من المتوقع أن يواجه الهجوم العسكري الكبير الذي شنّته روسيا لمساعدة نظام الأسد في شمال سوريا صعوبات كبيرة. هذه هي التقديرات التي تتشكّل في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في ظلّ أحداث الأسبوع الأخير في سوريا. رغم أن روسيا تقود عملية واسعة من الهجمات الجوية، يبدو أنّ العمل المكمّل على الأرض – والذي يحتاج إلى تعزيز كبير للقوات من قبل إيران، حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية – قد يستمر لوقت أطول، وأنّ تنظيمات الثوار السنة تتجهّز لمواجهته في بعض خطوط التماس، مع إظهار الاستعداد للقتال. تم الإبلاغ أمس عن أوائل القتلى من الجيش الروسي في الحرب: حيث قُتل على الأقل ثلاثة جنود روس في قصف لقاعدة قرب مدينة اللاذقية غرب البلاد.
وفقا للتقرير، الذي نقله مصدر عسكري مؤيد لنظام الأسد ومشارك في الحملة الروسية، فقد قُتل في القصف الذي جرى أمس الأول بضعة جنود سوريون أيضًا وأصيب جنود روس آخرون. وقالت منظمة حقوق الإنسان السورية، التي تتعقب ضحايا الحرب، إنّ مصادرها في الميدان قد أكدت مقتل الجنود الروس، دون ذكر عدد القتلى. ونفت وزارة الدفاع الروسية أمس هذه التقارير ولم يرد مسؤولون سوريون، حتى الآن، على هذا الكلام.
أرسلت روسيا إلى شمال غرب سوريا قوة جوية تبلغ تقريبا سربا ونصف السرب من الطائرات الحربية من أنواع مختلفة من طراز سوخوي، إلى جانب مروحيّات حربية، في نهاية آب. وبدأت في نهاية شهر أيلول بتنفيذ هجمات جوية، بشكل أساسيّ في شمال سوريا، والتي وُجّهت ضدّ عدد كبير من تنظيمات الثوار، رغم أنها كانت تهدف كما أُعلن عنها إلى التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يهاجمه أيضًا تحالف قوات جوية بقيادة الولايات المتحدة. ومنذ الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول وصلت إلى سوريا قوى إرساليات صغيرة متحالفة مع الأسد، تهدف إلى تمكين الهجوم البري المكمّل لهجمات التليين الجوية.
وكما ذكرت صحيفة “هآرتس” يبدو أنّ الهجوم الذي تخطّط له روسيا يهدف إلى إزالة الضغوط العسكرية من الثوار عن المناطق التي تقع تحت سيطرة الأسد، وخصوصا من جهة الشمال. يسعى الروس إلى التركيز على المنطقة التي تقع شمال مدينة حمص، باتجاه مدينة حلب، بالإضافة إلى المنطقة الواقعة من حلب في الشرق وحتى مدينة إدلب والمدن الواقعة غربها. من هذه المنطقة، نجحت جبهة إقليمية مشتركة من تنظيمات الثوار تحت اسم “جيش الفتح” بقضم الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام في السنة الأخيرة والاقتراب بشكل خطير من المنطقة العلوية الأكثر أهمية للنظام، حول مدينتي طرطوس واللاذقية. وفي المقابل، تم التخطيط أيضًا لعمليات برية في منطقة الزبداني، الأقرب إلى دمشق والقريبة أيضًا من الحدود السورية اللبنانية.
قال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الماضي، في خطاب في الكنيست إنّ آلاف الجنود الإيرانيين يهبطون في هذه الأيام في سوريا. وهي قوة تعزيز تتكون من آلاف الأفراد من رجال الحرس الثوري. وقد وصلت تعزيزات إضافية من الميليشيات الشيعية في العراق وفي أفغانستان، إلى جانب قوات أرسلها الجيش السوري إلى شمال البلاد. وقد ذُكر أمس أنّ مروحيّات روسية قد وزّعت منشورات في منطقة حلب ودعت السكان المدنيين في المدينة إلى إخلائها، قبيل القصف الثقيل الذي يخطّط له سلاح الجوّ الروسي هناك خلال أيام قليلة.
ومع ذلك، يبدو أنّ الدعم الذي تقدمه إيران للهجوم الروسي محدود في هذه المرحلة وأنّ حزب الله ليس متحمّسا للتعاون مباشرة مع روسيا، سواء بسبب وجود إحجام عن إقامة تحالف وثيق جدّا مع دولة معظم سكانها من المسيحيين، أو بسبب الخسائر الفادحة التي تكبّدها هذا التنظيم اللبناني في الحرب الأهلية السورية. وتشير التقديرات المحدّثة للجيش الإسرائيلي إلى أنّ نحو 1,500 من مقاتلي التنظيم قد قُتلوا في سوريا منذ صيف 2012 ونحو 5,000 من رجاله قد أصيبوا في المعارك.
ومن ثم، فإنّ الخطة الروسية رغم طموحها، إلا أنّ وتيرة تنفيذها وحقيقة نجاحها لا تزالان موضع شكّ، رغم القصف الجوي الثقيل وحقيقة أنّ إدخال الطائرات الحربية الحديثة إلى القتال قد حسّن من وضع النظام أمام خصومه. وقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الأسبوع الماضي، أنّ بلاده لا تقود وحدات برية في القتال في سوريا. يبدو أنّه مع غياب “أحذية روسية على الأرض”، فإنّ خطة بوتين العسكرية ستجد صعوبة في إحراز نتائج فورية.
العلاقة مع الأكراد
من الجهة الأخرى، تبحث الولايات المتحدة أيضًا عن مبادرة بديلة، أكثر فاعلية، في سوريا بعد الفشل المدوّي لخطط تدريبها لبعض تنظيمات الثوار السنة. وقد تم تجميد هذه الخطة نهائيا في الشهر الماضي، بعد أن اتضح أنّ إدارة أوباما قد أنفقت مئات ملايين الدولارات ولكنها نجحت بأن تدرّب للقتال بضعة عشرات القاتلين فقط، والذين لا يشارك جميعهم تقريبا في القتال الآن. وذلك في الوقت الذي يقوم فيه تنظيم داعش بتمرير دورات مسرّعة فقط في التدريب الأساسي للمتطوّعين لديه، ومع ذلك ينجح في تحقيق مكاسب عسكرية كبير منهم.
يبدو أنّ واشنطن تسعى الآن إلى زيادة إمدادات السلاح للتنظيمات السنية. وقد أرسل الأمريكيون فعلا للثوار آلاف الصواريخ المضادة للدبابات، ومؤخرا تتم دراسة اقتراح بتوفير صواريخ مضادّة للطائرات لهم. ويبدو أن هناك غاية أخرى لهذه الخطوة، وهي غاية سرية. إذ تهتم الإدارة الأمريكية منذ زمن طويل بتسليح الميليشيات الكردية في سوريا، آملة بدمجها بشكل فاعل في الحرب ضدّ الأسد، بعد أن حققت فعلا نجاحات (من بينها: رفع الحصار عن مدينة كوباني الكردية) في المعارك التي قامت بها ضدّ مقاتلي داعش. ومع ذلك، فقد امتنع الأمريكيون عن القيام بذلك أيضًا بسبب المعارضة التركية لهذه الخطوة، على خلفية الصراع المستمر بين أنقرة والأكراد.
سيسمح إرسال الصواريخ لتنظيمات الثوار المعتدلة نسبيًّا، والتي هي على علاقة مع واشنطن وأيضًا مع الأكراد، بوصول بعض هذه الأسلحة أيضًا إلى “المستخدمين النهائيين” الأكثر فاعلية حتى الآن – الأكراد. وقد أصابت الصواريخ المضادة للدبابات والدقيقة نسبيًّا العديد من الدبابات التابعة لنظام الأسد في معارك شمال سوريا (ادعى أحد التنظيمات في الأسبوع الماضي بأنّه دمّر عشرات الدبابات خلال يوم واحد). إنّ إرسال المزيد من الأسلحة المتقدّمة نسبيًّا للثوار السنة، وعن طريقهم إلى الأكراد، قد يخدم الأمريكيين بعدة طرق: فلن يساهم فقط بشكل أكثر فاعلية في محاربة الأسد، وإنما سيشكّل أيضًا موازنة للعملية الروسية، التي أغضبت واشنطن وتركتها، مؤقتا على الأقل، دون ردّ حقيقي. إنّ الصراع الجاري حول دعم الأكراد، والذين تسعى روسيا أيضا وراءهم، يؤكد فقط إلى أي مدى أصبحت الحرب في سوريا معقّدة، والتي يقاتل فيها العديد من الأطراف بعضهم البعض، وأحيانا، في وقت واحد وفي مناطق مختلفة، يقاتلون بجانب بعضهم البعض.
نشر هذا المقال لأول مرة على صحيفة هآرتس