في الفيلم “الجنس والمدينة الكبرى 2” (Sex in the City 2)، تقضي كاري برادشو وصديقاتها الوقت في أبو ظبي، فيما يُعرَض كعطلةٍ من الأحلام – خدَم، ليموزينات، برَك فاخرة، وأطعمة من الخَيال. في أحد المشاهد الأكثر تذكُّرًا في الفيلم، تختبئ الفتيات في ذروة ملاحقة في السوق في غرفة خلفيّة، تخلع فيها النساء المحليّات اللاتي يغطينَ عادةً كلّ جسمهنّ، ملابسهنّ، مقارِناتٍ ملابس المصمِّمين التي يرتدينها تحت العباءة. “واو”، تندهش الفتيات اللواتي لم يفهمنَ في أيّ عالم أزياء هبطنَ، متابعات: “هنّ مثلنا تمامًا”.
في السنوات الأربع التي مضت منذ عرض الفيلم، اكتشفت دور أزياء أمثال هرمس (Hermes) وبربري (Burberry) أنّ النساء العربيات شبيهات بنظيراتهنّ الغربيات، وهي تبذل جهدًا كبيرًا في فكّ شفرة سوق الموضة الهائل في العالم العربي والإسلامي.
تصمِّم دور أزياء عديدة ثيابًا بوحي من الحضارة العربية، ووفق تفضيلات النساء العربيات – ثيابًا فيها الكثير من الكريستال والحجارة الكريمة، والأقمشة المخيطة والمُزيَّنة. وهكذا، في حين تعيش أوروبا الأزمة الاقتصادية البعيدة عن نهايتها والتي تترك آثارها على صناعة الموضة، يعرج الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية، وتظهر الصين علامات إبطاء، تحتلّ أسواق الشرق الأوسط – ولا سيّما في دول الخليج الغنيّة، مثل دبي – قسطًا متزايدًا من دورة المبيعات في دور الأزياء.
تُقدَّر قيمة سوق الأزياء الإسلاميّ (الشرق أوسطيّ) اليوم بنحو 96 مليار دولار، وهو ينمو بسرعة، وذلك وفق معطيات كشفت عنها الأكاديمية الفرنسيّة للأزياء في دبي. هذا التقدير مبنيّ على الافتراض أنّ نحو نصف المسلمين في العالم البالغ عددهم 1.6 مليارًا، وكثيرون منهم شبّان ذوو وعي للموضة، ينفقون نحو 120 دولارًا في العام على الملابس. حتّى إذا تركّزت صناعة الأزياء العربية على النساء حصرًا، فأمامها جمهور من 800 مليون زبونة على الأقل، 40% منهنّ فتَيات دون الخامسة والعشرين.
يحتلّ الاستهلاك في السنوات الماضية قسمًا أكبر فأكبر من الحضارة العربية، والمشترَيات هي التسلية المفضَّلة لكثيرين من سكّان الشرق الأوسط – لا سيّما الأثرياء منهم. فإلى جانب الصين والاقتصادات النامية في آسيا، يتصدّر الشرق الأوسط الازدياد العالميّ في البيع بالمفرَّق. عام 2011، سُجّلت زيادة بمقدار 13.2% في البيع بالمفرَّق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق دراسة لشركة مراقبي الحِسابات الأمريكية Deloitte. كذلك، كشفت الدراسة نفسُها أنّ 41.7% مِن مبيعات الشركات الـ 250 الأكبر للبيع بالمفرَّق في العالم في ذلك العام كانت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي استطلاع آخَر، جرى عام 2012 على نساء في دول مختلفة في الشرق الأوسط، أبلغت 40% من المستطلَعة آراؤهن أنهن يقمنَ بالمشتريات مع صديقات، مقابل 40% يفعلنَ ذلك مع أخواتهنّ أو أمهاتهنّ. ومنعًا للالتباس، لا يقصدنَ الشبكات الشعبيّة مثل H&M أو Zara؛ فالمستهِلكات العربيّة يحببنَ بضائع النخبة الأهمّ. فقد أجابت 90% من المستطلَعة آراؤهنّ في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية أنّه يهمهنّ أن يكون على الثياب أو الحقائب التي يشترينها شعار شركة فاخرة.
في الأسبوع الماضي، انتهى أسبوع الموضة “Fashion Forward Dubai”. وعرض الحدث الذي حظي بنجاحٍ كبير أعمال 18 مصمّم أزياء محليّ، وماركات تصميم عالميّة. ليس الحجم فقط، بل النطاق وآلام المخاض أيضًا مشتركة بين تل أبيب ودبي. فهناك أيضًا، كما في حدث الموضة “Gindi Tel Aviv”، الذي أُقيم قبل نحو شهر في تل أبيب، عرض مصممون شبّان ومخضرَمون محاوَلة لوضع مذاق الزبونة المحتمَلة على الخط الفاصل بين العصريّ والتقليديّ. مثل دبي، استُعين في إسرائيل أيضًا لإدارة أسبوع الموضة بتوقيع محرّرة مجلة “فوغ” إيطاليا، فرانكا سوزاني، التي أسّست الموسم الماضي مناسبةVogue Fashion Dubai Experience, ، عرضَ أزياء محليًّا للتعرُّف إلى المواهب الشابّة.
“دبيهي مكان مثير للجدل”، قالت سوزاني في مقابلات مع الإعلام العالميّ. “إمّا أن تُحبّوا دبي أو لا تحبّونها. ليس حلّ وسط. حين وصلتُ إلى هنا للمرة الأولى، أُصبتُ بالصدمة، بالمعنى الإيجابيّ للكلمة. اكتشفتُ هنا منهاتن في قلب الصحراء. هنا المستقبل. لهذا السبب، قرّرنا أن نُنشئ هنا منافَسة أزياء”. “دبي اليوم هي موقع إلزاميّ لصناعة الأزياء العالميّة”، أضافت في مُقابلة أخرى.
يجذب أسبوع الموضة في دبي إليه مصمِّمين من دول عربية مجاوِرة مثل لبنان وحتّى من أوروبا، ولكن من حيث لغة التصميم، يشهد محاولة للدمج بين المظهر المحافِظ والأنيق وبين ذوق الزبونة في دبي – تلك التي تحبّ الثياب البرّاقة التي تُتيح لها عرض ثرائها الشديد.
والسؤال الأساسيّ الذي يبقى دون إجابة هو: هل يُتوقَّع أن يجلب أسبوع الموضة في دبي نبأً جديدًا حول أزياء من الشرق الأوسط وحول طريقة سدّ الفجوات الحضارية والقوميّة؟ إذا كنّا سنحكم وفق العروض التي جرت الأسبوع الماضي، فالإجابة معقّدة إلى حدّ ما: لا تزال الطريق طويلة، لكنّ براعم الأمل والعلاقات التجاريّة المتشابكة تتكوّن لتؤدي إلى لغة حضارة وأزياء واحدة – تلك التي للشرق الأوسط الجديد والعصريّ.