أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها الفيس بوك، منذ زمن إحدى وسائل الإعلام الرائدة والأقوى في العالم الذي نعيش فيه. أثبت حدث عصف بإسرائيل في نهاية الأسبوع الأخير إلى أي مدى يُمكن أن تصل قوة “المحاكمة الجماعة” التي تجري على شاشات الحاسوب.
تبدأ القصة من منشور رفعته إسرائيلية من أصول إثيوبية، تحدثت فيه كيف تعرّضت للتمييز العنصري في أحد فروع وزارة الداخلية في تل أبيب، بعد أن حظي أشخاص ذوو بشرة بيضاء على خدمة سريعة مخصّصة للوالدين اللذين يصطحبون أطفالهما، في حين أنّه قد تمّ توجيهها إلى نهاية الطابور الطويل واضطرّت إلى الانتظار لساعات رغم أنّه كان برفقتها ثلاثة أطفال صغار. بحسب كلامها، عندما توجّهت إلى مدير الفرع، الذي عرّفته باسمه الكامل، رفض مزاعمها وقال “إذا كنت تشتكين من العنصرية فاغربي عن وجهي”.
حظي المنشور بآلاف المشاركات التي احتجّت على التعامل المهين والعنصرية المتفشّية في مؤسّسات الدولة، وكما يبدو فقد توجّه كثيرون إلى مدير ذلك الفرع في حسابه الخاص على الفيس بوك، هاجموه لفظيّا بل وشتموه. بعد عدة أيام من نشر المنشور الأول، نشر مدير ذلك الفرع، عضو الشاباك سابقا الذي عمل عن كثب مع جيش لبنان الجنوبي، والذي عمل بعد تقاعده كمسؤول كبير في وزارة الداخلية، منشورا طويلا تحدّث فيه عن الصعوبة الكبيرة التي مرّ بها في الأيام الأخيرة في أعقاب ذلك المنشور والاتهامات بالعنصرية، وحكى روايته في القصة. في نهاية المنشور كتب بأنّه لم ينجح في التغلب على هذا الاتهام الفظيع، وأنهى قائلا “أتمنى لكم العيش بسلام”.
اتّضح في وقت لاحق بأنّه أطلق النار على رأسه وانتحر بعد دقائق معدودة من نشره لهذا المنشور. ومع سماع الأنباء سارع أصدقاؤه إلى اتهام “الخفّة التي لا تُطاق” والتي يسمح الفيس بوك من خلالها بتدمير حياة شخص، الحكم عليه دون محاكمة وفي حالات متطرّفة كهذه التسبّب حتى بموته.
أصبحت ظاهرة “شيمينج”، (Shaming) في الإنجليزية ومعناها: جلب العار، شائعة جدا بالنسبة للكثيرين ممّن يعانون من فقدان العدالة، التمييز، العنصرية أو الازدراء. من خلال نشر اسم شخص ما أو مصلحة ما في الفيس بوك، ومشاركة الخبر من قبل مشاركين آخرين، هناك محاولة لمكافحة الظواهر غير المقبولة. ومع ذلك، يمكن لأي شخص أن ينشر تفاصيل حول أي شخص، ولكن ليست هناك من خلال النت أدوات لفحص الحقائق. عندما يتحوّل منشور ما إلى منتشر كالنار في الهشيم، ويحظى بمئات أو آلاف المشاركات، يفقد الناشر الأول السيطرة على درجة تعميمه.
في الحادثة الحالية، صُدم كثيرون من قصة تلك المرأة الإثيوبية، ولكن لم يكلّف أحد نفسه عناء التحقّق من الوقائع، ممّا تسبّب بفضح ذلك الشخص، الذي عمل كثيرا في حياته ضدّ العنصرية، وفي نهاية المطاف دفعه سير الأحداث في هذه القضية إلى الانتحار.
ومع ذلك، ما حدث منذ انتحاره يثبت مجدّدا الخطر الكامن في مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تمّ نقل الحادثة في الإعلام بشكل واسع وكأن ذلك المنشور في الفيس بوك هو سبب انتحاره، الذي تولّد، على الأرجح، من مزيج من الظروف. رغم أن نفس الشخص قد انتحر، بالإضافة إلى أسرته، قد كتب المعلقون بأنّهم لا يتّهمون كاتبة المنشور بشكل شخصيّ، وقد حظيت بهجمات كبيرة في النت، ولذلك نشرت رسالة اعتذار وندم، ولكن في هذه الأيام هي تمرّ بـ “محاكمة ميدانية” أو “شيمينج ضدّي”؛ نفس الظاهرة غير المقبولة التي تُنتقد لأجلها توجّه الآن ضدّها.
الاستنتاج الرئيسي من كل هذه القضية هو أنّه قبل أن ننشر منشورا، ينبغي استيضاح الحقائق التي تظهر فيه بدقة، وإن كانت هناك حاجة لنشر اسم شخص معيّن، يجب فحص هل قد يتسبّب ذلك بضرر كبير له. تذكّروا: يمكن للوحة مفاتيحكم أن تكون سلاحا فتاكا.