اندلعت “ثورة الياسمين” في تونس، والتي بشرت بالربيع العربي، في كانون الأول 2010 في أعقاب انتحار محمد البوعزيزي العلني، وذلك احتجاجا على ظروف الحياة الصعبة في البلاد. في أعقاب وفاته، احتج آلاف النساء والرجال في الشوارع، في البداية اهتم الاحتجاج بتحسين الاقتصاد، العمل والرفاه، ولكن تدريجيا تحوّلت الهتافات إلى مطالبات بإسقاط نظام بن علي.
كانت النساء، في تونس أيضًا، من بين الأوائل الذين خرجوا للتظاهر، وكان القمع في البلاد موجها ضدّهن أيضًا، وفي فترة حكم بن علي كانت هناك على أقلّ تقدير 400 سجينة سياسية في السجون التونسية. ولكن بخلاف مشاركة النساء في الاحتجاجات العربية في دول أخرى في المنطقة، كانت الاحتجاجات في تونس منظّمة، مدروسة، وذات رسائل سياسية-اجتماعية واضحة، بفضل التاريخ الطويل للنشاط الاجتماعي والسياسي النسوي في البلاد، والذي بدأ منذ عهد الرئيس بورقيبة (1957-1987).
ضمنت هذه المشاركة للنساء في تونس دورا فعالا في مرافقة الهيئة البرلمانية – الديمقراطية الأولى التي تأسست بعد الثورة، متمثّلة بـ “المجلس التأسيسي” (والذي كانت 67 امرأة من بين أعضائه الـ 217). لقد رافقن عملية الدمقرطة وأثرينَها بجدول أعمال نسوي. ورغم أنّ حقوقهن في البلاد كانت واردة في دستور عام 1956، والذي أشار إلى أن الرجال والنساء متساويين وحظر تعدد الزوجات وزواج القاصرات، سجلت النساء في تونس إنجازات مهمة جدا بعد الثورة، مثل القانون الأساسي الذي يُلزم بالمساواة والتناوب بين النساء والرجال في الانتخابات وفي التمثيل الحزبي، والقانون الأساسي للمساواة المدنية الذي يُلزم بالقضاء على التمييز وكل أنواع العنف ضدّ المرأة. وليس أقل أهمية من ذلك، وخصوصا على خلفية تدهور مكانة المرأة في أعقاب الثورات في الدول العربيّة الأخرى، أنه قد تم الحفاظ في الحقيقة على إنجازات النساء السياسية في تونس من السنوات السابقة.
وقد جاء اختبار إنفاذ الدستور المعدّل والمبني على المساواة منذ عام 2011 في انتخابات عام 2014. ورغم أن القانون قد قرر أنّ النساء سيكنّ نصف رؤساء القوائم المتنافسة في الانتخابات، فقد تصدرت النساء قمة قائمتين فقط من بين 33 وتصدر 12% فقط من المترشّحات قوائم حزبية. عيّن حزب النهضة الإسلامي خمس نساء في قائمته، ولكن أولئك اعتمدنَ الخطاب الديني لحزبهن ولم يكنّ حليفات للنساء التونسيات اللواتي لا يرغبن في دولة شريعة. ألغت معظم الأحزاب، بما في ذلك “نداء تونس” الليبرالي والتقدمي، ترشّح نساء لرئاسة القوائم نيابة عنها وقلّصت أعدادهن في القائمة لاعتبارات انتخابية.
وكأخواتهن في مصر، وخصوصا في ليبيا، تمت خيانة النساء التونسيات ليس فقط من قبل الأحزاب الدينية، التي ادعت على كل الوقت أنّ إنجازات الثورة سيتم الحفاظ عليها وأنّها لا تعتزم تحويل تونس العلمانية إلى إسلامية، ولكن أيضًا من قبل شركائهنّ الليبراليين. ومع ذلك، فقد كان 46% من المسجّلين في سجلّ الناخبين من النساء، وهو إنجاز استثنائي بكل معنى الكلمة، ونابع من العمل الميداني المذهل للمنظمات النسوية في تونس.
يختلف نضال النساء في تونس من أجل المساواة كثيرا عن نضال النساء الأخريات في الدول العربيّة، ليس فقط لأنّ نقطة انطلاقهن مختلفة وإنما لأنّ حاجتهنّ إلى العمل الميداني، التجنيد والتحريك للنشاط، والنضال أقل. لا يكمن نضالهن في رفع الوعي النسوي لدى الجمهور أو تمثيل النساء في البرلمان، وإنما في ترجمة الوعي وجدول الأعمال النسوي إلى قوة انتخابية ولاحقا إلى إنجازات سياسية. بكلمات أخرى، يدور الحديث عن نضال فعال وناجح ضد مبنى القوة الذكوري القائم.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي