إليكم النص الكامل لخطاب رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريفلين:
قد تثير هذه المتغيرات لدى بعضنا الحنين إلى “أرض إسرائيل القديمة المحبوبة”، ولكن تلك التجربة المتخيلة للجلوس معا حول النار وفي أحضان العشيرة سوف لا تعود.
ثمة في إسرائيل كلمة تتردد على الألسن أصبحت منذ مدة بعيدة سلاحا، وهي كلمة “ديموغرافيا” والتي يتم استخدامها عادة حين يراد دعم مقولة معينة، ولكن ذوي الأذن الموسيقية يفهمون أنها في العادة ليست سوى وسيلة لطيفة لوصف هذه المجموعة السكانية أو تلك بأنها “تهديد” أو “خطر”، أو كأنها ليست مستحبة أو ليست مشروعة. وتوجه أصابع الاتهام إلى العرب تارة والى المتدينين تارة أخرى وإلى المتزمتين – الحريديم – تارة ثالثة، اعتمادا على السياق.
لذلك، نشأ لدي على مر السنين شعور بالاشمئزاز الشديد نحو هذا المصطلح.
وها أنا واقف أمامكم اليوم بمناسبة مرور سنة على اضطلاعي بمهام الرئاسة، أرجو الحديث معكم حول الديمغرافيا، ذلك أن التغيرات الديموغرافية الملموسة تطال الجوهر وتملي الجوهر.
لعمري ما اعتبرت ولن أعتبر مستقبلا أي إنسان أو مجموعة من مقومات المجتمع الإسرائيلي خطرا أو تهديدا حاشا الله. ولكنني أقف اليوم أمامكم لأنني ألاحظ تهديدا حقيقيا في كوننا نكبت جماعيا المتغيرات التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي في العقود الأخيرة وإهمال مواجهة ما أسميه “النظام الإسرائيلي الجديد” والذي أبغي تناوله ومدلولاته اليوم.
الحضور الكرام،
إن “النظام الإسرائيلي الجديد” ليس رؤيا متشائمة صادرة عن خبراء علم المستقبل، بل هو واقع معاش، واقع يتجلى أمامنا اليوم حين ننظر إلى التشكيلة الطلابية للصفوف الأولى في الجهاز التعليمي الإسرائيلي. لقد كان المجتمع الإسرائيلي في تسعينات القرن الماضي (وكما يمكن مشاهدته على الشريحة المعروضة خلفي) مؤلفا من أغلبية واضحة ثابتة والى جانبها أقليات، وكانت أغلبية علمانية صهيونية كبيرة ةإلى جانبها ثلاث أقليات، هي الأقلية المتدينة الوطنية، والأقلية العربية، وأقلية “الحريديم”.
ولعل هذه الصورة تجمدت في أذهان غالبية الناس في إسرائيل والإعلام والنظام السياسي الحزبي، ولكن الواقع قد تغير في الأثناء بشكل كبير، حيث تتألف الصفوف اليوم من نحو 38% من الطلبة العلمانيين (المدارس “الرسمية”)، وحوالي 15% من المتدينين الوطنيين (المدارس “الرسمية المتدينة”)، ونحو 25% من العرب وما يقارب ال 25% من الحريديم. وإذا كانت الأرقام والتعريفات تتسم بالدينامية، والهوية ونسبة التكاثر هما أيضا لا تتجمدان، إلا أن هناك شيئا واضحا يتمثل في أن التطورات الديموغرافية التي تعيد صياغة وجه المجتمع الإسرائيلي قد أوجدت في الواقع “نظاما إسرائيليا جديدا”، وهو نظام لم يعد فيه أغلبية واضحة ولا أقليات واضحة، نظام يتألف في إطاره المجتمع الإسرائيلي من أربعة قطاعات، وقد نصفها بأربع “قبائل” رئيسية متباينة جوهريا ستظل تتقارب من حيث الحجم.
إنه نظام تتغير فيه، شئنا أم أبينا، “بنية مِلْكية” المجتمع الإسرائيلي ودولة إسرائيل أمام ناظرينا. وحين أقوم بوصف هذا التوزيع أواجه دائما بسؤال: “وماذا عن التوزع بين الأشكناز والشرقيين؟ وبين اليمين واليسار؟ وبين القادمين الجدد والسكان القدامى؟ وبين أواسط البلاد والمناطق البعيدة عنها؟ وبين الأغنياء والفقراء؟ أليست هي خطوط الانشقاق التي تمزق وتشق المجتمع الإسرائيلي؟ والرد بنعم وبكل تأكيد. إن خطوط الانشقاق هذه قائمة لمزيد الأسف ضمن كل من القطاعات وفيما بينها جميعا وهي أمر يجب الانتباه إليه ومواجهته ومعالجته.
ولكن بخلاف هذه الانشقاقات، فإن هذا التوزع إلى القبائل الأربع الرئيسة المؤلفة للمجتمع الإسرائيلي يكشف بنية أساسية له، وهي بنية لن نقوى ولن نقدر يوما على طمسها أو محوها، إنها بنية ينظر إليها الكثيرون على أنها تمثل تهديدا لطبيعة دولة إسرائيلي العلمانية الليبرالية من جهة، وللمشروع الصهيوني من جهة أخرى. هذا التوزع الخطير للمجتمع الإسرائيلي يتمثل أولا وقبل كل شيء في التقسيم إلى تيارات تعليمية وتربوية متباينة ومنفصل بعضها عن بعض. ففي الوقت الذي يتلقى الشرقيون والأشكناز واليمينيون واليساريون تعليمهم سوية، إلا أنه هنا وعن وعي واختيار يتم توجيه كل طفل يخرج إلى الدنيا إلى واحد من أربعة أجهزة تعليمية منفصلة، يكون الهدف من كل منها تربيته وصياغة وجهة نظره نحو منظومة أخلاقية وثقافية وهوية دينية بل قومية مختلفة.
طفل من أطفال رهط،
طفل من أطفال بيت إيل،
طفلة من أطفال هرتسليا،
وطفلة من أطفال بيتار عيليت.
إنهم لا يتلاقون إطلاقا، بل يتم تربيتهم على مفاهيم متباينة تماما للقيم الأساسية والطبيعة المحبذة لدولة إسرائيل، فهل ستكون دولة علمانية ليبرالية ويهودية وديمقراطية، أم ستكون دولة شريعة يهودية أم دولة ديمقراطية تحكم بالشريعة؟ هل ستكون دولة جميع مواطنيها، أم دولة قومياتها؟
قبيلة، وقبيلة، وقبيلة، وقبيلة، لكل منها “مشعلة القبيلة” الإعلامية الخاصة بها والصحف التي تقرأها والقنوات التلفزيونية التي تشاهدها، ولكل قبيلة مدنها، فتل أبيب مدينة لقبيلة، مثلما أم الفحم مدينة لقبيلة، وكذلك إفرات وبني براك لكل منهما قبيلتها، بمعنى أن الأنظمة الأساسية الصائغة للوعي أنظمة قبلية منفصل بعضها عن بعض ويبدو أنها ستظل كذلك.
لا أريد الوقوع في خطأ التبسيط أو التعميم الفظ، فهذا التوزيع بالطبع ليس مطلقا ولا هو وصف وافٍ للواقع، فكل قطاع بحد ذاته ليس كلا لا يتجزأ، بل هو طيف كامل متنوع، ومن جهة أخرى لكل القطاعات مدى يجمعها، ولكن من المهم كذلك ألا نتعامى أو نتغاضى، فليس الهوامش من كل قطاع تفرز الهوة الشاسعة القائمة بين القطاعات، إذ لسنا بصدد الفجوة بين اليهود القومويين من دعاة المسيح اليهودي من جهة والفوضويين الراديكاليين من جهة ثانية، والأصوليين الإسلامويين من جهة ثالثة، فنحن بصدد الفجوة وأحيانا الهاوية الثقافية والدينية والانتمائية القائمة بين التيارات المركزية لجميع المعسكرات، وبين أربعة محركات للهوية متباينة وغنية.
ليس النظام الإسرائيلي الجديد ملاحظة صادرة عن علماء اجتماع شديدي الإبداعية، بل هو واقع له انعكاسات بعيدة المدى على المناعة الوطنية لدولة إسرائيل وعلى مستقبلنا جميعا، فالواقع الحالي ليس مستديما من الناحية اقتصادية، وهي عملية حسابية يستطيع أي طفل فهمها، فإن لم نقدم على تقليص الفجوات الحالية بين نسب المشاركة في سوق العمل ومستويات الأجور لصالح المجموعتين العربية والحريدية واللتين يتوقع أن تمثلا نصفا من القوة العاملة مستقبلا، لن تستطيع إسرائيل البقاء كاقتصاد متطور، إذ سيزداد وباء الفقر القاسي والمؤلم والذي أصبح يضرب دولة إسرائيل بقوة حدة وانتشارا، بينما السياسة الإسرائيلية الداخلية تمثل إلى حد بعيد لعبة المجموع الصفري بين القبائل، فهناك قبيلة هي القبيلة العربية، ليست شريكة حقيقية في هذه اللعبة، وقد يكون ذلك اختيارا منها أو قسرا، فيما يبدو أن القبائل الثلاث الأخرى منشغلة في صراع بقاء يدور حول الميزانيات والموارد في مجالات التعليم والإسكان والبنى التحتية، كل لحساب قطاعها. أما ضمن النظام الإسرائيلي الجديد فإن هذه الدينامية سيكون لها من القوة التدميرية أضعاف الأضعاف.
ولكن فوق ذلك كله علينا النظر إلى الانعكاسات الاجتماعية والقيمية للنظام الإسرائيلي الجديد، والتساؤل بصدق عما يجمع بين هذه القطاعات جميعا، وهل نملك لغة مدنية مشتركة وأخلاقيات مشتركة؟
هل نملك قاسما قيميا مشتركا قادرا على الجمع بين كافة هذه القطاعات ضمن دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية؟ كان جيش الدفاع الإسرائيلي فيما مضى يمثل الأداة الرئيسية في صياغة الإسرائيلية، حيث كان المجتمع الإسرائيلي يلقى نفسه ويصوغ نفسه داخل الجيش ويبني ذاته قيميا واجتماعيا، بل واقتصاديا أيضا إلى حد بعيد، ولكن ضمن النظام الإسرائيلي المتكون ثمة نحو النصف من المجتمع لا يخدم في الجيش، حيث سيكون أول لقاء بين الإسرائيليين، إن التقوا أصلا، في سوق العمل، ليزيد الجهل المتبادل وغياب للغة المشتركة بين القطاعات الأربعة الآخذة في التشابه، من حدة التوتر والخوف والعداء والتنافس فيما بينها.
قد يكون هناك من يقول إن ما أقول مجرد إبداء للرأي، ولكنني أولا وقبل كل شيء أصف الحقائق الواقعة، فمن المستحيل إيجاد الأمل دون معرفة الحقائق، ولا يجدي نفعا تجاهل وإنكار وكبت التغيرات التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي والعجز عن رؤيتها. لقد التقيت مؤخرا بمنتدى للمديرين العامين الشباب، من بينهم نائب المدير العام للتسويق في إحدى شركات الإعلان الكبرى في تل أبيب، حيث عرضت عليهم البيانات الواردة في هذه الشريحة الموجودة خلفنا، فانطلقت من فمه صرخة، إذ كان هو بالذات، رغم كون رزقه يعتمد على قدرته على فهمنا نحن الإسرائيليين، يلاقي صعوبة في تصديق أنه يعيش في هكذا مجتمع، وهو ليس الوحيد، بل يشاركه المشاهد العادي للقنوات التجارية والذي لا يشاهد المدن الحريدية ولا المدن العربية على خريطة الطقس، ليتعود على الاعتقاد بأنها لا وجود لها. أو هناك من يرون جيدا هذه التغيرات ولكنهم يأبون التسليم بها، وهكذا نجد من يصرخ على كل منبر احتجاجا على ما يسميه “تديين” جيش الدفاع الإسرائيلي، فيما هناك من يقترح بكل بساطة تبادل الأراضي، اعتقادا منه بأنه إن لم يكن بالإمكان تغيير الديمغرافيا، إلا أنه من الممكن التلاعب بالجغرافيا، وقد وجد من قال إننا في حال ممتازة لو استثنينا الحريديم والعرب.
إن الكبت أو الصراع لن يجديان، فكلنا، سواء كنا حريديم أو علمانيين أو متدينين أو عربا، موجودون هنا لنبقى، والآن إذا كنا نريد حقا مجابهة مدلولات “النظام الإسرائيلي الجديد”، فعلينا أن نلقي عليه نظرة شجاعة لنطرح على أنفسنا تساؤلات ملحة، حول ما إذا كنا على استعداد، نحن أبناء المجتمع الصهيوني، للتسليم بكون مجموعتين هامتين ستشكلان نصف عدد سكان إسرائيل، لا تعرّفان نفسيهما بذلك، ولا يشاهد أبناؤهما مراسم إشعال الشعلات على جبل هرتسل في عيد الاستقلال ولا ينشدون النشيد الوطني بعيون براقة؟ هل أننا على استعداد أصلا للتخلي عن الخدمة العسكرية باعتبارها “بطاقة الدخول إلى الإسرائيلية” والاقتصاد الإسرائيلي، لنكتفي بدلا من ذلك بالخدمة المدنية أو المجتمعية؟ ومن الجهة المقابلة، هل أن القطاعين الحريدي والعربي على استعداد لتقديم نصيبهما من صياغة هذه الإسرائيلية وهذا الاقتصاد الإسرائيلي من خلال أداء الخدمة المدنية أو المجتمعية، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية والالتزام؟
إن من لا استعداد لديه لطرح هذه التساؤلات اليوم، ليس أكثر صهيونية ولا هو أكثر قومية، بل هو يتجاهل التحدي الأكبر الماثل اليوم أمام المشروع الصهيوني، وإذا كنا طلاب حياة، وإذا كانت رؤيا الدولة اليهودية والديمقراطية هي حلم عمرنا ومبتغانا، فإننا مطالبون اليوم بإلقاء نظرة شجاعة على هذا الواقع، من منطلق الالتزام العميق بالعمل سوية على توفير أجوبة للتساؤلات، واستعداد للقيام، نحن أبناء القبائل الإسرائيلية جميعا، برسم رؤيا مشتركة للأمل الإسرائيلي.
ويتطلب منا “النظام الإسرائيلي” اليوم التحول من المفهوم المألوف للأغلبية والأقلية إلى مفهوم جديد للشراكة بين مختلف قطاعات المجتمع الإسرائيلي، علما بأن التعرف على جوهر هذه الشراكة هو مهمة ملقاة على المجتمع الإسرائيلي كله، وإن لم يكن موقعي يلزمني بإملاء الردود، ألا أن من واجبي باعتباري رئيسا لدولة إسرائيل طرح التساؤلات والمطالبة بمناقشتها وإيجاد ردود لها، وسأمضي في ذلك من على كل منبر وفي كل مكان مطالبا به كل قبيلة من قبائلنا وجميعنا بلا استثناء.
إنني مؤمن بأن ثمة أربعة أركان يجب أن تعتمد عليها هذه الشراكة، أولها كامن في شعور كل قطاع بالثقة بأن دخوله في هذه الشراكة لا يرتبط بالتخلي عن المقومات الأساسية لهويته، فلا الحريديم ولا العلمانيون والمتدينون ولا العرب يمكن أن يشعروا بأن وجدانهم مهدد بالخطر، سواء كان متمثلا في الأسلوب التعليمي الحريدي وفي المدارس التلمودية (اليشيفوت) الخاصة بصغار السن أو كبار السن، أو مفهوم الخلاص القومي الوطني، أو السلوك الليبرالي لليهود العلمانيين، أو الهوية العربية الفلسطينية، فالثقة بأن لا تهديد يواجه هويتي الأساسية يعتبر شرطا أساسيا لقدرة أي منا على مد يده للآخر وتفهم آلامه ومخاوفه، وقدرتنا جميعا على إنشاء شراكة هنا بين مختلف القطاعات. لسنا قادرين على فعل ذلك دون أن نتعلم كيف نتعرف على بعضنا البعض، ودون إدراك ما هو وجدان كل قطاع ومعرفة كيف يكون احترامه والحرص عليه، حتى لو كان ذلك صعبا، بل ولو كان مثيرا لنفورنا.
أما الركن الثاني فمتمثل في المسؤولية المشتركة، فحين لا تكون أي قبيلة أقلية، لا يمكن لأي طرف التملص من تحمل المسؤولية عن مصير ومستقبل دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي بأسره. فلا قبيلة معفاة عن اقتراح الحلول الكفيلة بمواجهة تحدي الدفاع عن أمن الدولة والتصدي لتحدي النمو الاقتصادي والحفاظ على موقع إسرائيل الدولي كعضو في أسرة الشعوب، ذلك أن الشراكة تفرض المسؤولية.
ويتمثل الركن الثالث في الإنصاف والمساواة، لأن علينا، وضمانا لشراكتنا، تأمين عدم تمييز أي مواطن إن سلبا أو أيجابا، بدعوى انتمائه لهذا القطاع أو ذاك، علما بأن الواقع الحالي للفجوات البنيوية بين الشركاء في الميزانيات والبنى التحتية والأراضي أمر لا يمكن تحمله، وحين يحمل الفقر في إسرائيل وجها قبائليا واضح الملامح من جهة، ويشغل معظم المناصب الكبيرة في الاقتصاد أبناء قطاع أو قطاعين من الجهة المقابلة، لن يكون في الإمكان بناء مستقبل مشترك هنا، بل سيترتب علينا ترسيخا لشراكتنا ضمان “حلم إسرائيلي” يمكن لأي شاب أو شابة تحقيقه، على أن يكون ما يقرر ذلك موهبتهما لا غير، وليس أصلهما.
يكمن الركن الرابع، أيها الحضور الكرام، والأشد تحديا من كلها، في إيجاد الإسرائيلية المشتركة، وعلينا أن نعلم رغم التحديات التي يضعها أمامنا النظام الإسرائيلي الجديد بأن الفسيفساء الإسرائيلية المتكونة ليست قضاء وقدرا بل هي فرصة ضخمة يكمن فيها ثراء ثقافي وإلهام وإنسانية وحساسية، ولا يجوز أن يدفعنا النظام الإسرائيلي الجديد إلى الانعزال والانفصال عن بعضنا، كما لا يجوز لنا التخلي عن مفهوم الإسرائيلية، بل من واجبنا فتح أبوابها على مصاريعها وتوسيع لغتها.
ولا يزال الطريق إلى ترسيخ هذه الأركان طويلا ووعرا، ولكنا إذا آمنا بأن الحياة المشتركة ليست حكما مفروضا علينا، وإنما هي رسالة ملقاة على عواتقنا، سنتمكن من هذا التحدي.
وسيكون علينا تطبيق الشراكة المطلوبة ضمن النظام الإسرائيلي الجديد في كل مجال من مجالات حياتنا، وسيترتب علينا إدراك كيفية تحقيق التربية على الشراكة في واقع من انفصال الأجهزة التعليمية، وكيفية تسيير اقتصاد وقطاع عام يتميزان بالتنوع التشغيلي، وبناء إعلام قادر على أن يكون منصة مشتركة، وكيفية تكوين عالم أكاديمي لا يتخلى عن النوعية، ولكنه يعرف في الوقت نفسه كيف يتم إيجاد بيئة ثقافية حساسة وسياسة داخلية وخطاب سياسي يحسبان حساب حساسيات الشراكة وأركانها.
إن ترسيخ هذه الشراكة لهو مهمة عملاقة، وإن كنت أخذتها على عاتقي، ولكنها بالتأكيد ليست مهمتي وحدي، بل هي مهمة تستدعيا اليوم جميعا لبذل مجهود جماعي ضخم، علما بأنني قد عملت في العام الأول من ولايتي على محاولة حث كل طرف فينا على رؤية الطرف الآخر، مهما كان ذلك صعبا، والاستماع إليه، مهما كان صوته نشازا ومد اليد إليه.
وفي نهاية هذا العام أقف هنا أمامكم أريد مصارحتكم بالأمور بشكل واضح جلي، ومن منطلق إحساس عميق بأن المجتمع الإسرائيلي في حاجة اليوم إلى دعوة لليقظة.
أدعوكم جميعا اليوم إلى الانخراط معي في عملية التصدي للتحدي، فأنا شريك كل من يجد في نفسه الاستعداد للمساهمة بنصيبه في هذه المهمة، وأنا هنا في خدمتكم وفي خدمة المجتمع الإسرائيلي بأسره، إذ لن يمكننا تجديد الأمل الإسرائيلي، سوى بالعمل المشترك وبالشراكة.