهب شابّة وأجانب باهظي الثمن. يُضطرّ أولئك اللاعبون إلى التجوُّل في أرجاء القارّة – وخارجها – بشكل مشابه لفيض البرازيليين الذين انتشروا في أماكن مختلفة في كلّ أنحاء العالم أواخر التسعينات وأوائل سنوات الألفَين، وهم يصلون إلى إسرائيل أيضًا. بدأت القصّة مع نادي مكابي تل أبيب، الذي وقّع مع مدرّب إسباني – أوسكار غارسيا، لاعب برشلونة سابقًا – أحضر معه طاقمًا تدريبيًّا وبضعة لاعبين يفهمون لغته وعقليّته. هل من داعٍ أن نذكر أنه فاز باللقب في موسمه الأوّل في البلاد؟!
لقد كان أوسكار هذا لاعبًا مميَّزًا أيضًا. إليكم مثلًا هذَين الهدفَين:
أحضر أوسكار مدرّب لياقة ومساعِد مدرّب من إسبانيا، ضمّ المدافع العريق كارلوس غارسيا، وظهيرًا أيسر يُدعى ماني. هذا الموسم، غادر أوسكار مفضّلًا الأموال الطائلة في إنجلترا. لكن، لا تقلقوا. فقد اهتمّ المدير الرياضي، يوردي كرويف (نعم ابن …) أن يواصل خلفه، باولو سوزا، المسيرة بالطريقة نفسها تمامًا. فقد ضمّ حارس مرمى إسبانيًّا، خبيرًا وماهرًا، اسمه خوان بابلو كوليناس. فضلًا عن ذلك، تركت طرق عمل أوسكار أثرًا عميقًا في فريق الكِبار، الذي يتصدّر الدوري، وكذلك على فريق الشباب الناجح في النادي، الذي يقدّم أسلوبًا “إسبانيًّا” إلى حدّ كبير، بتمريرات قصيرة وحركة سريعة للكرة، حتّى لو أتى ذلك على حساب الدقّة.
شاهدوا الأداء المذهِل لروبين رايوس قبل وصوله إلى مكابي حيفا – لا عجب أنّ الجميع يبحثون عن إسبانيّين
http://www.youtube.com/watch?v=z2izd6VX3RI
رأى باقي نوادي الدرجة العُليا أنّ الأمر حسن، فقرّروا هم أيضًا البحث عن كنوز في شبه جزيرة أيبيريا. ضمّ نادي بيتار القدس المدافعَين أندريس تونيز وجوناثان فيلا من سلتا فيغو؛ أمّا فريق أبناء سخنين فقد أحضر ما لا يقلّ عن 5 إسبانيين؛ بالمقابل، اكتفى مكابي حيفا بإسبانيّ واحد، لكنّه شخص كان يُفترَض أن يحلّق بالفريق بعيدًا – روبين رايوس، لاعب وسط موهوب مع نظرة مصقولة إلى اللعب وتسديدات حرّة على أرفع مستوى. في الواقع، يفعل ذلك اليوم بعمله بشكل جزئي فقط، لكن حتّى بهذا المستوى، يشكّل إحدى بقع الضوء القليلة في الموسم السيء للفريق الأخضر من شمال البلاد.
في حال كان لديكم شكّ، بقيت القدَم هي نفسها في إسرائيل أيضًا. كرة حرّة رائعة لرايوس:
إذا كان هناك مَن خاب أمله في حيفا، فإنكم لن تجدوا حتمًا أية كلمة سيّئة عن الإسبانيّين في سخنين. يجلب القادمون إلى المدينة الكثير من المجد والطمأنينة للفريق المحليّ. ففيما وقّع كلّ من مكابي تل أبيب وبيتار القدس مع لاعبي دفاع، وأحضر مكابي حيفا لاعب وسط هجوميًّا، فإنّ الممثّل الأبرز للوسط العربيّ لم يوفّر شيئًا. فقد ضمّ المدرّب، ماركو بلبول، مدافعًا عريقًا (أبراهام باز)، لاعبَي وسط نشيطَين في المركز (خورخي ألونسو) والجناح (كريستيان هيدالغو)، ومهاجمًا شابًّا (مارك فرنانديز). معظمهم ذوو خبرة في دوري الدرجة الأولى الإسبانيّ، فيما قسم منهم خريجو أقسام شبيبة في فرق بارزة، وجميعُهم يُحضرون معهم روحًا رياضيّة تندُر مشاهدتها على ملاعب إسرائيل. في سخنين، للدمج مع اللاعبين المحليين الشبان والمتعطّشين – محمد غدير، محمد كليبات، وفراس مغربي – تأثيرات سحريّة قادت الفريق إلى المركز الثالث في الدوري، مركز لم يحلموا به في أفضل أحلامهم قبل ابتداء الموسم.
شاهِدوا الرأسية الفاخرة لهيدالغو – ليس الإسبانيّون موهوبين فقط، بل متنوِّعون أيضًا!
طبعًا، إنّ سخنين هي نموذج بارز ببعض المغالاة لنزعةٍ آخذة في الانتشار. لكن عبر التنوُّع في المراكز والأساليب التي يحضرها اللاعبون المختلفون معهم إلى الملعب، يمكن فهم إلى أيّ حدّ عميقة هي بئر كرة القدم الإسبانيّة. وعلى ضوء نجاح هذا المشروع وتميّز اللاعبين الفرادى، لن يكون دون أساسٍ الافتراضُ أنه سيكون ممكنًا في الموسم القادم تأليف فريق كامل من لاعبي التعزيز الإسبانيّين. والحقيقة؟ هذا جيّد للجميع. للفرَق، للجماهير في الملاعب وعبر التلفاز، ونعم – حتّى للثقافة الرياضية لجميع الإسرائيليين، يهودًا وعربًا على حدٍّ سواء. لن يضُرّ أن يرى الأطفال والشبّان مَن يتقن لعب كرة القدم أكثر من الجميع…
وربّما، يومًا ما، سيبدو منتخَب الشباب الإسرائيلي أيضًا هكذا (من نهائي بطولة أوروبا 2013):
http://www.youtube.com/watch?v=0KaQcN_rQQw