التلمود البابلي، هو بروتوكولات نقاشات الحاخامات الذين عملوا في المراكز التعليمية اليهودية في أرض إسرائيل وبابل بين القرنين الثالث والخامس للميلاد. النقاشات حول أسئلة فقهية، عملية، فلسفية، وأخلاقية، مطبوعة اليوم في نحو 20 مجلدا (2.711 صفحة). يشكل التلمود المكتوب بالآرامية والعبرية أساس الشريعة اليهودية، وأهم النصوص التي تدرّس في المؤسسات التعليمية اليهودية (حلقات دينية).
كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر. بالطبع، فإن السياق التاريخي والتجربة الشخصية للحاخام تؤثر في نظرته إلى الآخر، إلى غير اليهود.
كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر
تجادل حكيما البلاد في إسرائيل، الحاخام عكيفا وبن عزاي حول تفسير الآية في التوراة “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (سفر اللاويين، الإصحاح 19، الآية 18). وفق بن عزاي، فإن الكلمة “صديق” تعني كل شخص، ولكن يعتقد الحاخام عكيفا أن وصية محبة الآخر، تنطبق على اليهود فقط.
يمكن فهم موقف الحاخام عكيفا السلبي على خلفية العلاقات الصعبة بين اليهود والإمبراطورية الرومانية في عصره. قتل الرومان الحاخام عكيفا في نهاية حياته بسبب إيمانه اليهودي.
تحدث تلميذ الحاخام عكيفا الحاخام شمعون بار يوحاي بشكل متطرف أكثر تجاه الأغيار. فوفق أقواله، لا تنقل قبور الأغيار النجاسة لأنهم لا يعتبرون من بني البشر بالمعنى الكامل، ويمكن قتلهم أثناء الحرب. ادعى حكماء في التلمود أن الأغيار ينجذبون أكثر للغريزة الجنسية، وحشيون أكثر من اليهود، ومتواضعون أقل. حتى أنه ذُكر في التلمود أنه يحظر إنقاذ غير اليهود إذا كانوا يحتضرون يوم السبت.
بالمُقابل، هناك موقف آخر مختلف تماما في التلمود للأغيار، موقف أكثر إيجابية. في قسم سنهدرين (جزء في المشناه يتحدث عن المحكمة اليهودية)، كُتب أن الإنسان الأول خُلِق وحيدا لئلا يدعي كل شعب أن سلَفه أفضل. هذه أقوال معادية للعنصرية بشكل واضح. أقوال الحاخام مئير الإسرائيلي، مقتبسة في التلمود للتوضيح أن غير اليهود الذين تعلموا التوراة هم مساوون للكاهن الكبير في الهيكل، وهكذا يلغي تماما فكرة أن اليهود أسمى من غيرهم من الأمم عرقيا.
في قسم سنهدرين تُحكى أسطورة تتحدث عن أن المصريين غرقوا في البحر بعد خروج بني إسرائيل من مصر، فطلب الملائكة الغناء. فصرخ بهم الله سائلا: “يغرق البشر من صنع يدي وأنتم تغنون؟”. تحدد المشناه في ذلك القِسم أن “كل من يخسر إنسانا، كأنه خسر العالم بأكمله، وكل من ينقذ شخصا وكأنه أنقذ العالم بأكمله”.
يحظر على اليهود قتل كل البشر حظرا تاما. جاء حظر القتل قبل أن حصل بنو إسرائيل على التوراة، ولذلك ليس في وسع التوراة أن تسمح بإلغاء حظر كان قائما. وفق رأي الحاخام إليعزر في التلمود البابلي في قسم الفصح (Pesachim) فإن سبب تهجير الله لكل اليهود في أنحاء العالم هو إقناع الوثنيين بعبادة إله واحد.
تحدث الحاخام موسى بن ميمون (1135-1204) من كبار الفقهاء في القرون الوسطى، في كتابه الفقهي عن ثلاث مجموعات من الأغيار: أغيار وثنيين، “مواطن ساكن” (أغيار يعيشون في المجتمع اليهودي)، وأغيار عاديين.
اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم
ليس هناك واجب في الشريعة لإنقاذ الوثنيين، ولكن يحظر أيضا قتلهم طالما أنهم لا يقاتلون شعب إسرائيل. “مواطن ساكن” هو شخص تحمل مسؤولية تأدية 7 وصايا أخلاقية أساسية، تسمّى في الشريعة اليهودية “شرائع نوح السبع” وتمنع: السرقة، التجديف على الله، الانحلال الجنسي، الوثنية، أكل لحم حيوان حي، وتفرض إقامة نظام عدل.
وفق الحاخامين الكبيرين في أرض إسرائيل في القرن العشرين، الحاخام أبراهام يتسحاق هكوهين كوك (1865-1935)، والحاخام ﻳﺘﺴﺤﺎق أﻳﺰﻳﻚ ﻫﻠﻴﻔﻲ ﻫﺮﺗﺴوغ (1888-1959)، يُعتبر العرب الذين يعيشون في البلاد “مواطنين سكانا” لأنهم يطبقون الوصايا الأساسية إيمانا بإله واحد. خلافا للوثنية، يسمح لـ “مواطن ساكن” العيش في أرض إسرائيل وعلى اليهود أن يكونوا عادلين معه مثلما يتعاملون مع اليهود الآخرين.
وفق الرمبام (موسى بن ميمون)، على اليهود التعامل باحترام مع الأغيار الذين لا يعتبرون “مواطنين سكّانا”: زيارة مرضاهم، إعالة الفقراء من غير اليهود، ودفن موتاهم مع الأموات اليهود. السبب لذلك هو أهمية خلق علاقات سلمية بين كل الشعوب.
اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم.
للإجمال، كما يمكن العثور في القرآن، والإسلام عامة، على تعامل إيجابي وسلبي لليهود والمسيحيين، كذلك الحال في اليهودية إذ يمكن أن تُسمع آراء مختلفة تجاه الأغيار. بشكل عامّ، يمكن القول إن اليهودية لا تتعامل تعاملا متساويا بين اليهود والأغيار، كما هو الحال بين الإسلام وغيرهم. رغم ذلك، توصي الديانة اليهودية المؤمنين اليهود باحترام كل البشر، استنادا إلى الآية في سفر الأمثال في التوراة: “طرقها طرق نعم، وكل مسالكها سلام”. السلام هو قيمة عليا تملي العلاقة المرجوّة بين البشر.