جاء إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أمس (الأحد) عن انطلاق العملية المرتقَبة لاستعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) مُفاجئًا ومبكرًا بعض الشيء كما يبدو. فمنذ أشهُر، يتمّ الحديث عن العملية، التي يُفترَض أن تبدأ بعد وقت ما من العملية الموازية لإخضاع مدينة الموصل العراقية، التي بدأت الشهر المنصرم. لكن في هذه الحالة، أتى الإعلان دون تصريح مماثل من الجانب الأمريكي الذي يقود قوّات التحالف ضدّ داعش في العراق وسوريا. بعد ساعات من الإعلان، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، دعم “القوى المحلية” في هذا المجال. ولكن لا تزال هوية القوى المحلية التي ستشارك في العملية غير واضحة حتى الآن.
تُعتبَر الرقّة حاليًّا المعقل الأساسي للدولة الإسلامية، إذ يتواجد فيها وحولها عشرات آلاف المقاتلين وفق التقديرات. وكانت المتحدثة باسم “قسد” قد صرّحت بأنّ 30 ألف مقاتل سيشاركون في عملية “غضب الفرات”. لكن دون تعاون فاعل من قوى أخرى وعملية جوية واسعة النطاق، يصعب التخيّل أنّ هذا كافٍ لاقتلاع تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يستعدّ منذ نحو عامَين للدفاع عن الرقة، والذي سيكون معظم أفراده مستعدّين لتنفيذ عمليات انتحارية ضدّ المهاجمين وللقتال حتى الموت.
لا يُعقَل أن تكون “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يمدّها الأمريكيون بالسلاح والتدريب، قد أطلقت عمليتها دون التنسيق مع البنتاغون. كما يُشَكّ في أنّ توقيت العملية في أسبوع الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليس عشوائيًّا. ففي العراق، تُدعى عملية تحرير الموصل “عملية أوباما”، إذ يُعتقَد أنّ الأمريكيين يريدون إنهاء تحرير ثاني أكبر معاقل داعش قبل انتهاء عهد الرئيس باراك أوباما. وتسهّل العمليتان المتوازيتان على الإدارة الأمريكية وعلى حملة هيلاري كلينتون مواجهة اتهامات المرشّح الجمهوري، دونالد ترامب، بأنّهما ضعيفان في مواجهة الدولة الإسلامية.
أمّا السبب المحتمَل الآخَر لحفاظ البنتاغون على بُعد نسبي عن القتال في هذه المرحلة فهو محاولة تقليص الاحتكاك مع الحليفة التاريخية المشاكسة، تركيا. تنظر الحكومة التركية بعين الريبة الشديدة إلى “قسد”، التي معظم مقاتليها وقادتها أتراك، رغم أنها تضمّ عربًا وتركمانًا أيضًا. فالتنظيم الرئيسي هو “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية (YPG)، المقرّبة من “حزب العمال الكردستاني” المحظور. وتعتبر تركيا حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب تنظيمَين إرهابيَّين، وقد قصفت بداية هذا العام مواقع للقوّات الكردية شمال حلب مسبّبة قتل عشرات المدنيين والمقاتلين. بالمقابل، تحاول تركيا تدريب ميليشيا سورية عربية موالية لها وتسليحها، لتقاتل في الرقة، البعيدة مئة كيلومتر عن الحدود التركية.
تحدّث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جوزيف دانفورد، مع نظيره التركي أمس في العاصمة أنقرة. ويُحتمَل أن يكون إعلان انطلاق المعركة في الرقة إشارة إلى توافق على التعاون مع الأكراد. بالتبايُن، يمكن أن يكون إشارة إلى توصّل الأمريكيين إلى استنتاج عدم إمكان التوافق مع نظام أردوغان، وبالتالي تفضيل بدء العملية دونه.
يمكن لمعارضة تركيا أن تمنع وحدات متمردين أخرى من “الجيش السوري الحر”، الذي يتكئ على دعم تركي، من المشاركة في القتال. فخلافًا للمعركة على الموصل، التي نجح الأمريكيون والحكومة العراقية قبل انطلاقها في إرساء تفاهم بين القوى المختلفة، السنية والشيعية والكردية، لا يزال التوافق على التعاون في الرقة بعيد المنال.
والسبب الآخر لتوقيت العملية على الرقة هو كما يبدو محاولات مقاتلي “الدولة الإسلامية” المحاصَرين في الموصل أن يفرّوا إلى الغرب، إلى ما وراء الحدود مع سوريا. لهذا السبب، يُتوقَّع أن تكون المرحلة الأولى من العملية قطع الطرق بين الرقة والعراق.
على أية حال، لا يُتوقَّع أن تشمل العملية في الأسابيع القليلة القادمة اجتياح المدينة نفسها، بل مجرد محاصرتها واحتلال مناطق ريفية حولها. ويشبه ذلك ما حصل في الأسابيع الثلاثة الأولى من عملية الموصل، إذ بالكاد وصلت القوّات إلى أحياء المدينة الخارجية الآن.
أخيرًا، لا تزال إمكانية تحرير معقلَي الدولة الإسلامية قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض في 20 كانون الثاني موضع شكّ.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”