كلما مر الوقت، منذ أن بدأ وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية في قطاع غزة، تأخذ صورة مقلقة في التشكل بعيني سكان قطاع غزة: لم يُرفع الحصار، بقي عمل المعابر كما كان قبل الحرب، وأما طلب تحرير كل الأسرى وإنشاء ميناء بحري فيبدوان أحلامًا بعيدة.
حاليًّا، يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد أن يختبر من جديد دعمه لاتفاق المصالحة الذي عُقد قبل الحرب، وتحاول قيادة حماس أن تبحث عن أي إنجاز تعرضه للناس، لكن دون فائدة.
يبدو أن رجال حماس يخافون من أن ينسى سكان غزة قصص الحرب البطولية ويسألوا أنفسهم متى سيبدأ إصلاح الدمار التي طال البيوت والبنى التحتية
يدرك قواد حماس أن موجة دعمها البارزة في الاستطلاعات ستنقضي سريعًا، كما انقضَت أمواج الدعم القصيرة بعد جولات المواجهات السابقة مع إسرائيل. حاليًّا تحاول حماس أن تبحث عن تشتيت للانتباه لتشغل بال الجمهور الغزي، كي يستمر في إحساسه بالفخر بـ “المقاومة” وألا يوجه اصبع الاتهام إلى أي أحد.
هكذا تظهر مثلا قصص تحت عنوان: “القسام تكشف تفاصيل كمين خزاعة من ‘مسافة صفر'”، التي نشرت أمس. يبدو أن رجال حماس يخافون من أن ينسى سكان غزة قصص الحرب البطولية ويسألوا أنفسهم متى سيبدأ إصلاح الدمار التي طال البيوت والبنى التحتية.
إلى جانب ذلك، يهلل المحللون من طرف حماس ويثنون على قدرات حماس في إطلاق الصواريخ، من غير أن يذكروا أن 4 إسرائيليين فقط قُتلوا من إطلاق ما يزيد عن4,500 قذيفة. أي، من كل 1,130 قذيفة أطلقتها حماس، قُتل إسرائيلي واحد فقط.
كي لا يأخذ أي أحد في غزة هذه المعطيات بعين الاعتبار، يستمر محللو حماس في التهليل وامتداح منظومة الصواريخ. مثلا، هذا ما كتبه إياد القرا في صحيفة فلسطين: “التنظيم السابق بنى لحماس قوة تضم العديد من التشكيلات وهي ‘الوحدات الصاروخية’ وهي ذات التنظيم المؤهل المدرب المجهّز المنضبط والمنتشر ليتمكن من توجيه الضربة الأقوى للاحتلال في توسيع دائرة النار باستهداف حيفا، بل بالطريقة والتوقيت المناسبين وتعطيل المطارات والموانئ”.
المحلل فايز أبو شمالة المعني بإخفاء فشل حماس في قضية تحرير الأسرى، يسارع للإلقاء التهمة في التعاون بين السلطة الفلسطينية وإسرائيلوحاليًّا، وخاصة على خلفية كلمات عباس ضدّ حماس وقيادتها، تتفرغ وسائل إعلام حماس للحديث عما أكثروا من فعله في السنوات السابقة، وهو مهاجمة حكومة رام الله. تبث أعمدة الصحف مرة تلو الأخرى عن اعتقالات سياسية في أرجاء الضفة الغربية (من غير ذكر أن حماس قد أعدمت معارضيها في غزة)، وتمتلئ أعمدة التحليلات نقدًا على التعاون الأمني مع إسرائيل.
مثلا، يبدو أن المحلل فايز أبو شمالة المعني بإخفاء فشل حماس في قضية تحرير الأسرى، يسارع للإلقاء التهمة في التعاون بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويوجه كلامه إلى قادة السلطة: “لو كان قراركم مستقلاً كما تدعون، فلماذا خضعتم للأوامر الإسرائيلية، وألغيتم وزارة شؤون الأسرى، وأقمتم بدلاً منها هيئة شؤون الأسرى”؟
كلما مر الوقت أصبح من الصعب على حماس العودة إلى التهليل بإنجازاتها في مواجهة إسرائيل. وإذا كان الأمر كذلك، يتوقع أن تزداد التهجمات على حكومة رام الله- وإذا أخذنا في الحسبان رد فعل محمود عباس، فلن يتفاجأ أي أحد إذا ما ألغي اتفاق المصالحة وكأنّه لم يكن.