يُنظر إلى قرار المحكمة الدولية في لاهاي ظاهريا كنصر فلسطيني في ساحة المعركة الدبلوماسية. يدل بيان الفرحة لوزارة الخارجية الفلسطينية، إلى جانب الإدانات الشديدة لكبار المسؤولين الإسرائيليين، على هذا الوضع.
ومع ذلك فإنّ الفحص الدقيق لهذه الحالة يُظهر أنّ هذا التحليل ليس نهائيا بعد. من المتوقع أن تخرج إسرائيل – التي تعيش الآن شعور حصار دبلوماسيّ – في نهاية المطاف من المأزق الحالي أيضًا، بل وربّما دون مساعدة حقيقية من حليفتها في واشنطن.
على جميع الأطراف المشاركة في القرار أن تذكر بأنّه قرار لفحص أولي، وليس تحقيقا حقيقيّا
من ناحية أخرى، يجب على الفلسطينيين الاستعداد لإمكانية أن يكون هذا التحرّك الدبلوماسي “نصرا بيروسيًّا”، وأنّ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة سيُعتبر في نهاية المطاف جريمة حرب.
سنقدّم لكم الأشياء الخمسة التي ربما لم تعرفوها، وستساعدكم على فهم قرار المحكمة الجنائية بفتح تحقيق أولي حول احتمال تنفيذ جرائم حرب إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بشكل جيّد.
1. على جميع الأطراف المشاركة في القرار أن تذكر بأنّه قرار لفحص أولي، وليس تحقيقا حقيقيّا. يتم تنفيذ مثل هذه الخطوات اليوم ضدّ الولايات المتحدة على عملياتها في أفغانستان، وضدّ بريطانيا للاشتباه بكونهما قد ارتكبتا انتهاكات ضدّ المعتقلين في العراق، وضدّ روسيا للاشتباه بتنفيذهما جرائم حرب في جورجيا، وضدّ دول أخرى. ويذكّر محلّلون قانونيون أنّ فحصا كهذا قد يأخذ زمنا طويلا، وربما سنوات.
وفقا للأنظمة المعمول بها في المحكمة، فبإمكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يأمر بتعليق خطوات المحكمة الجنائية لمدة 12 شهرا. ورغم ذلك فإنّ احتمال نجاح إسرائيل في إحباط هذا الفحص بهذا الشكل لا يبدو كبيرا الآن.
2. في شهر نيسان عام 2012، فشلت المحاولة الفلسطينية السابقة في قيادة تحقيق ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. والذي وقف في صالح فلسطين هذه المرة هو الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضوة في شهر تشرين الثاني عام 2012، وانضمامها باعتبارها الدولة الـ 124 في المحكمة.
3. ورغم أنّ إسرائيل موقّعة على الميثاق، ولكنها لم توافق عليها ولذلك بقي التوقيع على الميثاق بمثابة بيان غير ملزم. وهكذا فعلت الولايات المتحدة أيضًا. يعود أساس اعتراض إسرائيل على الميثاق إلى البند الذي يقرّر أنّ نقل السكان إلى أراض محتلّة يشكّل أساسًا للملاحقة القانونية في المحكمة الدولية.
تعتبر إسرائيل، التي تخشى أنّ يُعرّضها مشروع المستوطنات في الضفة الغربية إلى الملاحقة القانونية، من بين الدول القليلة التي عارضت ميثاق روما في التصويت الأصلي عليها عام 1998. الدول الأخرى التي عارضت هي: ليبيريا، العراق، قطر، اليمن، الولايات المتحدة والصين.
الاحتمال الأفضل لإسرائيل هو الخروج من تحقيق حقيقي بهذا الشأن، إذا نجحت في إقناع المحكمة بأنّها هي نفسها تجري تحقيقا مستقلّا، فعّالا وصادقا بشأن الاشتباه بجرائم حرب.
4. الاحتمال الأفضل لإسرائيل هو الخروج من تحقيق حقيقي بهذا الشأن، إذا نجحت في إقناع المحكمة بأنّها هي نفسها تجري تحقيقا مستقلّا، فعّالا وصادقا بشأن الاشتباه بجرائم حرب. وقد أعلنت إسرائيل أنّها ستفتح تحقيقا في تلك الاشتباهات، وذلك على الرغم من معارضة قوية من بعض الوزراء البارزين في الحكومة الإسرائيلية.
ويبدو أنّه لو فهم الوزراء أنّ تحقيقا حقيقيا يمكنه أن يزيل عن إسرائيل تهديد الملاحقة القانونية الدولية، فسيسحبون معارضتهم لتحقيق محلّي. وقد تملّصت إسرائيل في السابق أيضًا من المثول أمام المحكمة الدولية عقب قضية الأسطول التركي لغزة، ولكن تم إغلاق هذا الملفّ بشكل أساسيّ بسبب حقيقة أنّ عدد الضحايا في القضية كان قليلا.

5. والموضوع الذي يؤكّد عليه الإسرائيليون أكثر من أي شيء آخر هو حقيقة أنه بانضمام الفلسطينيين إلى ميثاق روما، فإنّهم يعرّضون أنفسهم لتحقيق المحكمة الجنائية في جرائم حرب نفّذتها حماس.
قال مسؤولون إسرائيليون في نهاية الأسبوع إنّ قرار الأمم المتحدة عبثي نظرا لحقيقة أن السلطة الفلسطينية تتعاون مع حماس في إطار حكومة التوافق الفلسطينية. والأمل الإسرائيلي هو فيما لو اضطرّت إسرائيل إلى دفع ثمن هذه الخطوة للمحكمة الجنائية، فسيُضطرّ الفلسطينيون هم أيضًا إلى دفع ثمن باهظ ليس أقلّ من ذلك.