يعرّض قطع العلاقات الفوري بين السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، مصر والحكومة اليمنية وبين قطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمعضلة صعبة.
قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط، تحدث ممثلو الرئيس الأمريكي كثيرا في القمة الخليجية التي جرت في الرياض، أثناء زيارة ترامب الرسمية الأولى لها عن قطر. صرح قبل ذلك وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتياس أن العلاقات بين كلا البلدين جيدة “وتشهد تحسنا”. كان ترامب والإدارة الأمريكية راضيان عن الائتلاف الذي بادرت إليه السعودية، قبل نحو سنة ونصف وهو “الائتلاف السني” الذي يهدف إلى التصدي لتأثير إيران في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب. حتى أمس كانت قطر عضوة في هذا الائتلاف، ولكنها طُردت منه في أعقاب قطع العلاقات بينها وبين الدول العربية.
السؤال الذي يُطرح الآن هل ستستغل السعودية الاستثمارات الهائلة التي وعدت بها ترامب – أكثر من 300 مليار دولار لشراء معدّات عسكرية ونحو 40 مليار دولار للاستثمار في البنى التحتية الأمريكية – لتطلب من أمريكا أن تسير في طريقها وتدرج قطر في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. إذا استجاب ترامب لهذا القرار، يتعين عليه إخراج معسكر سلاح الجو الأمريكي الأكبر في الشرق الأوسط من قطر ونقله إلى دولة أخرى، ربما إلى الإمارات. ولكن من السابق لأوانه أن نقرر أن هذا هو المسار الذي ستتخذه السعودية طالما أنها تهدف للحفاظ على الائتلاف السني ودخول قطر إلى الائتلاف ثانية.
اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر. يتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية سد المجال الجوي المصري وجزء من دول الخليج أمام طائرات قطر، وقد تلحق هذه الخطوة ضررا بالرحلات الجوية القطرية. سيقلص الحد من التنقل برا من استيرادات قطر. خلافا للعقوبات التي فرضتها السعودية، الإمارات، والبحرين على قطر عام 2014، حيث أعاد جزء من دول الخليج سفراءه ولكن لم تُفرض عقوبات اقتصادية، فهذه المرة يدور الحديث عن خطوة فريدة من نوعها، لم تتخذها من قبل دول الخليج ضد دولة عضوة في مجلس التعاون الخليجي العربي.
فرضت دول عربيّة وقطعت علاقاتها حتى الآن مع العراق في فترة حكم صدام حسين، ومع سوريا وعلقت عضويتها في الجامعة العربية أيضا. جاءت الخطوة الاستثنائية في ظل أقوال حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، حيث أوضح أنه يعارض الموقع العدائي الذي تتخذه دول الخليج والولايات المتّحدة ضد إيران، “الدولة الكبيرة التي تساهم في استقرار المنطقة”، وقال إنه لا يعتبر حماس، حزب الله، والإخوان المسلمين منظمات إرهابية بل حركات مقاومة.
أنكرت قطر أقوال الحاكم مدعية أن قراصنة الإنترنت اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية وكتبوا هذه الاقتباسات. يدور الحديث عن حرب قراصنة من نوع جديد، وفق ادعاء متحدثين ومحللين قطريين بهدف الحطّ من قدر قطر. فهم يدعون أن هذه العلاقة أقيمت بين الإمارات واللوبي الموالي لإسرائيل الذي يعمل من واشنطن إضافة إلى كبار المسؤولين سابقا في الإدارة الأمريكية، حيث أنها علاقة مبنية على خلافات سياسية في الرأي بين دول الإمارات العربية المتحدة وقطر.
أثارت حرب التسريبات والقراصنة مشكلة كبيرة، حيث نُشر أمس عدد من رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها ظاهريا سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة وبين “معهد حماية الديمقراطية”، وهو معهد أسسه شيلدون أدلسون وإيد برونفمان إضافة إلى يهود أغنياء آخرين ويحظى بتمويلهم. هذا هو معهد للمحافطين الجدد وأقيم بعد أحداث 11 أيلول وهناك علاقات جيدة بين هذا المعهد وبين نتنياهو وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية.
وفق الرسائل البريدية المُسربة جرى تبادل الآراء والأفكار بين الإمارات وبين كبار المسؤولين في المعهد حول كيف يمكن التعامل مع قطر الداعمة لحماس وإيران. هناك لدى السفير القطري، يوسف العتيبة الذي يعتبر شخصية مرغوبة ومؤثرة في واشنطن، علاقات قوية مع جاريد كوشنير، صهر ترامب ومستشاره المسؤول، وكانت تربطه في الماضي علاقات مع سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون درمر. تسلط هذه الاكتشافات المأساة السياسية في الخليج على الإمارات بدلا من قطر، حيث تبدو وكأنها تنسق أعمالها مع إسرائيل، أو على الأقل، مع اللوبي الموالي لإسرائيل المدعوم من قبلها.
تدفع هذه التصريحات الإدارة الأمريكية إلى جبهة معروفة لها أقل، حيث أنه قد تملي موازين القوى بين دول الخليج وبين نفسها سياسات خاطئة. تعرف الإدارة الأمريكية أن الاعتماد الحصري على السعودية والإمارات بصفتها قادرة على دفع السياسة الأمريكية في المنطقة قدما قد يلحق ضررا بالائتلاف العربي ضد إيران أو محاربة الإرهاب. في هذا السياق، لا بد أن نذكر أن الكويت وعُمان لا تتعاونان مع الجبهة التي تعمل ضد قطر، وأن العلاقات بين مصر والسعودية متوترة بسبب ما تعرّفه مصر كاحتكار سعوديّ حصري لإدارة السياسة الإقليمية.
السؤال الذي يُطرح الآن هو من قادر على الوساطة بين قطر والسعودية ودول الإمارات المتحدة، وأية تنازلات ستبديها قطر للعودة إلى “الأحضان الخليجية”. حاولت الكويت هذا الأسبوع الوساطة بين الدول، ولكن باءت محاولاتها بالفشل حتى الآن. يبدو أن السعودية لن تستكفي هذه المرة بطرد نشطاء حمساويين والإخوان المسلمين من قطر، بل سترغب في أن تبدي قطر التزامها بشكل ملحوظ فيما يتعلق بنشاط قناة الجزيرة، الوسيلة السياسية الهامة لدى قطر، وحتى أن تصرح قطر تصريحات واضحة فيما يتعلق بإيران. في هذه المرحلة، من الصعب أن نقدر أن قطر ستوافق على عدم نقل قناة الجزيرة الأخبار أو التخلص من إيران، شريكتها في حقل الغاز الأكبر في العالم.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”