وصلت القصة المؤلمة لإستر فاينشطاين، في الخمسين من عمرها، حريدية سابقا وتركت دينها، بناتها السبع وأسرتها، قبل عدة أيام (الأحد) إلى نهايتها. كثيرا ما كانت تشعر أنها غير قادرة أكثر على احتواء الواقع الذي تعيش فيه، وغادرت – للمرة الأولى عندما فرّت من زوجها وأسرتها، وفي المرة الثانية – عندما انتحرت. بالنسبة لها كانت هذه هي النهاية، ولكن بالنسبة للكثير من الآخرين، فقد فتح انتحارها الذي لن يُغلق بسهولة.
وُجدت داخل سيارتها، على شاطئ البحر، بلا رمق حياة، بعد ستّة أيام من اختفائها. قررت قبل ثماني سنوات ترك نمط حياتها الديني، وفي المقابل قطعت أسرتها، بما في ذلك بناتها وأحفادها، العلاقة معها. في الأيام الأخيرة، بعد أن اختفت آثارها، نشرت بناتها للمرة الأولى بأنّهنّ يرغبن في تجديد العلاقة معها، ولكن ذلك كان متأخرا جدا.
نمط الحياة في المكان الذي هربت منه فاينشطاين بعيد جدا عن عالم معظم الإسرائيليين. مجموعة حسيدوت غور التي جاءت منها فاينشطاين هي إحدى المجموعات الأكثر تطرفا من الناحية الدينية داخل المجتمع اليهودي الحريدي. تُعرف غور برموز سلوكها الخاصة، التي تشدد أكثر مما تطلبه الشريعة اليهودية، وخصوصا في مجال الزوجية والحياة الجنسية. الادعاء المركزي الكامن في أساس قمع الحياة الجنسية في حسيدوت غور هو أنّ حبّ الله وحبّ المرأة لا يمكن أن يسيرا جنبا إلى جنب، وأن هناك منافسة مستمرة بين الحياة الروحانية والجنسية، ولذلك يجب القضاء على الحياة الجنسية.
من بين قوانين حسيدوت غور، والتي تنتقل من الفم للأذن ولا تُكتب أبدا، كُشف بعض التالي: يحظر على الزوج التوجّه إلى زوجته باسمها، أو مسّها عبثا، وعليه الامتناع عن تناول غرض من يدها. يتم إملاء وتيرة ممارسة العلاقة الجنسية من قبل الحاخامات وليس وفقا لرغبة الزوجين. لا ينام الزوج مع زوجته في نفس السرير، وفي السنة الأولى للزواج أيضًا لا يغتسل في البيت وإنما خارجه. بالإضافة إلى ذلك، لا تتم رؤية الزوج والزوجة معا في الشارع.
كتبت فاينشطاين يوميات كشفت فيها عم يحدث داخل المجتمع المغلق الذي جاءت منه، وسلّط الضوء على انتحارها وما سبقه. نُشرت مقتطفات تقشعرّ لها الأبدان مؤخرا، وفي أحدها كشفت عن عجز المرأة أمام زوجها والحاخامات: “لا يمارس أتباع حسيدوت غور الجنس في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. يحدّد الحاخام عدد المرات التي تُمارس فيها العلاقات الجنسية والتواريخ… لا يكفي أنه طوال فترة الدورة يجب التقليل قدر الإمكان من الحديث مع الزوج، يحظر النظر إليه مباشرة بنظرات قد تثير لديه لا سمح الله الشهوة بـ “أشياء محظورة”، وبالتأكيد ألا تظهري جميلة وجذابة في محيطه”.
تزوجت فاينشطاين من زوجها بعد أن التقيا لمرة واحدة فقط. بعد الزواج ناداها زوجها “تعالي للحظة”، أو “أخبريني”، ولم يدعوها باسمها الشخصي أبدا. جرؤت فاينشطاين، التي كانت شابة صغيرة ومتعطّشة للحميمية والحبّ لمرة واحدة على أن تطلب من زوجها أن يقيما علاقة جنسية أكثر من الوتيرة المسموحة في حسيدوت غور – مرتين في الشهر. لم يعرف زوجها ماذا يجيب، واتصل بحاخامه ليتشاور معه في الموضوع. عندما عاد كانت إجابته: “لن نمارس أكثر مم حدّده الحاخام من غور، وذلك مرتين في الشهر وقد فعلنا ذلك مرتين في الشهر! ولذلك قال الحاخام، إنّنا لن نقوم بذلك مجددا هذا الشهر، وأضاف وأمر، بأنّك إذا قبلتِ كلامي، فهذا عظيم! وإن لم تقبلي – سأذهب لأنام في غرفة الجلوس، وإذا كان ذلك أيضًا لا يساعد وواصلتِ إصرارك، فقد أفتى الحاخام بأن أذهب للنوم في الكنيس! تصبحين على خير!”. في تلك الليلة لم تنم فاينشطاين، لأنها بكت طوال الليل.
يتحدث أحد المقتطفات في يومياتها عن الحالة الشعورية الناجمة عن نمط الحياة الشديد في هذا المجتمَع الحريدي المغلق: “الخوف.. الخوف يسيطر على أفكار من يعيش حياة مغلقة داخل مجتمع يحظر فيه على الفرد أن يختار، أن يقرّر بل وحتى أن يفهم الأمور بطريقة خاصة به، لأنّه في اللحظة التي تبدأ فيها بالتساؤل، فإنّك تشعر بالذعر بشدّة، وتضع فورا هذه الأسئلة داخل صندوق أسود وتدفعها إلى الداخل، وتخفيها وراء قناع الابتسامة”.