“هناك إشارة في الأجواء”، كما يقول مسؤول يتتبع عن كثب الأحداث في رام الله، “قد يجلب عام 2015 معه تقلّبات وشخصيات جديدة”. قبل أيام معدودة من الاحتفال بمرور 50 عاما على تأسيس فتح، يبدو أن الحركة، وعلى رأسها أبو مازن، تواجه فترة مصيرية.
ليس هناك خليفة عباس بعد
بالإضافة إلى احتفالات الانطلاقة، فمن المتوقع أن يُعقد الشهر القادم في رام الله المؤتمر العام السابع لحركة فتح. وبخلاف سنوات سابقة، هناك إحساس في هذه المرة بأنّ شيئا ما سيتغيّر، وأن روحا جديدة تهبّ في أشرعة الحركة. ظهر اختراق للمرشحين الشباب نسبيا في انتخابات الدوائر الانتخابية لدى الحركة، ويبدو أنّ الجيل الشاب قد يحصل على مكانة مهمّة في المؤتمر أيضًا.
وبخلاف قادة فتح من “الجيل القديم”، فهؤلاء هم أشخاص متحمّسون بشكل أكبر بكثير، وبعضهم أسرى محرّرون مكثوا في السجون الإسرائيلية، يتحدّثون العبرية، وجرّبوا نتائج الصراع على جلودهم. هم أيضا أكثر حماسة، نشاطا، وربما أيضًا وطنية. يبدو أنّ الخمول الذي انتشر في الحركة في السنوات الماضية قد يتغيّر بروح قتالية.
وفي المقابل، لا يزال لا يبدو أنّ هناك مرشحّا مهمّا يمكنه أن يقوّض مكانة أبو مازن، ولم يظهر له وريثًا طبيعيًّا. أحد أهداف الحركة في المؤتمر العام السابع هو تعيين نائب لأبو مازن، والذي يمسك بالتاج وحده تماما منذ سنوات طويلة.
عباس نفسه هو من أواخر “جيل النكبة”. لقد وُلد في صفد وشهد النكبة عن كثب، ولذلك فهو يحظى باحترام خاص
وحتى الآن، ليس هناك مرشّح واحد يبرز عن الجميع، ولكن على أية حال يمكننا أن نقول إنّ ذلك النائب، والذي سيُشار إليه بشكل تلقائي، بالطبع، كخليفة مستقبلي لعباس، لن يكون ما يعرفه الجميع. عباس نفسه هو من أواخر “جيل النكبة”. لقد وُلد في صفد وشهد النكبة عن كثب، ولذلك فهو يحظى باحترام خاص. خلفه، على الأرجح، سيكون من الجيل الذي وُلد “في الداخل”.
وبينما يحاول دحلان بناء نفسه كبديل حقيقي، يبدو أنّه طالما أنّ عباس يسيطر على الأمور، فسيحرص على أن يبقى دحلان بعيدا جدّا عن التمتع بالكعكة. في المقابل، فإنّ مرشحين بارزين جدا مثل مروان البرغوثي أو جبريل الرجوب، الذين يحظون بشرعية واسعة في الشارع الفلسطيني، قد يُنظر إليهم من قبل عباس باعتبارهم مهدّدين جدّا، ولذلك فمن الممكن أن يفضّل اختيار نائب له من رفاقه.
اعتادت المصادر المطلعة على أن تقول إنّ اسم ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، يُطرح أكثر من مرة باعتباره من قد يحلّ مكان عباس في يوم من الأيام
تعتقد المصادر المطلعة أن اسم ماجد فرج يُطرح أكثر من مرة باعتباره من قد يحلّ مكان عباس في يوم من الأيام
وتعتقد المصادر المطلعة أن اسم ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، يُطرح أكثر من مرة باعتباره من قد يحلّ مكان عباس في يوم من الأيام. يُعتبر فرج، وهو من مؤسسي لجان الشبيبة الذراع النقابي والجماهيري لحركة فتح، مقرّبا جدا من أبو مازن، وأيضا رجلا مرتبطا جدّا بالمنطقة ويتمتّع بدعم واسع بين الشعب. وهو على علاقة جيّدة مع سائر رؤساء الأجهزة الفلسطينية، وفي حالة الأزمة، إذا نجح في التعاون معهم، فمن المتوقع أنّ يكون قد نجح بالوصول إلى أكثر مكان مطلوب في رأس السلطة.
الاستقرار في الضفة بدأ بالتداعي
إنّ الاستقرار الأمني الملموس في السنوات الأخيرة في الضفة الغربية هو مصلحة مشتركة بين عباس والإسرائيليين على حدٍّ سواء، وهو أحد حجارة الأساس التي تمكّن من استمرار سلطة عباس، وينبع من ثلاثة أسباب رئيسية: أولا، يفضّل السكان الهدوء، الذي يمنحهم حياة منظّمة ومستقرّة، وبعض الأمن الاقتصادي، ويخافون من سيناريو “الربيع العربي” كالنسخة المصرية والذي يؤدي بشكل أساسيّ إلى الفوضى وزيادة الفقر.
وفقا للتقديرات الإسرائيلية، رغم التهديدات ليس من المتوقع وقف التنسيق الأمني، الذي يحمل أهمية كبيرة لمصالح الطرفين
ثانيا، يذكر سكان الضفة جيّدا الفترة المؤلمة لانتفاضة الأقصى، عندما امتلأت الضفة بالدبابات الإسرائيلية والحواجز، إلى جانب المواجهات التي لا تتوقف بين مسلّحي فتح وحماس، وأن الحياة كانت مستحيلة. وأخيرا، فإنّ الجيل الجديد من رؤساء الأجهزة يقومون بعمل جيد، ويريدون حقّا الحفاظ على السيادة والاستقرار. ومن المهم أن نذكر في هذا السياق أنّه وفقا للتقديرات الإسرائيلية، رغم التهديدات، التي تظهر بشكل خاص بعد وفاة زياد أبو عين، ليس من المتوقع وقف التنسيق الأمني، الذي يحمل – كما ذُكر أعلاه – أهمية كبيرة لمصالح الطرفين.
ومع ذلك، يقف هذا الاستقرار الآن أمام اختبار، ويمكن أن يتمّ تقويضه في كلّ لحظة. الأزمة السياسية تثير القلق بخصوص المستقبل الاقتصادي. بينما المفاوضات عالقة، يستمر الواقع اليومي في العرقلة والأزمة الاقتصادية تتعمّق فحسب.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الجيل الشاب الذي يعيش في الضفة هو أقلّ تسامحًا بكثير من آبائه. 800 ألف شاب في سنّ 16-25، ممّن لا يتذكّرون عن كثب صعوبات العقد الماضي، يصبحون أكثر إحباطا. الكثير منهم متعلّمون ويحملون ألقابا جامعية، ولكنهم لا يجدون عملا مناسبا ويُضطرّون إلى العمل في أعمال يدوية من أجل المساهمة في إعالة الأسرة. ونضيف لجميع ذلك محاولات حماس التي لا تتوقف في إشعال المنطقة، ووضع متفجّرات تنتظر الشرارة فقط.
مصابون بخيبة أمل من عبلس
إنْ كان هناك مصدر آخر للأمل، فهو نابع من الجهود التي لا تتوقف لعباس على المستوى السياسي. القرار الاستراتيجي لدى عباس هو التركيز على العمل الدبلوماسي وتصميمه الصادق للحصول على اعتراف من دول العالم يؤتي بثماره. في هذا السياق، فغدا هو يوم مصيري بشكل خاصّ، ومن المتوقع أنّ يمثّل علامة فارقة في كلّ ما يتعلّق بالنضال الفلسطيني.
ولكن في المقابل، لا يزال عباس يلقى اعتراضات من الداخل. تتلاشى المصالحة مع حماس وكأنها لم تكن، وتأجيل الانتخابات المستمرّ يطعن بشرعية عباس باستمرار.
ويظهر استطلاع جديد نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أنّ أكثر من 80% من الفلسطينيين يعتقدون بأنّ مؤسّسات السلطة الفلسطينية يشوبها الفساد والمحسوبية، وقد انخفض تأييد أبو مازن في الصيف الأخير من 50% إلى 30%.
66% من بين 1,270 من المستطلَعة آراؤهم يشعرون بأنّهم غير قادرين على توجيه الانتقادات لأبو مازن دون خوف. يقول منتقدو أبو مازن إنّه بعد عقد في السلطة، يشرف أبو مازن على الأنظمة بشكل كبير ويقلّص من قدرات المعارضة، وهو الادعاء الذي يرفضه مؤيّدو أبو مازن الذين يقولون إنّ الفلسطينيين يتمتّعون بحريات سياسية واسعة، أكثر من أي مكان آخر في العالم العربي. ولكن تظهر أيضًا من الشبكات الاجتماعية الفلسطينية صورة واضحة من الاستياء – الذي ينمو باستمرار – من تصرّفات عباس.
يبدو أنّ عباس يخاف أكثر من أيّ وقت مضى من كلّ تهديد محتمل لكرسيّه، ممّا يؤدّي به إلى التصرّف بتهوّر. ولكن في حال استمرار فشل جهوده في الأمم المتحدة، يبدو أنّه سيكون عليه أن يكون قلقا كثيرا ممّا يُتوقّع له في العام القادم، وأن يفعل كلّ ما بوسعه من أجل الحفاظ على مكانه على رأس السلطة الفلسطينية.