أعلنت وزارة الهجرة والمهاجرين العراقية، أمس، أنّ الحكومة العراقية ستُرشح، في الأيام القادمة، نادية مراد طه لجائزة نوبل للسلام. مراد هي شابة يزيدية من قرية كوشو جنوب سنجار، اختطفتها داعش واستعبدتها طوال ثلاثة أشهر حتى نجحت في الفرار. شرحت الحكومة العراقية سبب ترشيحها للجائزة موضحة مساهمتها الكبيرة في نشر المعلومات حول العالم عن معاناة النساء العراقيات بشكل عام، واليزيديات بشكل خاص، تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
وصل خبر مراد إلى حكومتها في أعقاب جولة طويلة شهدت خلالها بشجاعة وصراحة مثيرين للإعجاب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبعد ذلك في ظهور دراماتيكي أمام جلسة مجلس الأمن في نيويورك. بعد ذلك فورا أجرت زيارة لعدة أيام إلى مصر. التقت خلالها بالرئيس عبد الفتّاح السيسي وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي طلبت منه أن تنشر بين الشباب الوعي حول خطر الانضمام إلى داعش. وكشفت مراد، في كل ظهورها العلني في الإعلام والمنتديات العالمية، عن معلومات أولية حول ممارسات الاستعباد، العنف الجنسي والتجارة بالبشر لدى التنظيم الإرهابي الجهادي. وقد شددت في قصتها على حياة الأسيرات المستعبدات اليومية وتحدثت، مرارا وتكرارا، عن قصة قريتها الصعبة، كوشو، التي كانت، كما يبدو، القرية الأكثر معاناة من أية بلدة أخرى بسبب قبضة داعش القوية في سنجار.
وفي مقابلة مطوّلة في برنامج مقدّم البرامج المصري، عمرو أديب، حكت نادية القصة المأساوية التي حلّت بكوشو. لم يستطع 1700 من سكان القرية، المحاطة بقرى عربية سنية، الفرار مع بداية غزو داعش فحوصروا في منازلهم. وقد وعدتهم عناصر داعش بأنّه لن يحدث لهم أي مكروه إذا اعتنقوا الإسلام. وبعد عدة أيام قيل لهم إن عليهم إخلاء بلدهم والتوجه إلى جبل سنجار، ومجددا وُعدوا بألا يتم المساس بهم. ومن ثم تم جمعهم في مدرسة القرية، وهناك تم فصل الرجال عن بقية السكان ومن ثم قُتلوا. أخِذَ الأطفال والنساء إلى قرية مجاورة لسنجار. فأرسلوا الأطفال من سن الثالثة فما فوق إلى معسكرات تدريب داعش، وأُخِذَت النساء إلى مدن الموصل، تلعفر والحمدانية الواقعة تحت سيطرة داعش، حيث تم بيعهنّ هناك كإماء للجنس في أسواق العبيد التي افتتحها التنظيم.
https://www.youtube.com/watch?v=f1zOTc2wbpY
نادية مراد في برنامج عمرو أديب في التلفزيون المصري، 26 كانون الأول 2015
تحدثت نادية بصراحة عن أيام أسرها من قبل داعش. أخِذَت إلى التجمّعات في مدينة الموصل حيث احتُجزت فيها آلاف الإماء، وبيعت بمزادات علنية نظّمها قاض في المحكمة الشرعية في المدينة من أجل مقاتلي التنظيم وسكان المدينة. وقد نُشرَت صور النساء في المحكمة الشرعية وكان الناس يأتون لشراء أو استجار الإماء لأنفسهم، حيث كانوا يُتمّمون الصفقة مع عنصر من داعش كان “مالك” تلك الأَمة. وفي وقت لاحق كان يأتي المشترون إلى منزل “المالك”، حيث تم أخذ الأمَة إلى هناك وتأجيرها لمقاتلي داعش ورعاياها لفترة محدودة، وأحيانا حتى لساعة أو ساعتين. لم يكن لدى النساء خيار للاعتراض، وكنّ يعطين بشكل تام لأتباع المشتري أو المستأجر. في أحيان عديدة كان يتم ضربهنّ، إهانتهنّ والتحرش بهنّ جنسيا خلال البيع أو الإيجار وبعد ذلك يتم اغتصابهنّ في منازل المشترين، وفي بعض الأحيان مرات عديدة في اليوم.
طلب عمرو أديب، المقرب من دوائر الحكم المصري، مرارا وتكرارا، من مراد الكشف عن معلومات إضافية عن التجربة الفظيعة التي مرت بها، معتذرا عن تطفّله. ورغم الموقف الصعب أجابت مراد عن أسئلته بشجاعة وأثارت إعجابا جماهيريا كبيرا. وتدريجيا كسبت لنفسها مؤيدين كثر في المجتمع اليزيدي وفي الرأي العام العراقي، العربي والعالمي. كان اليزيديون الذين وصفوها بـ “الأميرة الجديدة للشعب اليزيدي” هم الذين طرحوا فكرة منحها جائزة نوبل. في أعقاب ذلك فُتحت عدة مجموعات فيس بوك في العراق لطلب مماثل، وقد اكتسبت شعبية هائلة في أوساط عشرات آلاف المتصفحين. وتوافقت الحكومة العراقية، في الواقع، مع التأييد الجماعي والشعبي الكبير الذي اكتسبته مراد في الأسابيع الماضية، وقامت بذلك بخدمة مهمة لقضية النساء المختَطَفات، التي تم إهمالها في وسائل الإعلام ومن قبل الحكومة منذ سقوط سنجار.
ومن الممكن تماما أنّ تقديم ترشّح مراد لجائزة نوبل يهدف إلى “الركوب” على ظهر تلك الشعبية التوافقية، العراقية العامة، ومحاولة امتلاك القضية اليزيدية وقضية النساء المختطفات للعراق. وكذلك تسعى الحكومة العراقية إلى الإشارة بأنها لا تزال المسؤول الأول عن سلامة مواطنيها من جميع الأصول والأجناس. وكخطوة صورية فهي خطوة ذكية جدا، ولكن إذا لم تفز مراد بتلك الجائزة فستتبدّد شعبيّتها بسرعة، في حين ستنتظر إعلانات الدعم وتصريحات التضامن اليوم لتسديدها من قبل الحكومة العراقية.
نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي