تقع اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية دولة. يعيش فيها نحو 24 مليون نسمة، نصفهم تحت خطّ الفقر. يعاني نحو 60% من أطفالها من سوء التغذية، وتحتاج نحو 70% من الأسر إلى المساعدات من الحكومة ومؤسسات الإغاثة الدولية. إنها الدولة الأفقر في الشرق الأوسط، وتقع تحت رادار الدول الغربية واهتمام وسائل الإعلام.
تقع اليمن في أسفل قائمة الدول التي بدأت بالتفكّك بعد الربيع العربيّ، بعد ليبيا وسوريا. ورغم أنها تقع على محور استراتيجي عند مدخل البحر الأحمر، ولديها مخزون نفط يقدّر بنحو ثلاثة مليارات برميل، إلا أنّها تعتمد بشكل كبير على مساعدات السعودية التي وصلت منذ العام 2012 إلى أربعة مليارات دولار. والآن تدرس السعودية تقليص المساعدات – والتي ذهب معظمها لدفع الدعم على الوقود للمواطنين – ومن شأن القبضة على عنق اليمن أن تُثبّت بإحكام.
في الدولة التي فيها الحكومة المركزية هي مجرّد مصطلح نظري فقط، تدور منذ شهر تموز الماضي حرب دامية بين الأقلية الشيعية، التي تشكّل 45% من السكان، وبين الغالبية السُنّية. ولكنها ليست حربا دينية، وإنما حرب سياسية. إنه صراع على الحقوق، الفرص، المشاركة في الحكم والميزانيات.
شيعة اليمن ليسوا شيعة إيران وليسوا أيضًا علويّي سوريا. ينتمي معظمهم للمذهب الزيدي، والذي هو مجموعة بعيدة من الشيعة، والتي تُعتبر بنظر الشيعة الإيرانية تيارا منحرفا. ولكنها أيضًا ليست حربا بين المذهب الزيدي – ونرجو عدم الخلط بينها وبين الطائفة الزيدية في العراق والتي تعرّض أبناؤها للاضطهاد والذبح من قبل تنظيم الدولة الإسلامية – وبين التيار السني المركزي في اليمن أو التيار الوهابي المتطرف. يُوالي معظم الزيديين زعماء قبيلة الحوثي التي تتركّز في محافظة صعدة في شمال اليمن على الحدود السعودية.
ورغم أنّه قد ظهرت داخل “العائلة” الحوثية خلافات عنيفة، ولكن يبدو أنّ من يُسيطر عليها الآن بيد من حديد زعيمهم، عبد الملك الحوثي، 35 عاما، والذي قاد المعركة الأخيرة ضدّ الحكومة اليمنية. يشارك الحوثيون في هذه المعركة، والذين يسمّون حركتهم “أنصار الله”، تنظيم القاعدة السني وحزب المؤتمر الشعبي، وهو الحزب الحاكم في البلاد والذي هو نفسه منغمس في خصومة شخصية مريرة بين الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وبين الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي.
وتشارك السعودية في هذا الصراع الداخلي، وتقف في صالح النظام، وضدّها إيران، والتي تدعم وتساعد كما يبدو قوات الحوثيين. وتحلّق طائرات أمريكية دون طيّار فوقهم في السماء، والتي تواصل مهاجمة قواعد تنظيم القاعدة في اليمن. ظاهريا، يعكس اليمن جيّدا نموذج الدول المكسورة التي أوجدتها الثورات في الشرق الأوسط. ولكن في الواقع فقد كانت اليمن مفكّكة حتى ما قبل الثورة. لقد اتّكأت على ائتلاف هشّ للقبائل، وعلى اتفاقات تم شراؤها بالكثير من المال، وعلى خصومات تاريخية بين الجنوب والشمال.
إن اليمن، التي أشعلت تحديدا بصيصا من الأمل بعد ثورة الربيع العربيّ التي أسفرت عن تغيير في الحكومة، تطوّرت لتصبح في السنة الأخيرة ساحة لمعركة متشعّبة بعد تمرّد الحوثيين المسلّح والذين نجحوا بسرعة في السيطرة في شهر أيلول على العاصمة صنعاء وعلى العديد من المحافظات في البلاد. لم تنجح محاولة المصالحة وإدارة حوار وطني مع الحوثيين.
أقام الحوثيون خلال فترة قصيرة حكومة موازية للحكومة اليمنية الرسمية – لقد وضعوا الحواجز في العاصمة، لديهم مؤسسات قضائية خاصة بهم وشرطة مستقلّة، ولكن في نفس الوقت لديهم نحو ستّة وزراء يديرون مكاتب الحكومة الرسمية. إنّهم يسيطرون على أنظمة الدفاع الجوي – هناك ضباك كبار في الجيش اليمني يقبعون تحت الإقامة الجبرية، وهناك قواعد مهمّة للجيش انتقلت لأيديهم، وقد اختطفوا أمس أيضًا رئيس الاستخبارات الداخلية في جهاز الأمن السياسي، يحيى المراني، والذي كان سابقا قائد الاستخبارات في محافظة صعدة، معقل الحوثيين.
اضطرّت حكومة اليمن، التي أدّت اليمين الدستورية في بداية شهر تشرين الثاني والتي تتألف من 36 وزيرا، إلى العمل وفق توجيهات الحوثيين، والذين يطلبون إعادة النظر في ميزانية البلاد، بعد أن أجبروا رئيس الحكومة على إلغاء أمر خفض الدعم على الوقود والذي دخل إلى حيّز التنفيذ في شهر تموز الماضي.
ما بدأ عام 2004 كتمرّد ضدّ التمييز العميق الذي عانى منه الحوثيون في المحافظات الشمالية للبلاد، أصبح الآن حركة شعبية واسعة قادرة على إملاء الطلبات على الحكومة وهناك شكّ إذا ما كانت الموارد الواقعة تحت تصرّفها قادرة على تحمّلها. في المقابل، فإنّ الحوثيين هم أشدّ خصوم عناصر القاعدة في اليمن، وهم يعملون مع السلطات اليمنية من أجل الحدّ من نفوذ التنظيم. ورغم أنهم بذلك يعتبرون في نظر الولايات المتحدة عاملا إيجابيا، إلا أنّه في المقابل يُشتبه بهم باعتبارهم ممثّلي إيران في اليمن، بسبب التقارب الديني. ومن هنا ينبع القلق العميق لدى السعودية ودول الخليج التي تخشى من تمرّد شيعي في بلادها، مثل ذلك الذي حدث في البحرين عام 2011.
تزايدت المخاوف من التأثير الإيراني بعد أن سيطر الحوثيون دون مقاومة على المدينة الساحلية الحُديدة، والتي تقع على مسافة نحو 200 كيلومتر جنوب غرب صنعاء، وتستورد اليمن من خلالها نحو 70% من حاجيّاتها. إن السيطرة على هذه المدينة الساحلية المهمّة توفّر للحوثيين منفذا للبحر، والذي يمكنهم من خلاله تلقّي الدعم العسكري من إيران.
ويظهر في الوقت الراهن أنهم لا ينوون توسيع سيطرتهم أيضًا على مضيق باب المندب، بشكل أساسيّ لأنّ هناك أغلبية سُنّية تعيش في المنطقة الجنوبية لليمن، وتنشط فيه حركات وهابية جنبا إلى جنب مع تنظيم القاعدة. وعلاوة على ذلك، تُبحر في منطقة باب المندب مدمّرات أمريكية، كندية، بريطانية وفرنسية، والتي يمكنها التدخّل بالقوة العسكرية من أجل منع الاستيلاء على المضيق.
ويظهر حتى الآن أنّ الحوثيين يحاولون تجنّب إظهار صراعهم كصراع طائفي أو ديني، ويحاولون صياغة مطالبهم كبيان اجتماعي – اقتصادي، والذي يسعون بحسبه إلى الدفاع عن الفقراء والمضطهدين وتوزيع موارد البلاد بعدل ودون تمييز. وهم ينفون بشدّة أيضًا كونهم يتلقون الدعم من قبل إيران. فهم يسعون إلى إلغاء طريقة تقسيم البلاد لمحافظات فدرالية، وهو التقسيم الذي تم إقراره في شهر شباط من هذا العام، لأنّه حسب رأيهم فإنّ هذا التقسيم يستبعدهم من المحافظات الغنية بالنفط ويسلب منهم حقوقهم الطبيعية. وأوضح الحوثيون أيضًا أنّهم لا يعارضون قرار الأمم المتحدة الذي يدعوهم إلى الانسحاب من صنعاء، وإزالة الحواجز التي أقاموها وإعادة السلاح الذي سيطروا عليه. وقد تعهّد قادتهم أنّهم ينوون تلبية هذه المطالب، ولكن دون تحديد موعد.
وتمتنع في هذه المرحلة القوى العظمى الغربية عن التدخّل في ما يحدث باليمن. تنتظر الولايات المتحدة، التي منحت اليمن نحو 900 مليون دولار منذ عام 2011، أن ترى كيف ستتطوّر الحكومة اليمنية التي سيشارك بها الحوثيون كجهة رئيسية. وتكمن المخاوف الأمريكية في فقدان التعاون مع الحكومة اليمنية الجديدة في حربها ضدّ القاعدة، على ضوء استيلاء الحوثيين على نقاط القوة العسكرية. في المقابل، يبدو أنه وبسبب قوة الحوثيين وخصومتهم مع القاعدة والحركات الإسلامية المتطرّفة بالذات، فقد يبرهنون بأنّهم حلفاء جيّدون.
وكما في العراق، أفغانستان وسوريا، قد تجد الولايات المتحدة نفسها تتعاون مع ميليشيات وقبائل محلية وليس مع الحكومة من أجل تطبيق سياسة الحرب على الإرهاب. ولكن، كما في دول أخرى، فإنّ الخصومات الداخلية، وخصوصا الفقر المدقع، قد تكون حجر العثرة الرئيسي أمام الكفاح المشترك ضدّ التنظيمات الإرهابية.
ومن المشكوك فيه إذا كان ثمّة قوى عظمى أو ائتلاف من الدول سيأخذ على عاتقه دور الراعي الاقتصادي لليمن. يُشكل العراق وسوريا أكثر إثارة للاهتمام وأكثر تهديدا. ستضطرّ اليمن للانتظار في الطابور.
نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس.