أصبحت مدينة تل أبيب منذ فترة طويلة عاصمة المجتمع المثليّ في إسرائيل. عام 1998 خرجت في طريقها المسيرة المثلية الأولى في شوارع المدينة، وفي الأعوام ال-17 التالية، لذلك أصبحت أحد رموزها الاجتماعية والثقافية. وتُعتبر المسيرة التي ستخرج في طريقها يوم الجمعة القادم (12.6) رمزًا للانفتاح والتسامح اللذين هما من المميّزات البارزة في المدينة واختار عشرات آلاف المثليين، المثليات، ثنائيو الجنس والمتحوّلين جنسيا أن تصبح مدينتهم.
وقد قال المجتمع المثلي في الماضي كلمته وقرّر بأنّ تل أبيب هي الهدف الأبرز للسياحة المثلية في العالم (لعام 2013). وتم تصنيف تل أبيب في المركز الأول في الفئة الرئيسية (best city) في مسابقة عالمية أجريت من قبل شركة الخطوط الجوية الأمريكية مع موقع GayCities.com.
وفقا للنتائج بدا أنّه لم يكن لتل أبيب أي سبب للقلق: فقد حصلت على 43% من الأصوات وتجاوزت مدنا أخرى في العالم مثل نيويورك التي حصلت على 14% من الأصوات، تورنتو مع 7% وساو باولو مع 6%. بعد فوز تل أبيب تم تصنيفها في الموقع باعتبارها “عاصمة المثليّة في الشرق الأوسط. مدينة غربية ومرحِّبة بجوّ متوسّطي”.
إذن فما الذي يجعلها نابضة بالحياة كثيرا وحاضنة للمجتمع المثليّ؟
هناك شوارع رئيسية في تل أبيب مزيّنة فعلا بأعلام المثليين، مبنى البلدية مضاء في المساء بألوان العلم وشاطئ هيلتون، الأكثر تعاطفا مع المجتمع المثليّ، مزدحم بالسُيّاح الذين ينتظرون فقط افتتاح الاحتفالات. ومن المتوقع أنّ تجلب مسيرة المثليين في تل أبيب، والتي ستُقام يوم الجمعة، إلى المدينة نحو 30000 ألف سائح وسائحة مثليين. الكثير من المتاجر تُعلّق في الخارج علم المثليين، وفي الفنادق فإنّ نسبة الإشغال عالية وترتفع الأسعار وفقا لذلك.
ورغم أنّ عدد السُيّاح المثليين بعيد جدا عن الملايين الذين يشاركون في مسيرات برلين أو مدريد، تتألّق تل أبيب في قائمة وجهة رحلات الاستجمام لدى المجتمع المثليّ أيضًا في أوقات أخرى من العام. ويقول أصحاب المتاجر في المدينة إنّ المجتمع المثليّ في تل أبيب وذلك القادم للسياحة “يعيشون ويأكلون جيّدًا. يترك السُيّاح المثليون بقشيشا كبيرا جدا”.
وقد حظيت تل أبيب بمجموعة متنوعة من الألقاب مثل “المدينة المثلية الأفضل في العالم” و “إحدى المدن الأكثر ودّية مع المجتمع المثلي”، وصُنّف شاطئ هيلتون أيضًا من بين الشواطئ الأفضل في العالم بالنسبة للمجتمع المثليّ. وُتعزّز البلدية، ووزارة السياحة واتحاد الفنادق في تل أبيب باستثمار ملايين الشواقل السياحة المثلية، لأنّهم يفهمون أهمية ذلك المورد.
حياة ليلية نابضة
إن أكثر شيء يُميّز تل أبيب هو “الحياة الليلية النابضة”. في أسبوع المثلية الذي يبدأ يوم الأحد (7 حزيران) ويستمر حتى يوم السبت (12 حزيران) يحتفل التل أبيبيون وأصدقاؤهم كل ليلة بمجموعة متنوعة من الحفلات. لكل مجتمع حفلته: تُقام الحفلتان الكبيرتان والرئيسيتان أيام الجمعة (12 حزيران) والسبت (13 حزيران).
وستُقام يوم الجمعة حفلة FFF. إنها إحدى الحفلات الأنشط والأقدم في تل أبيب مع تاريخ لأكثر من عشرين عاما من الإنتاج الموسيقي والحفلات النابضة. تُفتتح أبواب نادي “هأومان 17” يوم الجمعة قبيل منتصف الليل وتبقى مفتوحة للمحتفلين حتى يوم غد (السبت) في التاسعة صباحا. وعلى خشبة المسرح مجموعة متنوعة من العروض للراقصين والمتعرّيات ويأتي أفضل عازفي دي جي من أوروبا لعزف موسيقى عالية الجودة.
إذا كان هناك ما يُعرف عن المجتمع المثلي في تل أبيب فهو أنّه لا يرتاح للحظة. في يوم السبت قبيل الساعة الواحدة ظهرا يبدأ الآلاف من أبناء هذا المجتمع بالتوافد باتجاه ملعب كرة القدم في يافا من أجل الاحتفال بالحفلة الثانية في حجمها، وهي حفلة “Forever Tel Aviv”. تجعل العروض على المسارح، الموسيقى والكحول تحت قبة السماء الصيفية هذا الحفل أحد الاحتفالات الأكثر استثمارا والأفضل في المدينة. وهذا ليس كل شيء: سيكون دي جي عوفر نيسيم (Offer Nissim) في هذا الحفل وسيُرافق المحتفلين حتى الساعات الأولى من صباح يوم الأحد.
ولمن يبحث عن حفلات “أكثر هدوءًا”، سيمكنه دائما قضاء الوقت في النوادي الأصغر المتوزّعة في وسط المدينة: حفلات شاطئ، حفلات بأسلوب التسعينيات، حفلات للنساء فقط وعروض الدراج.
المدينة المثليّة والمكلفة
رغم أن تل أبيب تُعتبر مدينة صغيرة نسبيا، بالمقارنة مع عواصم أوروبا مثل مدريد أو برلين أو حتى نيويورك في الولايات المتحدة، فإنّها تُعتبر بشكل مفاجئ وجهة سياحية مكلفة. أسعار الفنادق، المطاعم، الحانات والفنادق وأماكن الترفيه هي من الأكثر تكلفة ولكن الكثير من السُيّاح المثليين لا تردعهم الأسعار المرتفعة كثيرا بل هناك من يخطّط لحفلات المثليين في تل أبيب قبل نحو عام من حدوثها وذلك من أجل أن يضمن أسعارا منخفضة قدر الإمكان في مجال الإقامة في الفنادق وشراء الاشتراكات للوجهات والحفلات الأكثر سخونة في المدينة.
وإلى جانب فنادق عديدة تقترح عروضا وحزما للمحتفلين، فقد نما في الفترة الأخيرة وعي لحلول بديلة على شكل “تأجير الشقق لفترة قصيرة”. يُقدّم رجال الأعمال وأفراد عاديّون كثر ممن يمتلكون أكثر من عقار واحد في المدينة للسُيّاح والمحتفلين إمكانية تأجير شققهم لفترة قصيرة بأسعار مريحة، مع توفيرهم للسائح أو المحتفل إمكانية البقاء في المدينة بسعر شعبي جدّا.
ليست كل الأمور وردية في المدينة الوردية
رغم الشّرار القادم من المدينة خلال أسبوع المثليين، فلا تزال تل أبيب تُعاني من مشاكل عديدة من التمييز ورهاب شديد إزاء المثليين وضدّ أبناء هذا المجتمع. قبل نحو 6 أعوام فقط (آب 2009)، حدثت عملية إطلاق نار إجرامية في قلب حيّ رئيسي في المدينة وقُتل خلالها اثنان من المراهقين وأصيب العشرات.
وقد زاد مؤخرًا المجتمع المثلي من جهوده لتحقيق المساواة في كلّ ما يتعلّق بحقّ المثليين والمثليّات في إقامة أسرة وأن يصبحوا آباء وأمهات. قبل بضعة أشهر، شارك نحو 150 من أعضاء هذا المجتمع في اجتماع من أجل الموافقة على عملية تأجير الأرحام للأزواج من نفس الجنس. وينص القانون الإسرائيلي على أنّ الأزواج من جنسين مختلفين هم فقط من يستطيع الحصول على موافقة لعملية تأجير الأرحام. يُضطر الأزواج أحادي الجنس الذين يريدون إنجاب الأطفال من خلال هذه العملية، إلى القيام بذلك خارج البلاد، بأسعار مرتفعة جدّا. وهناك نضال آخر على مدى سنين طويلة كان يهدف إلى السماح بالزواج من نفس الجنس في إسرائيل. حتى اليوم، يضطر المثليون والمثليات الذين يرغبون بالزواج، إلى القيام بذلك في الخارج.
لا تزال تل أبيب تحتفظ بسحرها الوردي
https://www.youtube.com/watch?v=Q-kCbJ8_xQY
تعرف بلدية تل أبيب ووزارة السياحة بأنّه رغم جميع المشاكل فإنّ تل أبيب مدينة منفتحة تشجّع بحبّ السُيّاح المثليين من جميع أنحاء العالم وتحتضن أبناء المجتمع المثلي. وتعترف البلدية بأنّ تل أبيب يمكنها أن تكون وجهة ساحرة بالنسبة للمثليين والمثليات من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام، لأنّه عندما يكون الجوّ في أوروبا والولايات المتحدة باردا يكون الجوّ في تل أبيب أكثر سخونة.
تل أبيب مدينة تم اكتشاف سرّها المثلي بداية للأوروبيين، وبعد ذلك بدأ الأمريكيون باكتشافها، وفي الموجة الحالية بدأ باكتشافها أيضًا سياح من جنوب إفريقيا، آسيا وأستراليا. تعود ميزة تل أبيب إلى عامل المفاجأة: الفجوة بين كيف يعرف الناس تل أبيب في منزلهم باعتبارها “منطقة صراع إشكالية”، وعندما يأتون إليها تتكشّف كواحدة من أكثر المدن أمانا بالنسبة للمجتمع المثليّ.