لفترة قريبة، كان يُعتبر التعاون بين الولايات المتحدة وإيران، في أي موضوع، وكأنه مشهد من فيلم هوليودي غير ناجح. إلا أنه مع سيطرة داعش على مناطق واسعة مما كانت يومًا العراق، وخوفًا من احتمال أن اجتياح ذلك التنظيم الإسلامي المتطرف بغداد، يبدو هذا السيناريو ممكنًا أكثر من أي وقت مضى.
وإن تحقق مثل هذا التعاون، سيكون قاسم سليماني أحد الشخصيات الأساسية في التعاون، وهو قائد فيلق القدس الإيراني، الرجل الغامض، وأحد الأشخاص الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط.
من أنت، قاسم سليماني؟
وُلد قاسم سليماني عام 1957 لعائلة إيرانية فقيرة من محافظة كرمان جنوب إيران. عمل في شبابه بمجال البناء، وفي أواخر العشرينات من عمره انضم إلى صفوف الحرس الثوري خلال الحرب العراقية – الإيرانية، التي اندلعت في ثمانينات القرن العشرين.
جمع سليماني طوال سنوات تلك الحرب، التي دامت لثماني سنوات، خبرة عسكرية كبيرة وقيادية. تم نقله مع انتهاء الحرب إلى الحدود الإيرانية – الأفغانية وهناك تسلم مهمة مكافحة تهريب المخدرات.
أُعجب القادة العسكريون الذين تعاملوا مع سليماني من شخصيته القوية وقدراته، وبعد أن اعتلى سلم الرتب تم تعيينه قائدًا لفيلق القدس المهيب عام 1998، بدل وزير الدفاع الحالي أحمد وحيدي.
فيلق القدس
فيلق القدس هو القوة الإيرانية الخاصة التابعة للحرس الثوري والمسؤولة، من بين أشياء أخرى، عن تنفيذ كل العمليات السرية خارج أراضيها. من بين مهام هذا الفيلق: جمع المعلومات، تنفيذ عمليات خاصة، تهريب الأسلحة ونشاطات سياسية. يُطلب من هذه القوة، في الواقع، تنفيذ كل العمليات التي يحتاجها الحرس الثوري للوقاية من الأعداء ومن ضمنهم إسرائيل.
تعاظم نشاط فيلق القدس، وتحديدًا عملياته التخريبية، وأصبحت أكثر فاعلية تحديدًا بعد الحرب مع العراق. وتُشير تقديرات جهات غربية إلى أن الفيلق يضم آلاف العملاء، معظمهم من الإيرانيين، والذين يتميّزون بولائهم الشديد لإيران. تقدر أجهزة المخابرات الغربية أيضًا أن أشد العمليات الدموية التي ارتكبها فيلق القدس كانت التفجير المريع الذي هز مبنى الجالية اليهودية في بوينس آيرس عام 1994 والتي قُتل فيها 85 شخصًا.
وكما أسلفنا، عام 1998، تم تعيين سليماني قائدًا لفيلق القدس ومن خلاله أصبح من الشخصيات القوية في إيران. يُعتبر سليماني جماهيريًا بطلاً في إيران بعد أن دافع عن البلاد ضدّ الاجتياح العراقي في الثمانينات، كما وحارب تجار المخدرات في التسعينات والآن سيكون الرجل الذي سيحميها من داعش.
هناك من يدعي، من ناحية سياسة، بأن سليماني هو الرجل الأول في إيران، بينما حسن روحاني هو ليس إلا وجه إيران تجاه الغرب. ولاء سليماني للقائد الإيراني، آية الله خامنئي، هو ولاء تام حتى أن الأخير وصفه في مناسبة ما بأنه “شهيد حي”.
وكان سليماني قد جمع قوته تلك من “خلف الظلال”. لا يظهر أبدًا على وسائل الإعلام، وكانت المرات القليلة التي ظهر فيها علنيًّا خلال جنازات جنود الحرس الثوري الذين يُقتلون في سوريا.
قائد قوات الأسد في سوريا
والسبب وراء مقتل أفراد من الحرث الثوري في سوريا هو أن عددًا كبيرًا منهم يحارب في سوريا إلى جانب حزب الله وجيش الرئيس السوري بشار الأسد، ضدّ المتمردين. بدأ ذلك التعاون، حسب تقديرات جهات غربية، في اللقاء الذي جرى نهاية العام 2011 بين سليماني والأسد في القصر الرئاسي، والذي توسل خلاله الرئيس بالحصول على المساعدة.
جمع سليماني الكثير من الشيعة من اليمن، لبنان، العراق وأفغانستان والذين عبّروا عن رغبتهم بالمحاربة لتحقيق الأهداف التي يؤمنون بها، دربهم وأهلهم ليكونوا مقاتلين في الحرس الثوري. تم إرسال هؤلاء المقاتلين، إضافة لأفراد من النخبة في الحرس الثوري، للقتال إلى جانب حزب الله وإلى جانب قوات الأسد كجزء من “الائتلاف” الذي أسسه سليماني في سوريا ضدّ الثوار. يمكن أن نعزو الفضل في الانتصارات الأخيرة التي حققتها قوات الأسد وحلفاؤها في أرجاء سوريا، والحفاظ على كرسي الأسد، إلى “سليماني”.
ولا عجب أبدًا بأن سليماني نجح بتوحيد القوات بشكل جيد، لأن حزب الله ذاته يعتمد على فيلق القدس وعلى توجيهات سليماني. يقوم فيلق القدس بتمويل جزء كبير من عمليات حزب الله، كما ويقوم بتهريب وسائل قتالية له وحتى أنه يقوم بتدريب الكثير من مقاتلي حزب الله في معسكرات تدريب في إيران، بتوجيه مباشر من سليماني.
وكما هي الحال في سوريا، ثمة تأثير كبير لسليماني أيضًا على عمليات مسلحة في غزة، وخاصة بعد الانقلاب الذي خاضته حماس عام 2007 والسيطرة عليها. فيلق القدس هو الذي يقوم، وبشكل خاص، بتدريب الكثير من الناشطين من قطاع غزة، والذين ليسوا جميعًا من منتسبي حماس.
سليماني والأمريكيون
وكما ذكرنا، ركزت أجهزة المخابرات الغربية، وعلى رأسها وكالة المخابرات الأمريكية، على ذلك الرجل منذ سنوات طويلة، إلا أن علاقتها بذلك الرجل الملفت تغيّرت على مدى السنين. وقالت شائعات سادت في أوساط جهات الحكم العليا في أمريكا إنه تم وضع سليماني في الماضي عدة مرات “في مرمى” القوات الأمريكية، والذي كان بالإمكان تصفيته، إلا أنهم آثروا في النهاية ألا يفعلوا ذلك.
عند وقوع أحداث 11.9 اقترحت إيران على الولايات المتحدة تعاونًا عسكريًّا في العراق. وتمخضت عن اقتراح إيران ذلك لقاءات وعلاقات مباشرة بين الطرفين، ومثّل إيران في تلك اللقاءات سليماني ذاته والذي كما هو متوقع صافح المسؤولين الذين اجتمع بهم.
لم تستمر علاقة الود تلك بين سليماني والمسؤولين الأمريكيين، بعد أن قام رئيس الولايات المتحدة السابق بوش بوضع إيران ضمن “محور الشر” الشهير، وقطع كل الاتصالات مع النظام الثيوقراطي (الديني). بعد فترة قصيرة من ذلك، “تصدر” سليماني قائمة الأشخاص الذين تُمنع وزارة المالية الأمريكية من التعامل التجاري معهم وفي آذار من العام 2007 ورد اسمه في قرار الأمم المتحدة رقم 1747 والذي فيه تم فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
وتحول سليماني، بدءًا من هذه النقطة إلى عدوٍ للغرب. ومثال جيد على ذلك كان عام 2007 عندما بعث سليماني رسالة متبجحة لواحدٍ من ضباط قوات التحالف في العراق يقول فيها: “عليك أن تعرف بأنني أنا، قاسم سليماني، المسؤول عن سياسة إيران في العراق، لبنان، غزة وأفغانستان”.
تعزو إسرائيل، الولايات المتحدة وأجهزة مخابرات غربية عديدة، لفيلق القدس القيام بعمليات تخريبية كثيرة ضدّ أهداف غربية. وحسب الادعاءات فإن فيلق القدس هو الذي يقف وراء العمليات الإرهابية في دلهي ووراء محاولات التفجير في بانكوك وفي تبليسي التي وقعت عام 2012، وكذلك عدد من التفجيرات التي وقعت مؤخرًا في كينيا، نيجيريا وأذربيجان.
يقف أيضًا فيلق القدس، إضافة إلى ذلك، وراء محاولات اغتيال سياسيين غربيين حول العالم، وعلى رأسها محاولة الاغتيال الفاشلة للسفير الأمريكي في السعودية. تم على إثر هذه المحاولة، التي نُسبت مباشرة لسليماني، وضع اسمه في قائمة الإرهاب العالمية الخاصة بالولايات المتحدة.
سليماني:في واجهة الصراع مع داعش
وعلى الرغم من العلاقات السيئة بين سليماني والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، هو أيضًا الذي يقود جبهة المواجهة لوقف زحف داعش. ليس هناك من رجل يسيطر على الأمور في العراق أكثر من سليماني، الذي حظي حتى بلقب “قنصل إيران في العراق”، بعد زياراته العديدة إلى بغداد.
يعمل فيلق القدس منذ سنوات ضدّ القوات السنية العاملة في العراق، حتى أن هذا النشاط أدى بقادة سنيين إلى دمج قواتهم مع داعش وإعطاء تلك الحرب صبغة سنية – شيعية. على إثر ذلك، زاد تأثير سليماني على الميلشيات الشيعية في العراق، ويمكن القول، وإن لم يكن بشكل جازم، بأن غالبية تلك الميلشيات تخضع له وتتبع أوامره.
وترى الولايات المتحدة، التي أسقطت حكم صدام حسين في العراق، أنها المسؤولة عن عدم انهيار العراق ومسؤولة تجاه إبقائه مستقرًا. إن محاولات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بإقناع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بتوسيع حكومته وضم جهات أخرى إليها لا تنجح حاليًا.
وربما لن يكون هناك ملجأ بالنسبة للأمريكيين، الذين يدركون تمامًا تأثير فيلق القدس في العراق، من التوجه للإيرانيين وطلب مساعدتهم. تتم مثل هذه اللقاءات بالفعل، وفق ما تتداوله تصريحات إعلامية، يا للسخرية، على هامش المحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي في فيينا.
وربما مستقبل العراق يكون رهنًا بتلك المحادثات بين إيران والولايات المتحدة. وأثبت سليماني في سوريا، رغم أن الحرب لم تحسم بعد هناك، بأنه يستطيع بلورة قوة ائتلافية محاربة. إلا أنه قيل وبشكل واضح ، في الولايات المتحدة حيث لا ينكرون تلك الاتصالات مع إيران، بأنهم لن يوافقوا على لقاء سليماني بشكل مباشر.
في إسرائيل، هناك شك بانتهاج الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية. وقد صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بوضوح رفضه لأي تعاون أمريكي – إيراني وقال إنه عندما يقتتل طرفان شريران لا حاجة لمساعدة أي طرف. يقولون في إسرائيل إن الإيرانيين الذين يعملون من أجل مصلحتهم فقط وهي/ بشكل أساسي، تحويل العراق وسوريا إلى مناطق خاضعة تمامًا للتأثير الإيراني وفرض سيطرتهم في الشرق الأوسط. فإن سليماني هو الرجل الذي سيحقق لإيران هذا الإنجاز.