على عكس المتعارف عليه، أريد استهلال هذا المقال بعرض الاستنتاج الذي توصّلتُ له بعد مرور مئة يوم على انتخاب المشير عبد الفتاح السيسيّ الرئيسَ الأكبر للجمهورية العربيّة المصريّة في حزيران الماضي.
استنتاجي هو أنّ السيسيّ ما زال حاصلا على ائتمان عظيم من قِبل الجمهور والذي يسمح له بأن يتقدّم أكثر فأكثر بمخططاته نحو تحسين وضع مصر.
السؤال المركزي هو إلى متى سيكون ائتمان الجمهور لصالحه؟
نشهدُ يوما بعد يوم تراكمَ المشاكل الاجتماعيّة، الاقتصاديّة والمشاكل الأخرى التي تُبعِد الجمهور المصريّ عن الحلم الورديّ الذي رسمه له السيسيّ عندما انتُخِبَ كرئيس. إذ قام حينها ببعث رسائل الأمل وتوعّد أنّه خلال أقل من عامَيْن سيطرأ تغيير كبير في مصر.
نجح السيسي في وقت قصير نسبيًّا أنْ يضع مصر في مركز العالم العربيّ
شاهدنا السيسي يشترك في سباق دراجات هوائيّة في ساحات القاهرة من أجل زيادة الوعي حول توفير الطاقة، وشاهدناه بالمشفى لزيارة الفتاة التي اعتُديَ عليها جنسيًّا في ميدان التحرير أثناء تنصيبه رئيسا، بالإضافة إلى لقائه مع ملك السعوديّة في طائرته الخاصّة دون مراسم احتفالية. صوّرت كل هذه الأمور السيسي فارسًا يمتطي حصانا أبيضَ جاء لإنقاذ مصر. فُتِنَ الجمهور المصريّ الرسميّ والبسيط بسحره وأبدى له دعما وتأييدًا واسعيْن جدا.
مرّ مئة يوم على تنعّم السيسي وها هو يواجه مشاكلَ صعبة. تجاوز قسما منها، لكنّه لم ينجح في تجاوز عدة أخرى. إحدى العوامل الخارجة عن السيطرة هي بدء وسائل الإعلام في مصر، التي نالت على حرية كبيرة، بالتصريح على أنّ رسالة الأمل للسيسي آخذة بالتغيّر إلى رسالة جديدة، إذ أنّ هناك أيام صعبة في طريق مصر وعلى الشعب أن يُبدي الصبر، بكلمات أخرى على الشعب نسيان الحلم الورديّ الذي تكلّم عنه السيسيّ، وهو “الفردوس الأعلى”، والمساهمة في إعادة بناء مصر.
لكن في حين يظهر الميدان الداخليّ كميدان تملؤه الصراعات والتحدّيات، تُفضّل ميادين أخرى، محليّة وعالميّة، السيسي. وهنا بعض الأمثلة:
نجح السيسي في وقت قصير نسبيًّا أنْ يضع مصر في مركز العالم العربيّ. إذ قام إلى حدّ كبير بتقوية العلاقة مع السعوديّة إلى درجة التنسيق الكامل والتعاون. تعاوُن مع دول عربيّة براغماتيّة، تعاون مع الجزائر في مكافحة الإرهاب في ليبيا؟ تقوية الروابط مع العراق، لبنان وعرْض حلّ لأزمة سوريا. إثرَ كل واحد من هذه المشاهِد، فاز السيسي بآذان صاغية وبتبجيل نسبيّ.
على الصعيد العالميّ يحظى السيسي بإنجازات هي متواضعة أكثر ولكنها ذات معنى أكثر اعتبارا على المدى البعيد
نجح السيسي بالحملة في غزّة في أن يُطيحَ بقطر وتركيا وذلك تناقضا مع رغبة الولايات المتحدة. وأخيرًا، يُعتبَر طرْد قادة الإخوان المسلمين من قطر والإشارة إلى شبكة الجزيرة بموازنة تغطيتها للأحداث على مصر، انتصارات للسيسي.
وعلى الصعيد العالميّ يحظى السيسي بإنجازات هي متواضعة أكثر ولكنها ذات معنى أكثر اعتبارا على المدى البعيد. على سبيل المثال، التقرّب الملموس لروسيا وإرسال إشارات للولايات المتّحدة غيّرت موقفها السلبي في هذه الأيام نحو مصر على ضوء إنشاء الائتلاف لمُكافحة داعش (الدولة الإسلامية).
وبالعودة إلى الميدان الداخلي المصري، يبقى هو التحدّي الحقيقيّ الذي يجب أن يخوضه السيسي، وهنا يُحدّد مدى نجاحه أو فشله. وأقول إنّ هذا التحدّي صعب للغاية، ليس فقط للسيسي إنّما لكل مَن سبقه في هذا المنصب.
مصر هي دولة كبيرة ذات احتياجات هائلة وعدد سكاني يتضاعَف كلّ جيل، لذلك من الصعب التخطيط للأمور للمدى البعيد. مع كلّ هذا، أخذ السيسي على عاتقه بعض التحدّيات. أولّها مُكافحة الإرهاب. والإرهاب بالنسبة للسيسي في مصر، هو ليس فقط “أنصار بيت المقدس” إنّما الإخوان المسلمون أيضا، الذين يقومون بتخريب شبكات الكهرباء يوميّا، ويُلحقون الأضرار بمفاعِل المياه والصرف الصحي من أجل تهييج الشعب ضد السيسي. يُواجه السيسي هاتين الجبهتين على التحديد، وعلى ما يبدو أنّه سيستمرّ بذلك على طول المستقبل الواضح أمامنا.
ثانيها، تحسين الاقتصاد المصريّ. فمنذ عام 2011 هبطت الإحتياطات للعملة الصعبة (العملات الأجنبية) إلى النصف وهذا يُشكّل عبئا ثقيلا على الاقتصاد وبالتالي جذب المُستثمرين. يُشكّل النقص بالمقدرة على تمويل السلع الأساسيّة عقبةَ إضافيّة. ويزيد النقص بالغاز الطبيعيّ والسياحة غير المُتعافية بسبب الوضع الأمنيّ، الحِملَ على مصر والصعوبة في استرداد عافيتها.
ومن أجل تجنُّب هذه الصعوبات، أنشأ السيسي مؤسسة لبناء مصر باسمها العربي “صندوق تحيا مصر”، بمئة مليار ليرة مصرية. تحاشد أصحاب المال وقادة المجتمع، كالجمعيات والمنظمات نحو الحملة إذ قدّموا لها العديد من الملايين. حيث أنّ هذه الأموال شخصية وغير مشترطة بأيّ عامل أو مسبّب خارجي، وهذه هي إيجابيّاتها.
الأمر الثاني الذي قام به السيسي كان حفر قناة السويس من أجل توسيع مسارات سفن النقل فيها وبالتالي درّ مدخولات أكبر لصندوق مال الدولة. الظاهرة المثيرة للاهتمام هي أنّ العديد من المواطنين قد مَنحوا من حرّ مالهم سنداتٍ صُرفت من أجل حفر القناة، وذلك ليس فقط لأسباب ماليّة (عائدات مالية جيدة) إنّما أيضا كتعبير عن الوطنيّة ودعم جهود السيسي. حتى الآن، تمّ الحصول على سندات تُساوي أربعة مليار ليرة مصريّة. للسيسي كلّ الأسباب كي يكون راضيا إثر هذه المُبادرات.
كانت الأيام المئة الأولى للسيسي في الحكم، تحميةً لمواجهة الأيام القادمة وقياس نبض الجمهور وقدرته على تحمّل العبء. لكن في الحقيقة، الاختبار للسيسي سيكون في الجبهة الداخليّة وليس الإقليميّة والعالميّة، ويبدو أنّ الجمهور قد منحه فرصة طويلة المدى من أجل تطوير خططه وتغيير مصر
مع ذلك، لا تزال هناك تحديات غير بسيطة في وجه السيسي. كقانون التظاهُر الذي سُنّ ضد الإخوان المسلمين والذي انتُقِدّ من الداخل ومن الولايات المتحدة. سيضطر السيسي أن يُغيّره أو أن يُخفّفه. هناك أيضا انتخابات مجلس النواب البرلمانيّة التي لم يُحدّد تاريخها بعد. لن يستطيع السيسي المماطلة طويلا في هذه القضية. سيضطر إلى دحض الشائعات التي تدور حول رغبته بتغيير الدستور الذي مرّ حتى الآن باستفتاءات من أجل منحه صلاحيات إضافيّة. معالجة الفقر وغيرها.
على ما يبدو، كانت الأيام المئة الأولى للسيسي في الحكم تحميةً لمواجهة الأيام القادمة وقياس نبض الجمهور وقدرته على تحمّل العبء. لكن في الحقيقة، الاختبار للسيسي سيكون في الجبهة الداخليّة وليس الإقليميّة والعالميّة، ويبدو أنّ الجمهور قد منحه فرصة طويلة المدى من أجل تطوير خططه وتغيير مصر. لأنّه قد تعبَ بسبب ثلاثين عاما من استبداد مبارك. لكن إذا لم يكن هناك تحديد في الوقت وإذا رأى الشعب أنّ السيسيّ يعود للحكم الاستبداديّ الذي كان على عهد مُبارك أو أنّ الوضع في مصر يتراجع ولا يتحسّن، فلن يتردّد الشعب بالعودة إلى ميدان التحرير.