إنّ قصة قطر هي قصة متنوعة. يبرز اسم الدولة الأغنى في الشرق الأوسط مؤخرًا في سياقات جيوسياسية واسعة جدًا. مثل قدرتها على إدارة الإعلام الجديدة بواسطة قناة الأخبار الجزيرة، والتأثير على العمليات الجيوسياسية الواسعة في فضاء الشرق الأوسط المتغير، ورغبتها بأن تصبح إمارة قادرة على كل شيء والعلاقات الواسعة التي تحاول الحفاظ عليها مع الحركات الإسلامية المختلفة مثل الإخوان المسلمين في مصر وحماس في غزة.
مؤخرًا فقط تنازل أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، زوج الشيخة عن منصبه كأمير للدولة الصغيرة والأكثر تأثيرًا في العالم العربي ونقل صولجان الحكم لابن الشيخ والشيخة المشترك، الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. انتقل مركز الحكم إلى الابن البكر للزوجين ولكن استمرّت الأم بيد عليا في إدارة بعض المشاريع الأكثر شهرة وأهمية في تحريك اقتصاد النفط الهائل للدولة.
عرضت قائمة أفضل المرتديات للملابس في مجلة الأزياء المرموقة، Vanity Fiar لعام 2009، موكبًا رائعًا لنساء قويّات، يتواجدن في مواقع السلطة ويؤثّرن عليه عالميًّا. ميشيل أوباما، كارلا بروني ساركوزي والشيخة موزا. في الأماكن الواقعة في أسفل القائمة فقط، تدلّت ممثّلات هوليوود، الضيفات الطبيعيات في قوائم من هذا النوع. كان ذلك دليلا لا يقبل الجدل تقريبًا في أنّ الأزياء وطريقة اللباس تُستخدم كأداة لتعزيز الشخصية وتوطيد القوة السياسية لنساء بارزات في مناصب القوة في العالم.
شيخة موزا بنت ناصر المسند، 55 عامًا، هي اليوم القوة النسوية المحرّكة من وراء دولة قطر الواقعة في الخليج العربي. وهي الزوجة الثانية للشيخ حمد، الحاكم السابق، التي نجحت في جعل ابنها حاكمًا حاليًّا لقطر، رغم أنّ الشيخ حمد كان لديه أبناء آخرون من نسائه الأخريات (المجموع 24 طفل من ثلاثة نساء، 11 ذكور، 13 إناث).
موزا، المولودة في قطر، هي امرأة متعلّمة وذات تأثير كبير على رفع مستوى قطر الاقتصادي وصورتها كدولة متطوّرة ومتقدّمة، رغم صورتها في العالم كدولة تضطهد النساء.
تعرّفت موزا على الشيخ حمد خلال دراستها في الجامعة (تحمل البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة قطر) وأصبحت بين يوم وليلة المرأة التي ترافقه في جميع الأحداث السياسية والتمثيلية الأهم على الإطلاق: زيارة غزة، زيارة قصر ملكة إنجلترا وزيارات عمل لدور الأزياء الكبرى في باريس.
هي القوة المحركة وراء الإصلاحات في الجهاز التربوي والمسؤولة، من بين أمور أخرى، على إقامة المدينة التعليمية في قطر وقناة “الجزيرة” للأطفال. فضلًا عن ذلك، فقد اختيرت عام 2007 في المركز الـ 79 في قائمة النساء الأقوى في العالم في مجلة “فوربس”.
تعتبر موزا أحد أهمّ محرّكات التحديث في قطر ومن بين النساء المسلمات في الشرق الأوسط. “يميل الغرباء للخطأ في ذلك، ولكن النساء في الخليج العربي ناشطات دائمًا، ونحن نعرف عن ذلك من كلام أمّهاتنا وجدّاتنا”، هذا ما قالته موزا في عام 2007 في مقابلة مع صحيفة الجارديان البريطانية. “لا أتواجد هنا فقط لأنّني زوجة الأمير، 70% من خرّيجي جامعاتنا هنّ من النساء وهذا ليس من قبيل الصدفة”.
إنّها تطبّق هذه الأجندة أيضًا في طريقة لباسها: حديث، ضيق، ملوّن. على خلفية قواعد اللباس للنساء المسلمات في قطر – التي يسيطر عليها النقاب – تبدو أغطية الرأس الملوّنة التي ترتديها موزا كأشياء جريئة تدعو لتحدّي عادات العالم القديم. تحبّ أن تلائم بين لون البدلة وغطاء الرأس وتنشئ بذلك لنفسها مجموعة متنوعة من المظاهر التي لا يمكن نسيانها، والتي يتمّ تصويرها بشكل ممتاز وتُحفر في الوعي العالمي.
http://instagram.com/p/qyAD8WsTLy/
تعتبر شخصية الشيخة موزا رمزًا لاهتمام ماركات الأزياء الرائدة في العالم المتزايد بالمرأة المسلمة، غالبًا في دول الخليج الغنية. إنّها تجسّد برؤيتها العصرية الليبرالية ومكانتها الرفيعة في قطر الزبونة الأمثل لدور الأزياء مثل شانيل، دونا كاران وغيرها، والتي تتوجه إليها في هذه الأيام بواسطة المجموعات الخاصة، العروض والحملات. يكسب من هذه الحالة كل واحد من الأطراف من خلال التعاون المتزايد. يزيد المصمّمون ودور الأزياء من حصّتهم في السوق بواسطة التوجّه المباشر للعملاء الأثرى في الخليج، في حين أن العملاء يبيّضون صورتهم كمواطنين في دول تتميّز بعدم المساواة بين الجنسين، وهناك من يخاطر ويعبّر عن دعمه لتنظيمات إرهابية (تشير التقديرات إلى أنّ قطر تعطي حماس مساعدة بقيمة 100 مليون دولار كلّ عام).
تعتبر دولة قطر مكانًا صغيرًا ومحظوظا، كما تقول موزا في مقابلاتها الإعلامية. توفّر لها احتياطات النفط والغاز دخلا ممتازًا بقيمة 63 ألف دولار للفرد في السنة، وهو مبلغ يضعها في مقدّمة الدول الأغنى في العالم. تعتبر الدوحة مدينة نابضة بالحياة سماؤها مليئة بالرافعات، بناطحات السحاب البرّاقة، بمراكز التسوّق والفنادق الفخمة. يوفّر الخدمات لسكّان الدولة فريق من العمال الأجانب، الذين يزيد عددهم عن مواطني قطر الـ 250 ألف، الذين جاء أجدادهم من عالم امتشاق الآلئ، بطولات الصقور وسباق الجمال.
ولكن صلة الشيخة موزا بعالم التقدّم، الحداثة والأزياء لا تتلخّص فقط بالملابس التي تختارها لترتديها. في عامي 2011-2012، بدأت شركة الاستثمارات الملكية، التي تعتبر موزا أحد المتحكّمين بها، حملة شراء ضخمة لدور الأزياء، الماركات التجارية والمتاجر.
http://instagram.com/p/oRMP9oMTDC/
في 8 أيار عام 2011 اشترت شركة الاستثمارات في قطر متجر Herrods الإنجليزي بقيمة 1.5 مليار جنيه استرليني، بعد 25 عامًا كان يملكه فيها رجل الأعمال محمد الفايد.
في كانون الثاني عام 2012 اشترى القطريّون 5.2% من شركة المجوهرات Tiffany & Co بقيمة 700 مليون دولار.
في آذار عام 2013 اشتروا السيطرة على شبكة المتجر الفرنسي Printemps، بفروعه الـ 16 وموظّفيه الـ 4,000، مقابل 2 مليار دولار.
في صيف عام 2012 اشترت شركة الاستثمارات الملكية السيطرة الكاملة على دار الأزياء الإيطالية Valentio بقيمة 850 مليون دولار.
والأزياء بطبيعة الحال هي واحدة فقط من قنوات نشاط الشيخة موزا الواسعة. لقد أنشأت صندوق قطر الذي يدعم التعليم للنساء والأطفال ويقدّم منحًا تعليمية للمتفوّقين، من بين أمور أخرى، فإنّ قطر أيضًا هي الراعي لفريق كرة القدم برشلونة.
من المهم أن نفهم بأنّ نشاط موزا الواسع في الاقتصاد القطري وريادة الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة الصغيرة هو مثلث: صوَريّ، اقتصادي وسياسي. على المستوى الصوَريّ، فإنّ شراء ماركات أزياء غربية يشير إلى قطر كدولة منفتحة، حديثة وعصرية. على المستوى الاقتصادي، فإنّ قطر تفهم أيضًا الحاجة إلى الجيل القادم الذي نما في البلاد ليستمرّ في الانفتاح على العالم وفي شراء الماركات الغربية. وفي الجانب السياسي، فبواسطة تحقيق السيطرة على شركات الأزياء العالمية، مثل فالنتينو أو هارودز، تعمّق قطر من علاقاتها مع عملائها القدامى، الملوك والشخصيات الرئيسية في النخبة السياسية والاقتصادية في العالم.