عندما اخترع مارك زوكربيرغ الفيس بوك، كان هدفه على ما يبدو وجود مكان للمحافظة على العلاقات مع المعارف، إنشاء صداقات جديدة، وإيجاد مساحة لمحادثات مفتوحة ومقربة بين النّاس. ولكن في نظرة سريعة على الصفحات المختلفة في الشبكات الاجتماعية نرى أن ما حدث هو العكس تماما من الرؤيا المثالية للشبكات الاجتماعية. لقد تحول الفيس بوك منذ فترة إلى زاوية لإظهار الكراهية، التحريض والعنف القاسي الذين لم تُعطى لهم منصة في السابق، بينما يظهر الاشمئزاز وتتم مشاركته وكذلك العنصرية.
الشّتائم وألقاب العار، وحتى إظهار الكراهية على أنواعها، هي ليست أشياء جديدة على الشبكة الاجتماعية. ولكن، لو كان مكان هذه الردود في الأماكن المجهولة ذات مرة، تجاوبا مع مقالات معينة، فاليوم الكراهية مكشوفة تماما، مع هوية واضحة، وفي العديد من زوايا النزاع. في الأسابيع الماضية، مع زيادة التوترات في القدس، وخاصّة بعد العملية التي قُتل فيها 4 يهود في وقت الصّلاة، يبدو أن الكراهية والعنف اللفظي بين الطّرفين، يصلان إلى أرقام قياسيّة جديدة.
سرعان ما انتشرت السعادة في الصفحات الفلسطينية لمقتل اليهود- الذين لم يكونوا جنودا، ولا مستوطنين، ولم يتجولوا في شرق المدينة، بل في القسم الغربي من القدس، وماتوا وهم يؤدون الصلاة لنفس الرب الذي يصلّي له المسلمون.
لقد قاموا بتوزيع الحلوة والبقلاوة في أنحاء السلطة معبرين عن فرحتهم بالحدث، وانتشرت صور الاحتفال في الشبكة وحظيت بالتبريكات، حيث أن قسما منها كان يدعو لقتل المزيد من اليهود. لقد انتشرت تعبيرات الفرح بسبب ما ولّدته العملية على الصفحات المختلفة، حتى أن بعض الوكالات الرسمية المعروفة شاركت صورا لتحريضات قاسية وكاريكاتيرات تبارك قتل اليهود. رئيس السلطة، محمود عباس، الذي “تجرأ” أن يدين العملية عَلَنًا، حظي بتعليقات ازدراء، شتائم، تهديدات وإدانات بالخيانة. مثلا، كان أحد التعليقات لصورة اليهود المقتولين والمحاطين بدمائهم: “الله لا يرحمهم إلى جهنم وبئس المصير وعقبال عند عباس أبو مازن ما يلحقهم”.
في المقابل، بدأ ينتشر في نفس الساعات في الشبكة فيلم خيالي، على ما يبدو مموّل عن طريق حماس وعنوانه “أهرب أيها الصهيوني”. الأغنية، بكلمات عبرية ولفظ عربي ثقيل، تتوجه إلى الصهاينة وتهدد- من الأجدر لكم أن تهربوا، لأنكم قريبا ستموتون دهسا، طعنا، وفي كل طريقة أخرى. يشجع الفيلم المستثمرة به جهودًا على استمرار الانتفاضة وقتل اليهود.
https://www.youtube.com/watch?v=B3fmFiKXEfw&feature=youtu.be
للأسف الشديد، في الجانب الإسرائيلي أيضا الوضع لم يكن أقل خطورة. في إحدى الصفحات المشهورة في إسرائيل تفاجأ أحدهم من اكتشاف الفرحة في السلطات الفلسطينية وكتب “نحن لسنا كاملين ولسنا قريبين من ذلك أيضا، لكن على الأقل نحن لسنا شعبا يوزع الحلوى ويحتفل عند مقتل مواطنين أيا كانوا. صحيح أنه حاز على نحو 7000 لايك، ولكن من المؤسف الكشف أنه قد أخطأ.
في أعقاب العملية بدأت تظهر مئات التعليقات المتطرفة والقاسية التي تخص يهود طالبوا بالانتقام. اقترح أحد الإسرائيليين على الحكومة كيف يجب أن ترد وكتب: (1جزاء الموت للإرهابيين. (2سحب جنسية العرب الإسرائيليين الذين ينفذون العمليات.3) هدم منازل الإرهابيين ومنازل أقربائهم منذ يوم تنفيذ العملية. (4سلب حقوق الإرهابيين الموجودين في السجون – حرمانهم من مشاهدة التلفاز، الشراء في حانوت السجن، إمكانية إجراء مكالمات هاتفية. (5سلب حقوق العمال العرب الذين يعملون في إسرائيل.
تحولت هتافات “الموت للعرب” و “الموت للإرهابيين” إلى هتافات مشهورة جدا. طالب عدد من الناس أن تتم زيادة شدة العقوبة ضد المخربين وعائلاتهم. نشر أحدهم صورة أحد الإرهابيين والذي قام بعملية الدّهس في الأسبوع الماضي والآن يرقد في مشفى إسرائيلي وكتب “كفى لشفقتنا! كفى لإنسانيتنا! كفى خوفا مما سيقوله العالم! عقاب الموت للمخربين الآن”!! لا نريد أن نرى هذه الصور مرة أخرى، لا نريد أن يعود هذا الشخص المنحط لشوارعنا بعد 20 سنة ويقتل مرة أخرى إسرائيليين بريئين. إرهابي ميت لا يقتل. إرهابي حي= قاتل”
نشر أحدهم في صفحة فيس بوك أخرى صورة لطفل فلسطيني عمره 11 عاما والذي أصيب إصابة خطيرة في وجهه من رصاصة جندي مطاطية خلال مظاهرة. التعليقات المثيرة للصدمة لم تتأخر. بارك العديد من اليهود الإصابة، وعلقوا تعليقات قاسية مثل “هذه نهاية كل محمد”،”في المرة القادمة رصاصة حقيقية”،”عمل جميل ،فليكثروا”، وشتائم أقسى من هذه ومن ضمنها تمنيات بالموت، حيث اخترنا ألا نعرضها على قرّائنا.
بحث إضافي في الشبكة يبيّن اتجاه جديد ومقلق، والذي بدأ في أوساط يهود متطرفين وكذلك فلسطينيين بالأخص حاملي الجنسيات الإسرائيلية. أصبح من المقبول كما يبدو إضافة “تمنيات” موت للأعداء على بروفيل الفيس بوك. مثلا، اليهود يضيفون قوسين مع الكتابات (الموت للعرب) واللذين يظهران بعد اسمهم، والفلسطينيون يضيفون بشكل مشابه (الموت لليهود)، باللغة العبرية بهدف التوجه إلى جمهور الهدف.
ليس مفهوما أي من الاتجاهات بدأ أولا، ولكن من الواضح بأنهم يُكتبون في نفس الوقت ويلخصون بشكل مفصل العدوى التي تحيط بالشبكات الاجتماعية. كإسرائيلية بحثت عن مواد في عدة أماكن، ويمكن أن نقول إن التحريض والكراهية يظهران بالعربية أيضا في صفحات علنية ومؤسساتية، تابعة لتيارات، بحيث إن الكتابات اليهودية ضد العرب تابعة لقلة متطرفة والتي يتم انتقادها من التيار المركزي. لكن ذلك لا يحول أيًّا كان لشيء أفضل. حقيقة وجود هذه الأشياء يثير القلق بكل بساطة.
من الواضح جدا أن الكراهية والعنف وصلا لأرقام قياسية جديدة، وكما يبدو الآن، فهذا لن يتوقف أو يهدأ، بل سيتزايد. عندما يكون الشعور بأن الانتفاضة الثالثة على الأبواب، فإن الشبكات الاجتماعية تشكل أرض خصبة ومشتعلة لإشعال هذه الانتفاضة.