تظهر صور فلاديمير زئيف جابوتنسكي تقريبا في كل مكتب لحزب اليمين الإسرائيلي الحاكم – “الليكود”. حتى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو يحب أن يذكر جابوتنسكي ومبادئه في خطاباته، الذي يعتبر مؤسس اليمين الإسرائيلي، ولكن هل يسير في طريقه في الواقع؟
من هو جابوتنسكي؟
وُلد فلاديمير زئيف جابوتنسكي في روسيا عام 1880 وترعرع فيها، وتُوفي في أمريكا عام 1940، قبل إقامة دولة إسرائيل. كان يُتقن من بين لغات أخرى، الإنجليزية، الألمانية، الفرنسيّة، الإيطالية، الروسية، وطبعا العبريّة. عمل صحافيا معظم حياته، ولكنه اشتهر بفضل نشاطاته السياسية.
وفق أقواله، بعد أن شهد المذابح التي ارتُكِبت بحق اليهود في أوروبا الشرقية، انتقد الزعماء اليهود بسبب هزيمتهم، لهذا انضم إلى الحركة الصهيونية. بعد أن التقى بهرتسل كتب: “لدي انطباعا مميزا وهاما عن هرتسل، لا أتذكر أن هناك شخصا “أثر” فيّ مثله أبدا. شعرت أنه نبيا وزعيما لا يُشق له غبار”.
مؤسس اليمين الإسرائيلي، وعلاقته بنتنياهو
بعد مرور عقد على انضمامه إلى الحركة الصهيونية، فهم جابوتنسكي أن حلمه حول الدول اليهودية التي ستُقام يختلف عن حلم أصدقائه الصهاينة. دعم اليهود الصهاينة أفكاره وأسسوا معا حركة تدُعى الحركة التصحيحية. بالرغم من أن بقية الحركة الصهيونية عارضت حينها حركة جابوتنسكي التصحيحية هذه، إلا أن هذه الحركة تعتبر في يومنا هذا نقطة بداية اليمين السياسي الإسرائيلي.
كان المؤرخ بنتسيون نتنياهو، والد رئيس الحكومة الإسرائيلي الحالي، مقربا من جابوتنسكي واعتبره مرشده الأعلى الأول. كان بنتسيون جزءا من بعثة جابوتنسكي التي حاولت إقناع الأمريكيين بإقامة جيش يهودي، وفي السنوات الأخيرة من حياة جابوتنسكي كان بنتسيون سكرتيرا له. في يومنا هذا أيضا، تدعى مباني حزب اليمين الإسرائيلي “الليكود” في تل أبيب، “قلعة زئيف” تيمنا بزئيف جابوتنسكي.
هل “حان الوقت لدحض الأساطير الليبرالية حول جابوتنسكي”؟
في الأنشودة الوطنية لحركة الشباب “بيتار”، التي تستند إلى أفكار جابوتنسكي يظهر القول: “الموت أو احتلال الجبل”. حتى أن جابوتنسكي كتب: “إذا دعت الحاجة إلى التطرف، فليحيى التعصب”. كما وافترض جابوتنسكي أن اليهود ليسوا قادرين على الاعتماد على أحد سوى على أنفسهم، وهذا ما كتبه: “ينقسم العالم إلى نوعين من الجمهور: الجمهور الذي يسعى إلى طرد اليهود، وبالمقابل الجمهور الذي لا يرضى به”. حتى أن جابوتنسكي عارض الحسم في النزاع بين الفلسطينيين والصهاينة من خلال الحرب. اتهم زعماء صهاينة منافسون مثل بن غوريون جابوتنسكي بأنه فاشي، ويترأس حركة وطنية يهودية عنيفة.
في يومنا هذا أيضا هناك الكثير من المعارضين لآراء جابوتنسكي. فقبل شهر نُشر في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية المتماهية مع اليسار الإسرائيلي، مقال تحت عنوان “آن الأوان لدحض الأساطير الليبرالية الخاصة بجابوتنسكي”، وكُتب فيه أن “كلام جابوتنسكي المنمق، الذي يتفوق للوهلة الأولى على كل المواقف والمصالح، كان استنتاجا يحمل في طياته مفهوما عنيفا ومتعاليا يتطلب من الفرد التضحية بنفسه”.
هل خان اليمين الإسرائيلي الذي يُمجد جابوتنسكي مبادئه الليبرالية؟
خلافا للمفهوم الوطني المتطرف الخاص بجابوتنسكي، فقد تمسك جابوتنسكي بالقيم الليبرالية الخاصة بالفرد. مثلا، كان داعما متحمسا لفكرة المساواة الجندرية بين النساء والرجال: “أعتقد أن المرأة أفضل من الرجل في المجتمع والعائلة، فيما عدا المناصب التي تطلب قوة، أفضل أن تشغل سائر المهام النساء بدلا من الرجال”.
كما وقال جابوتنسكي إن هناك خمسة أمور أساسية على كل دولة أن تقدمها لمواطنيها، وهي: الطعام، السكن، اللباس، التربية، والطب. “تتغير حاجات المواطنين في كل دولة وفترة”، كتب جابوتنسكي ولكن “على الدولة” أن تقدم هذه المتطلبات الخمس لكل من يحتاجها.
وكان جابوتنسكي داعما متحمسا لحرية الصحافة، وعارض فرض آراء الأغلبية على الأقليّة. هناك مَن يدعي في يومنا هذا أن القيَم الليبرالية الخاصة بجابوتنسكي، تعتبر في وقتنا قيما “يسارية” وأن اليمين تخلى عنها متبنيا المفهوم الأمني الهجومي والعنيف الخاص بجابوتنسكي فقط.
وجهة نظر جابوتنسكي تجاه العرب
قبل إقامة دولة إسرائيل، عارض جابوتنسكي تعريفها في القانون بصفتها “دولة يهودية”. وادعى أنه ستكون دولة يهودية لأن الأغلبية فيها هم يهود، موضحا أن لا داعي لأن يظهر هذا التعريف ضمن القانون. رغم هذا، فهم جابوتنسكي أن اليهود والعرب سيعيشون فيها دائما.
قال جابوتنسكي إنه لا يخشى من إقامة دولة متعددة القوميات والثقافات، ودعم المساواة في الحقوق المدنية الكاملة بين القوميتين اللتين ستعيشان في الدولة التي ستُقام.
بعد تمسكه بحرية الفرد، اعتقد جابوتنسكي أنه رغم الحرب ضد الفلسطينيين سعيا لإقامة دولة إسرائيل، يُحظر طردهم من أراضيهم. فقد دعم وشجع الحرب أملا في إقامة الدولة، ولكنه كان يعتقد أن من الحق العرب أن يظلوا في البلاد. واعترف أن العرب الفلسطينيين يعتقدون أنهم من مواليد هذه الأراضي ويتعرضون للتهديدات على يد المحتلين، ولكنه كان يأمل أن يتوصلوا في النهاية إلى تسوية مع اليهود ومع رغبتهم في العيش في الأراضي المقدّسة.
وكتب جابوتنسكي في هذا السياق: “بعد أن تعيش أغلبية يهودية في أرض إسرائيل ستظل فيها أكثرية عربية أيضا. وإذا مرت أيام عصيبة على سكان البلاد العرب فستعاني كل البلاد أيضا. لهذا فإن وضع العرب القوي سياسيا، اقتصاديا، وثقافيا، سيكون دائما شرطا أساسيا للوضع السليم والقوي لأرض إسرائيل بأكملها. كما ذُكر آنفا، فقد توفي جابوتنسكي قبل إقامة إسرائيل، وليس معروفا ماذا كان رأيه في الدولة التي قامت حقا.