في الأسابيع الماضية، ازداد تدخّل محمد دحلان بما يجري في قطاع غزة، ويبدو أنّه يحاول استغلال الأوضاع القاسية في القطاع على إثر الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، ومن أجل أن يصبح مجدّدا جهة سياسية فاعلة وذات صلة، ويرى بنفسه الخليفة المحتمل لعدوّه اللدود، محمود عباس، في منصب رئيس السلطة الفلسطينية.
طُرد دحلان من صفوف حركة فتح وتمّ اتّهامه بالفساد، كما وُجّهت إليه اتهامات خطيرة حول التورّط باغتيال شخصيات فلسطينية كبيرة. اتّهم محمود عباس دحلان شخصيًّا بأنّه متورّط في وفاة ياسر عرفات، وقال ذلك علنًا، في شهر آذار عام 2014، في اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، وتم بثّ هذه التصريحات في التلفزيون الفلسطيني.
ويحاول دحلان الآن أن يلعب دورا سياسيا كما أنّه يستخدم علاقاته الشخصية والإقليمية في الإمارات ومصر من أجل تعزيز مكانته وشعبيّته، في المرحلة الأولى في أوساط سكان قطاع غزة.
صرّح دحلان، في مقابلة قدّمها لموقع “newsweek”، والتي نُشرت اليوم، أنّه ينوي القيام بكلّ ما يمكنه من أجل العودة إلى أراضي السلطة الفلسطينية والترشّح للانتخابات إذا ما تمّ الإعلان عنها.
وبشكل غير رسمي، يمكن سماع همهمة مستمرّة لمسؤولين في فتح، يحاولون إبراز أنفسهم كخلفاء محتملين لعباس. لم يعد عبّاس شابًا. في الشهر القادم، سيحتفل بعيد ميلاده التاسع والسبعين. وهو مدخّن كبير وقد عانى في الماضي من مشاكل صحّية. ولكن فيما عدا الموضوع الصحّي، فقد اعتاد عباس على مدى سنوات أن يهدّد باستقالته من منصبه، إذا ما وصل إلى استنتاج بأنّه لن يتمكّن من المضيّ قدُما في فكرة إقامة الدولة الفلسطينية. ورغم أنّ هذا التهديد لم يُسمع منذ فترة، فلا زال هذا السيناريو ممكنا، لا سيّما في ظل عدم وجود انفراج سياسي في الأفق.
يعتبر دحلان اليوم الرجل الوحيد الذي يتحدّى بشكل علنيّ قيادة عباس. في السنتَين الماضيتَين، اعتبر دحلان شخصًا ليس مرغوبًا فيه في الأراضي المحتلة، على خلفية الانتقادات التي وجّهها ضدّ عباس وضدّ أبناء الرئيس، ياسر وطارق.
ومنذ خروجه إلى المنفى، أصبح الأمر سرّا مكشوفا: لا يحاول دحلان تقويض قيادة الرئيس فحسب، وإنما أيضًا يعمل جاهدا لإعداد الأرضية قبيل “عودته” وربما أيضًا قبيل احتمال وراثته هو بنفسه للمُلك.
وُلد دحلان، البالغ من العمر 53 عاما فقط، في مخيّم اللاجئين خان يونس، ولكنّه يُعتبر اليوم شخصا ثريّا جدّا، وربّما حتى مليارديرا. وهو يتمتّع بعلاقات وثيقة مع الأسرة المالكة في الإمارات العربية المتحدة ومصر.
وفوق كلّ ذلك، ينشغل دحلان بالنشاطات السياسية التي لم تكن تُخجل رئيس دولة. قبل شهر فحسب، ذهب إلى القاهرة والتقى مع الرجل القوي، عبد الفتّاح السيسي. وقد زار أيضًا رئيس الاستخبارات المصرية، الجنرال أحمد فريد التهامي، بل والتقى بممثّل الأقباط في مصر. والتقى أيضًا بوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، وألقى خطابا أمام البرلمان الأوروبي. ليست هذه لقاءات لرجل أعمال ناجح، وإنما لشخص ذي طموح بأنّ يصبح رئيسا في يوم ما. لا شكّ أن المصريين يرغبون بعودة دحلان إلى الأراضي المحتلة. فهم يعلمون بأنّ لديه القدرة على التأثير على غزة ويحتاجون إليه من أجل إسقاط حماس. ولذلك فهم يضغطون على أبي مازن من أجل المصالحة مع دحلان.