بدأت في النموّ قبل 25 عامًا إحدى الظواهر المهمّة في الموسيقى الإسرائيلية. تُدعى دانا إنترناشيونال. ومنذ ذلك الحين أصبحت مغنية عالمية شهيرة، تشكّل مثارًا للاهتمام، ولكنها مع ذلك تبقى دائما لغزًا. ما الذي يختبئ في الحقيقة وراء هذه الشخصية الصاخبة؟ في عدد لا يحصى من المقابلات الإعلامية العالمية تقول عن نفسها “تحوّلت من بطّة قبيحة إلى شخصية فائقة الجمال”. شعرت لسنوات بأنني قبيحة ولكن ليس بعد”.
ولكن في حين تدعي إنترناشيونال بأنها كانت تشعر قبيحة لفترة طويلة، فلم يمنعها ذلك من ممارسة الجنس والأنوثة في جزء كبير من حياتها. نجحت المطربة الإسرائيلية في إحداث صدمة في عالم الموسيقى في سنوات التسعينات، ملكة الجمهور المتغطرسة في إسرائيل، والمتحوّلة جنسيّا التي لم تخش من النظر إلى الخارج أيضًا إلى الموسيقى العربية، وهي تحتفل بـ 45 ربيعًا (2 شباط) و25 عامًا من ممارستها للمهنة واسعة النطاق.
من هي شارون كوهين؟
إذن فلمن لا يعلم، ولدت دانا إنترناشيونال في تل أبيب (1969) بمظهر ذكري، وكان اسمها يارون كوهين لعائلة يهودية يمنية-رومانية. في مقابلات من ذلك الوقت قالت بأنها كانت تدعى يارون بعد أن قُتل عمّها في عملية إرهابية. أصرت والدتها في طفولتها أن ترسلها هي وأختها ليمور إلى دروس الموسيقى رغم الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الأسرة.
وفي سنوات الثمانينات، تأثرت كثيرًا بمطربات إسرائيليات وعالميات اللواتي كنّ مشهورات في تلك الفترة، من بينهنّ مادونا وعوفرا حازا. وقد اعتادت في تلك السنوات على الظهور والاشتراك في جوقات الأطفال التي رافقها مطربون إسرائيليّون كبار في تلك الفترة. كما أنّها اعتادت كذلك على الحضور في أندية مثليّي الجنس في مدينة ولادتها، هناك ظهرت، قبل عملية تحويل الجنس، بمحاكاة ساخرة لأغانٍ مشهورة، مثل “سعيدة سلطانة”، والتي كانت كذلك الأغنية الأولى لها باعتبارها دانا إنترناشيونال. حين وصلت إلى سن 18عامًا، تم تجنيدها بشكل مفاجئ، لوحدة جولاني وخدمت كمجنِّدة في الكتيبة 13.
استمعوا إلى أغنيتها الأولى “سعيدة سلطانة” التي هزّت الجمهور الإسرائيلي والشرق الأوسط كذلك معًا:
بعد ذلك، كسبت رزقها من عروض الدراج التي أدّت فيها تقليدات ساخرة لمطربات مشهورات في إطار إنتاجات موسيقية للـ DJ عوفر نيسيم. بعد سنوات من شهرتها، قالت في مقابلة بأنها لم تكشف عن جنسيتها أمام والديها، وأنهما شاهدها كامرأة لأوّل مرة أثناء ظهورها على التلفزيون.
ولدت كذكر ولكنها شعرت بعدم تناسب بين جنسها البيولوجي وبين هويتها الجندرية كامرأة. ولذلك، بحلول عام 1993 حين كانت في عمر 21 عامًا، بدأت بالاهتمام للقيام بعملية تحويل جنسها وسافرت من أجلها سرّا إلى لندن. في بداية عملية التحويل اعتمدت الاسم الشخصي شارون، بينما كان اسمها الفنّي، دانا إنترناشيونال، وهو الذي حظي بالشهرة. في مقابلات لها، قالت إنترناشيونال بأنها اختارت اسم “دانا” لذكرى صديقها الطيّب دانيال، الذي قُتل في حادث طرق، وقد نذر لها نذرًا في حياته بأن يكون مطربًا مشهورًا، وبفضله هي مطربة.
وفي تطرّقها إلى هويتها الجنسية والجندرية قالت: “حين كنت في سنّ 13 عامًا، علمت بأنني لا أنجذب للبنات… وكنت أذهب لنوادي مثلي الجنس، حين كنت في سنّ 16عامًا. كانوا يتوجّهون إليّ كامرأة وليس كرجل. وضعت الماكياج أيضًا وشيئًا فشيئًا فهمتُ بأنّني أنثى أكثر مما ينبغي أن أكون رجلا. لا أستطيع أن أتصوّر نفسي كسائق شاحنة. من الصعب أن أشرح، بأنني لم أفكّر في نفسي كرجل في حياتي. هذا هو أنا”.
الاقتحام الكبير، الذي لا حدود له
من يعرف دانا يعلم بأنّ لا حدود لها، ولعلّها بسبب ذلك نجحت كثيرًا. في إحدى المقابلات الأولى التي قدّمتها للتلفزيون الإسرائيلي، البرايم تايم، سألها مقدّم البرنامج دون خجل: “ماذا لديك في الأسفل”؟ أي فنان آخر كان سيرتبك بشكل فظيع من أسئلة جنسية أبسط من ذلك، يضحك ويتجنّب الرد أو يغضب ويذهب. ولكن أجابت إنترناشيونال المقدّم: “بعد البرنامج نذهب لغرفة وأريك”، كانت كذلك لحظة فهمت فيها الثقافة الإسرائيلية مع من تتعامل: مغنية بوب حقيقية، مطربة تعرف كيف تلعب اللعبة أفضل من الآخرين بكثير، مع كمّ كبير من الحسّ الساخر الذاتي والسحر.
جعلت هذه الميّزات من دانا إنترناشيونال علامة فارقة في الثقافة الإسرائيلية: إنترناشيونال هي أول من كان أيقونة مثلية الجنس في إسرائيل، والتي قوبلت بشكل إيجابي من قبل جميع الناس؛ نظرًا للاستقبال الرائع الذي انتظرها في البلاد لدى فوزها بالمرتبة الأولى في مسابقة الأغنية الأوروبية لعام 1998 مع أغنيتها “ديفا”، التي جعلتها نجمة عالمية. تسللت إنترناشيونال من خلال العالمية إلى البوب الإسرائيلي.
استمعوا إلى الأغنية التي وضعت إنترناشيونال على الخارطة العالمية، ديفا:
وخلال سنوات حظيت إنترناشيونال بالظهور أمام مئات الآلاف من المشاهدين في حياتها المهنية، ولكن على أسوار القدس، أمام 600 ألف شخص عام 1999 مع الأغنية العالمية “Free”، التي ترمز أكثر من غيرها إلى نضالها من أجل المجتمع المثلي في إسرائيل، وقالت إنها تأثرت أكثر من الجميع. “في تلك اللحظة التي استطعت فيها أن أغني للكثير من الأشخاص فإنني حرة كالروح، كانت الحرية دون شكّ لحظة من البهجة”.
على الرغم من البريق، بقيت خجولة وفاقدة للثقة
أفاد كتّاب أعمدة الإشاعات أنّ: عمل مقابلة مع دانا إنترناشيونال هو أمر شبيه بالمشي حافي القدمين في غرفة مليئة بحطام الزجاج. ويبدو أن العلامة التجارية للـ “ديفا” نجحت جدّا والجميع يعلم أن لمطربات هذا النوع هناك مزاج متقلّب ومن المفضل عدم إغضابهن. وربما أيضًا لأنّه من الواضح أنّ هناك أسئلة تم طرحها أكثر على فترات قريبة جدًا ولا يرغب أحد بسماعها مجدّدا. وبشكل أساسي بسبب جمود وجه إنترناشيونال ولغة جسدها البعيدة مؤخرًا، الذي يدلّ على أنّها لا تستسلم بسهولة وتكره المقابلات.
دانا الآن في سن 45 عامًا، جيل خطير لهذا النوع من الغناء، ولكنه كذلك ينطوي على قدر كبير من الإمكانات. تنطلق في أعقابها فتيات بوب من كل أنحاء العالم، مع سراويل قصيرة بشكل خاصّ. أمامها نماذج تواسيها كمادونا والمطربة شار. إن الواقع المتغيّر جعلها تدرك أنّ هذه هي اللحظة المناسبة لترك المسار السريع وأن تتحوّل إلى الطريقة الكلاسيكية، والطريقة المعاصرة لعمل ذلك هي بالطبع من خلال برنامج واقعي جديد، تكون دانا هي شمسها، وفيها تختار في الواقع وريثاتها، الفتيات الأربع اللواتي سيشكّلنَ فرقة البوب والتي ستمثّلها وتطوّرها.
استمعوا لأغنية الحرية من القدس، FREE:
لا زالت متابعة حياتها الجنسية قائمة، “من المفضل أن ينشغلوا بحياتي الجنسية من ألا ينشغلوا”، هكذا توضّح مغنية الـ “ديفا”. “هذا يساعد أحيانًا ويضر أحيانًا أخرى”، تشرح. “إنني كالرجل الذي يريد أن يرعى في حقول الآخرين ويريد خصوصيته الذاتية، من حيث التفكير أنا نصف رجل”، تكمل. “أحبّ أن أقيم علاقة مع الرجال، وأن أقذف. أنا أقيم العلاقات الجنسية وأقذف مثلما يفعل الرجال السيّئون للنساء”، وهنا تعرض موقفها إزاء العلاقة مع الجنس الآخر.
وخلال المقابلات لا تخشى مغنية الـ “ديفا” من الكشف عن مخاوفها العميقة جدًا. “في الحقيقة أنا لست إنسانًا سعيدًا. أنا خجولة وفاقدة للثقة. من هذا المكان فإنّ الثقة الزائدة في العروض، تظهر وتتيح القيادة”، هكذا تدّعي. “لست مدّعيةً، ولكنّني أبثّ شيئًا وأشعر بشيء آخر”.
رغم رغبتها في البقاء في عالم الموسيقى والتلفزيون، توجّه إنترناشيونال أيضًا انتقادات للتلفزيون والأغاني. “إنه أشبه بالافتراس والأكل بكل ما تستطيع. أنت تفكّر مسبقا في نفسك وفي عملك قبل أن تفكر في الآخرين”، تقول. “اليوم يستخدمونك وغدًا يلقون بك. يجب أن تكون مع أقدام ثابتة على الأرض وألا تؤمن بالمجاملات”.
المؤكّد هو أن إنترناشيونال تخطّط بأن تبقى في السنوات القادمة أيقونة عالمية رغم سنّها وربّما بسببه.
شاهدوا الأغنية الاستفزازية الأخيرة لدانا، الكثير من الطاقة: