هل مغارة سوريك، مغارة الشموع القديمة الموجودة بالقرب من القدس منذ ملايين السنين كما تّدعي الأبحاث، أم لمجرّد بضعة آلاف من السنين، وفق التقليد اليهودي الذي يقدّر تاريخ العالم بنحو 5000 سنة؟ ضجّت مواقع التواصل الاجتماعيّ في إسرائيل بهذا السؤال، الذي أثار جدلًا حول التوازن بين المسّ بالمشاعر الدينية والأمانة للوقائع العلمية. تُعتبَر المغارة كنزًا تاريخيًّا وسياحيًّا، يوضح الكثير عن التاريخ الجيولوجي للمنطقة والتغييرات التي مرّت عليها. تكوّن الشكل الخاصّ للمغارة بفعل الظواهر الكارستية على مدى أكثر من 20 مليون سنة، وفق بعض التقديرات العِلمية.
بدأت الضجة حول الموضوع إثر منشور لأحد زوّار مغارة الشموع حظي بآلاف المشارَكات والإعجابات. فقد كتب الزائر: “تجوّلنا في مغارة الشموع. بشكل غريب، كانت اللافتة على مدخل المغارة التي تتحدث عن عُمرها مخربشة، ولم يكن ممكنًا فهم كم سنة يُظَنّ أنها موجودة”.
أضاف الزائر أنه حين سأل أحد المُرشِدين في الموقع حول تشويش سنّ المغارة أذهله الجواب. “صُعقتُ حين سمعت ما قاله: (لن أكذب عليك، المسألة متعلقة بمجموعات كبيرة من المتدّينين الذين يأتون لزيارة المغارة، إذ لا نريد أن يكفّوا عن المجيء لهذا السبب. نحاول ألّا نقول لهم إنّ المغارة موجودة منذ ملايين السنين. أمّا لك فيمكنني أن أقول ذلك. إذا كنتُ مرشدًا لمجموعة من المتدينين وسألوني عن عُمر المغارة، أقول لهم إنها وفق النظرة العلمية قائمة منذ ملايين السنين. لكن ليس جميع المرشدين يقولون ذلك، فهذا حساس جدًّا)”.
تُشرف على دخول الزوّار إلى المغارة “سلطة الطبيعة والحدائق”، وهي السلطة الحكومية المؤتمَنة الحفاظ على قيَم الطبيعة والتراث في إسرائيل وفق القانون الإسرائيلي. وكَون مؤسسة عامة كهذه تُخفي عن الزوّار معلومات علمية أساسية أثار كثيرين. فقد كتب الزائر نفسه: “تعجز كلماتي عن التعبير عن مدى خطورة الأمر بنظري. فموقع سياحي هامّ ومركزي في دولة إسرائيل يحجب كما يبدو معلومات علمية أساسية عمدًا وبكامل وعيه لاعتبارات دينية”.
وقد عقّب باحث الأديان الإسرائيلي تومر فرسيكو على هذا المنشور قائلًا إنه “ليس في مغارة الشموع لافتات، نشرة رسمية، أو أي شرح يوضح أنّ الأعمدة الهابطة تكوّنت على مدى ملايين السنين. فممنوع القول إنّ الكرة الأرضية موجودة منذ أكثر من 5778 سنة (عدد سنوات وجود العالم وفق التقليد اليهودي). من جهة، أحتقر مؤسسات الدولة التي تخضع وتعزّر الجهل. ومن جهة أخرى، أحتقر المجتمَع العاجز عن مواجهة الحقيقة”.
بعد ثلاثة أيّام من الضغط الجماهيري الشديد والتغطية الإعلامية المكثّفة، بُتّت المسألة لصالح داعِمي العِلم. فقد قبلت سلطة الطبيعة والحدائق أخيرًا الاتهامات الموجهة إليها، اعترفت بالخطأ، وأصلحته. فقد قالت موظفة مسؤولة فيها أمس: “أصدر مديرنا العامّ أمرًا صريحًا بوضع لافتة جديدة تكشف عُمر المغارة على الفور”.