مستشفى “الجليل”الغربي في نهاريا هو من بين المستشفيات الصغيرة في إسرائيل. ولكن رغم أنه يتضمن نحو 700 سرير للمكوث في المستشفى فقط، فقد عُولج في السنوات الأربع الماضية في المستشفى نحو 1,600 جريح سوري – 70% من الجرحى السوريين الذين دخلوا إلى إسرائيل، هذا وفق النشر في صحيفة “ذا ماركر” في مقال خاص حول علاج الجرحى السوريين في المستشفى.
وفق التقرير الإخباريّ، يصل الجرحى غالبا بعد ساعات قليلة من الإصابة أو حتى بعد يوم، ويجتازون علاجات وعمليات جراحية مُعقّدة، ومن ثم يعودون إلى سوريا. يمكث الجريح السوري ما معدله 23 يوما في إسرائيل، ولكن يظل جزء منهم أشهر أو حتى سنة ونصف وأكثر.
“كان الجرحى السوريون يشعرون بالخوف عندما كانوا يعرفون أنهم في إسرائيل”، قال مدير المستشفى، دكتور مسعد برهوم، “فهم يحتاجون إلى يوم أو يومين حتى يطمأنوا ويفهموا أنه لن يلحق بهم ضررا. أما اليوم فهم يطلبون نقلهم إلى إسرائيل”.
يقول أحد الذين أجريت معهم مقابلة “سألوني إلى أين أفضّل أن يتم نقلي، هل إلى مستشفى في إسرائيل أم في الأردن….لقد سمعت كثيرا عن المعاملة الجيدة والعلاج في المستشفيات الإسرائيلية ورغم ذلك هناك قصص صعبة حول ما يحدث في الأردن. فيتم في المستشفيات الأردنية بتر الأعضاء لأي سبب كان. فيكفي وجود شظية واحدة في اليد فيتم بترها”. لذلك اختار ذلك الشاب إخلاءه إلى إسرائيل.
”عندما يصل الجرحى السوريون إلى المستشفى فلا يكونون أعداء” يقول مدير المستشفى، د. برهوم. “نشعر بالحزن من القصص. لم يقدم موظف واحد في المستشفى المساعدة للجرحى دون أن تذرف عيناه الدموع. عندما يصل الجرحى إلى المستشفى، تصبع مأساة الملايين قصة شخصية حقيقية لشخص فقد عائلته.
يشعر الطاقم بالحاجة إلى القيام بواجبه من خلال الكثير من التعاطف في ظل المأساة. فهو يحضّر للجرحى الأكل من المنزل. يحضّر العمّال العرب أكلات عربية للجرحى السوريين لأنه من الصعب عليهم أن يعتادوا على الأكل الإسرائيلي. يصل إلى المستشفى الكثير من التبرعات مثل الأكل، الألعاب والملابس، ويأخذ بعض الجرحى جزءا منها عندما يعودون إلى سوريا بعد مرحلة التعافي. بهدف أن يشعر الجرحى بارتياح أكثر، يُحضر لهم أفراد الطاقم تسجيلات لمسلسل “باب الحارة”. “تأتي كل خطوة بعد تفكير عميق وبسبب القلق، وتنشأ علاقات مثيرة للاهتمام بين الطاقم في المستشفى والجرحى”، تقول إحدى الطبيبات.
تعلم جزء كبير من الأطبّاء والطاقم الطبي العربية في السنوات الماضية من أجل التواصل مع الجرحى وعلاجهم والتعامل معهم. “اللغة هي أهم عامل في بناء الثقة”، تقول الطبيبة. يصل الكثير من الجرحى وهم فاقدون وعيهم، ويستيقيظون في مكان غريب، ويشعرون بآلام صعبة، ويشاهدون أشخاصا غرباء يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكن عندما يتحدث معهم أفراد الطاقم بالعربية، يندهشون ولكن عندها يشعرون بشعور أفضل.
قصص الأطفال هي القصص الصعبة. يصل الكثير منهم من دون والديهم، ويكون جزء منهم أيتاما، ويبكون كثيرا. يهتم المستشفى بهؤلاء الأطفال ويقدم لهم علاجا أخلاقيا، وتعالج متطوعات جمعية “حيبوك ريشون” (العناق الأول) الأطفال، وهناك الكثير من الأمهات السوريات اللواتي يمكث أطفالهن في المستشفى، فيتحملن مسؤولية الاهتمام بالأطفال الآخرين الذين في المستشفى دون والديهم.
إحدى أصعب الحالات التي يتذكرها الطاقم الطبيّ هي لشاب عمره 33 عاما وصل إلى المستشفى وكانت إصابته بالغة نتيجة دخول رصاصة في عنقه اخترقت العمود الفقري. أُجريَت له عملية جراحية دامت وقتا طويلا، وعمل خبراء كبار ساعات طويلة لإنقاذ حياته. عندما استيقظ المصاب دون أن يعاني من ضرر دماغي بشكل مفاجئ، لم يستطع التكلم، ولكن طلب من الممرضة قلما وورقة. في البداية سأل أين هو، فأجابته الممرضة أنه في إسرائيل. بعد ذلك سألها لماذا أنقذتم حياتي؟ فدُهِش الطاقم مجيبا أنه رأى من واجبه إنقاذ حياته. ولكنه قال: “كان من الأفضل ألا تنقذوا حياتي، فالشيء الأخير الذي رأيته قبل إصابتي هو إطلاق النار على طفلَي اللذين عمرهما 3 و 5 سنوات. دُهش أفراد الطاقم وانفجر الكثيرون منهم باكين. كيف يمكن أن تستمر الحياة بعد سماع خبر كهذا؟ حتى أن هناك من تردد وتساءل هل كان إنقاذ حياته عملا صحيحا. ولكن في نهاية المطاف تعافى كليا وعاد إلى سوريا.
ولكن رغم المأساة والصعوبة، يستفيد المستشفى من علاج الجرحى. “ليس هناك مستشفى مدني آخر في العالم يقدم علاجا لعدد كبير كهذا من جرحى الحرب. تصل إلينا أسبوعيا منذ أربع سنوات حالات وإصابات حرجة، كان على الطواقم المختلفة تقديم علاج طارئ لها. لا تثمن التجربة التي كسبناها بالمال”. قال مدير المستشفى لصيحفة “ذا مارك”. “سيجني مصابون آخرون فائدة من الخبرة التي حققناها.. سيستفيد مصابون الحرب القادمة مع لبنان التي أعتقد أنها ستحدث”، أضاف.
حتى أن المستشفى استدعى خبيرا بمجال الأسلحة ليتعلم الطاقم عن إصابات الجرحى. مثلا، إصابات من رصاصات من مسدسات رشاشة يستخدمها القناصون، هي إصابة لا يعرفها العالم الغربي تقريبًا، وتُحدث ضررا هائلا لأنسجة الجسم. “اليوم بسبب موجهة الإرهاب التي تجتاح أوروبا التي تضمن إطلاق رصاص من مسدس رشاش مثل حالات إطلاق النيران في لندن وفرنسا يصل خبراء أوروبيون ليتعلموا من تجربة مستشفى الجليل الغربي الصغير في نهاريا”، قال دكتور برهوم.