في صباح يوم الثلاثاء، 23 من أيلول، انضمت طائرات من السعودية، البحرين، الأردن، الإمارات العربية وقطر إلى الهجمات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا. لم تكن هذه أول هجمات جوية تجريها الدول العربية ضد متطرفين إسلاميين. قبل شهر، عندما احتلت مليشيات إسلامية مطار طرابلس عاصمة ليبيا، نُفذت ضدها عمليات قصف غامضة. لم تعترف أي دولة بأن طائراتها هي التي نفذت القصف، لكن من الراجح نسبتها إلى مصر والإمارات. أي أن السلاح الجوي للدول السنية هاجم سنيين ينتمون للإسلام المتطرف. إن الحقيقة القائلة بأن سنيين معتدلين، والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المسلمين، ينضمون إلى صفوف الجيوش الغربية ويقاتلون معهم الإسلام المتطرف يجب أن توقظ من جديد الفكرة عند من يعتقد أن داعش تتمتع بدعم عارم من السنيين.
يؤجج دخول جيوش من الدول العربية إلى دول أخرى الصراع في العالم العربي، ويشكل جزءا من عملية أوسع يحاول فيها العالم العربي أن يشكل نظاما سياسيا جديدا. لسنا نشهد فقط تفتتا للدول التي أقامها البريطانيون والفرنسيون في نهاية الحرب العالمية الأولى، بل ونرى عدم توافق على سمات المبنى السياسي المقترح من قبل الحركات والسياسيين المختلفين على الساحة العربية.
في المجتمعات العربية في هذه الأيام، تعمل ثلاث مجموعات تحاول تشكيل ترتيب سياسي جديد. المجموعة الأبرز، التي تحظى بأغلب الانتباه، هي مجموعة الإسلاميين المتطرفين، مثل داعش، جبهة النصرة، وتنظيمات أخرى مقربة من القاعدة وتطمح لاستبدال دول المنطقة بالخلافة. حسب طريقة هؤلاء الإسلاميين، اتفاقية سايكس بيكو، التي أدت إلى إقامة دول الشرق الأوسط، هي جزء من مؤامرة غربية أعدت لتقسيم العرب والمسلمين ولإضعاف صراعهم ضد الغرب. هدف الإسلاميين طويل المدى هو السيطرة على المناطق العربية وتوحيدها، والسيطرة شيئا فشيئا على باقي العالم.
المجموعة الثانية هي مجموعة زعماء الدول العربية الحالية، التي يدير أغلبها حكما استبداديا يتجاهل الجماهير الواسعة ومصالحها. زعماء هذه الدول، ومنها مصر، السعودية، الأردن وغيرها، هي طبقات تستغل موارد الدولة لإثراء نفسها. الآن، يحس هؤلاء الزعماء بالتهديد من المنظمات الإسلامية، ولذلك يرسلون الطيّارين الخاصين بهم لقصفهم في المناطق التي يتحصنون فيها.
المجموعة الثالثة تتألف من مواطني الدول العربية. القليل من بينهم هم أولئك الشباب المتحرر الذي قاد “الربيع العربي”. في البداية، استطاعوا أن يبرموا عهودا مع الإسلاميين المعتدلين، وعلى أساس هذه العهود قاموا بتشكيل قوة شعبية عزلت الحكام الفاسدين لتونس، ليبيا، ومصر، لكن في وقت قصير نُقضت هذه العهود على يد زعماء متصلبين وطموحين من كل التيارات، والآن نشهد عودة مجموعات القوى التقليدية.
صنعَ فشل القوى التي صعدت في “الربيع العربي” والقضاء على الحكام المحليين في دول مثل ليبيا وسوريا فراغا في السلطة. إلى داخل هذا الفراغ تسللت الفئات الإسلامية التي تهدد بتحويل سوريا ومعها العراق وليبيا، إلى بدايات جسر الانقلاب الإسلامي المتطرف. مقابلها تقف منظمات ودول ليس بيدها إمكانية الوصول لاتفاق حول رؤيا سياسية مشتركة.
والأسوأ من ذلك، أن التيارات والقوى التي تعمل على الساحة العربية غير مستعدة للتنازل فيما بينها. من اللحظة النادرة التي عمل فيها معا إسلاميون معتدلون وليبراليون جنبا إلى جنب، بقيت دولة واحدة، تونس، التي نجحت في إقامة بنية سياسية فاعلة. في دول أخرى، رفضت القوى المختلفة أن تصل إلى تسوية، وبسبب ذلك ضعُفت، وبهذا مكنوا الحكام التقليديين الفاسدين من العودة للحكم. تسللت إلى عدد من الدول التي اغتيل فيها الحكام التقليديون (ليبيا) أو تضرروا كثيرا (سوريا)، فئات إسلامية تسعى إلى تفتيت حدود الدول واستبدالها بطريقة سياسية مختلفة تماما- الخلافة. المقام المشترك لكل هؤلاء هو رفضهم- أو عدم قدرتهم- على التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أشعلت ثورات “الربيع العربي”.
يبدو إذا أن العالم العربي غارق في فترة حروب طويلة الأمد. ما دامت الجهات السياسية المتخاصمة تلعب لعبة مبلغ الصفر فستبقى منقسمة، ضعيفة، وعديمة القدرة على التعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تلقي بثقلها على مواطني الدول العربية. الطريقة الوحيدة التي يمكن للعالم العربي أن يخرج بها من دائرة العنف والدمار هي التوقف عن الطلبات بعيدة المدى من الجوانب المختلفة، وتقديم التنازلات، وبهذا يمكن إقامة التحالفات التي يمكن أن تستجيب للخلافات في المجتمعات العربية.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think