“التصعيد الإسرائيلي على غزة خطير وغير مبرر ويجب أن يتوقف، وهو محاولة للتغطية على جرائمهم بحق الأسرى وأهلنا بالقدس وتصدير لأزماتهم الداخلية”، هذا ما جاء في بيان حماس في ظل هجمات الجيش الإسرائيلي في القطاع ردا على إطلاق النار من قِبل الجناح العسكري لحركة حماس أو منظمات تعمل أمام أعينها ولكنها لا تلاحظها.
ترمز هذه التلميحات المُبطّنة بالتأكيد إلى التحقيقات مع رئيس الحكومة نتنياهو، ولكن ما الذي يجعل حماس تجس النبض الإسرائيلي، وتصعّد الأوضاع في الوقت الحاليّ بشكل خاص؟
تذكّر الإجابة عن هذا السؤال بأقوال الاستخبارات الإسرائيلية، التي وردت أثناء عملية “الجرف الصامد” وذكرت أن “حماس ليست معنية بالتصعيد”. كانت هذه الأقوال صحيحة جزئيًّا حينها وما زالت صحيحة جزئيا الآن أيضا. سياسيو حماس (نسميهم حماس “أ”)، ذوو المكانة العالية، الذين يتنزهون في الإمارات العربية المتحدة أو يديرون غزة، والذين على وشك تحقيق إنجاز هام في العلاقات مع نظام السيسي في مصر، والذي قد يسمح بفتح معبر رفح – يشكل معبر رفح منفذ للخروج من غزة إلى العالم وهو ضروري للغزويين ولحماس جدا، هؤلاء الذين يتصدرون مركز اهتمام وسائل الإعلام والاستخبارات، ليسوا معنيين بالتصعيد حقا.
إلا أن حماس هي كيان متعدد القيادات ومتنوع. فهناك في الدي. إن. إيه لدى الحركة تقاليد نشر القوى في عدة مراكز، تُدار من خلال التوازن والاستشارة فيما بينها. تخدم هذه الخاصية الحركة جيدا في مثل هذه الأوقات الحرجة، التي تتطلب المشي على حبل دقيق، والحفاظ على علاقات جيدة مع جهات تسود بينها علاقات متوترة، مثل السعودية وإيران. أما حماس “ب” (الجناح العسكري) ما زالت تجمع الأموال من إيران في حين أن حماس “أ”، الجناح السياسي، تحافظ على علاقات ودية مع السعودية، قطر، إيران، وحاليا مصر أيضا.
لا يقبل الجميع هذه الازدواجية، وهي توضح الوضع الاقتصادي الصعب حتى الخطير الذي تعانيه حماس وغزة. إلا أن حماس “أ” قد توصلت إلى نتيجة أن سنة إضافية تعاني فيها غزة اختناقات تماما لن تُحتمل وقد تعرض سيطرة حماس للخطر لذا بذلت حماس جهود جمة لشق طريقها للتقرّب من النظام المصري. أولا، قطعت الحركة علاقاتها بشكل واضح مع تنظيمات داعش في سيناء وداخل مصر، ثانيا ابتعدت عن حركة الأم الخاصة بها، الإخوان المسلمين في مصر، خصوم السيسي الأكبر، بشكل تصريحي على الأقل.
تدور في الخلفية أيضا أحداث سرية: انتخابات رئيس جديد لحماس، التي تجري في هذه الأيام بين نشطاء الحركة، سرا. أضحت حماس تبلور وجهتها للسنوات القادمة، ورغم طريقة عملها السرية، فإن التوتر بين الجهات المختلفة في الحركة يكون مأسويا أحيانا.
يبدو التصعيد الحاليّ، الذي تشارك فيه تنظيمات مثل داعش أيضا، التي أطلقت النيران من مواقع قريبة من مواقع حماس أشبه بمحاولة من قِبل حماس “ب” – الجناح العسكري – في إملاء الواقع. ربما هناك نية لتفجير الصفقة البادية مع مصر، وربما التذكير على خلفية الرسائل اللاذعة التي يصرح بها ترامب ونتنياهو، أن إيران وأتباعها قادرين على تصعيد الوضع في الحدود الإسرائيلية خلال ساعات قليلة.