يعيش الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموّا اقتصاديا فاترا منذ أربع سنوات متتالية، بينما يحاولا التعامل مع عدد سكان آخذ في الازدياد وتقليل معدلات البطالة إلى حدّ كبير. تعاني هذه المنطقة الغنية بالنفط والمعادن، والتي يعيش فيها مئات الملايين من البشر، من ضعف الهياكل المؤسسية، التفكك الاجتماعي والفوضى العارمة في سوريا، العراق، ليبيا واليمن.
نشر معهد الاقتصاد الدولي مؤخرا تقريرا كتب فيه أنّ الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في الربيع العربيّ هزّت منطقة الشرق الأوسط وأدّت إلى عواقب غير متوقعة. اضطّرّت شركات كاملة إلى التعامل الآن مع مستقبل غير مضمون، دون دعم أو توجيه. ارتفعت التوترات وأدت تدريجيّا إلى صراعات عرقية وطائفية. دُمّرت أجزاء كبيرة من المنطقة ومزّقت النسيج الحساس للشركات المختلفة. وقد منعت مخاطر جيوسياسية الاقتصاد الإقليمي من التقدّم واستمر الشرق الأوسط في تخلّفه عن مناطق أخرى بدأت بالنموّ والازدهار.
“كان الأداء الاقتصادي للشرق الأوسط في السنة الماضية مخيّبا للآمال”، كما يقول المحلّل الاقتصادي موآن صديقي من المجلة الدولية “الشرق الأوسط”. زادت معدّلات الناتج المحلّي الإجمالي، ولكن ظهر الأمر بشكل أساسيّ في دول الخليج العربي التي لديها دخل مرتفع. وفقا لمعطيات البنك الدولي، فقد تمتّعت الدول النامية في الشرق الأوسط بمعدّلات نموّ منخفضة للناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 0.7%.
ويوضح صديقي بأنّ الجمود نابع من عاملين رئيسيين:
1. الأزمة المتواصلة في المنطقة: الصراعات الدموية، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية المستمرّة منذ أربع سنوات وأثرها على دور الجوار كالأردن ولبنان، تمدّد الدولة الإسلامية (داعش)، والتي تسيطر الآن على مساحات واسعة من سوريا والعراق، ويمكن أن نضمّ لهذا الوضع المتفجّر والمضطرب في ليبيا واليمن.
2. إنّ الانتقال الهشّ للحكومة في مصر وتونس، فضلا عن عملية اللبرَلة في المغرب وتونس، والتي يرافقها ضعف البنية التحتية للاقتصاد الكلي وإصلاحات لم تكتمل، كل ذلك يحدّ من نموّ الناتج الوطني في تلك البلدان.
ثلاثة مسارات
نمتْ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة بشكل متزايد في ثلاثة مسارات منفصلة: دول الخليج، والتي معظمها مستقرّ، وتعمل بشكل مدروس وتمتلك أصولا مالية خارجية هائلة (والتي تقدّر بأكثر من 2 تريليون دولار)، مصدّرات النفط التي ليست في الخليج، والتي تعاني من انخفاض في الإنتاج والإيرادات من الصادرات بسبب الأعمال التخريبية في حقول النفط (العراق وليبيا) أو بسبب العقوبات الدولية (إيران). الجزائر فقط هي من يحافظ على مسار نموّ مطّرد، أما الدول الخالية من الموارد النفطية، والتي تتأثر بالفوضى الإقليمية وتعاني من مشاكل متنوعة، بدءًا من تدهور الاقتصاد السوري، مرورا بالنموّ الهزيل في مصر ولبنان ووصولا إلى الانخفاض الطفيف في معدّلات البطالة في الأردن وتونس. وضع المغرب هو أفضل بقليل.
ظلّت دول الخليج العربي ودول المغرب (باستثناء ليبيا) مستقرّة وخفّفت من تأثير الربيع العربيّ. وتعكس زيادة الرواتب في القطاع العام والتسهيلات الائتمانية الواسعة في القطاع الخاصّ أنظمة بنكية ربحية ودعما للاستثمار في تلك البلدان. ومن المتوقع أن تحفّز مشاريع البنية التحتية العامّة العملاقة، خصوصا في قطر، السعودية والإمارات، تطوير السياحة، حركة المرور، البناء والتجارة في أسواق الجملة. أيضا فقد تزايدت ثقة المستثمِرين بسرعة، وتعتبر هذه البلدان أهدافا آمنة نسبيًّا بالنسبة لاستثمارات رأس المال خلال فترة التقلّبات في الاقتصاد العالمي.
أما في الدول غير المصدّرة للنفط، فقد ساعد النشاط المتزايد لدول الخليج والطلب من أوروبا على إحياء الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة. تدخلُ مصر والمغرب وتونس والأردن وإلى حدّ ما لبنان في فترة انتعاش مستدام بعد فترة غير متوازنة. ولكن ليس من المتوقع أن تؤدي هذه التحسينات التدريجية إلى تقليص معدّلات البطالة العالية. وتشير معطيات التجارة والسياحة في الفترة الأخيرة إلى نشاط متزايد في هذه المجالات في المغرب وتونس. وقد اتّخذت مصر أيضًا، تحت حكم عبد الفتّاح السيسي القوي، خطوات لخفض الدعم ولإحياء الاستثمار الخاصّ، من بين أمور أخرى، من خلال المشروع الكبير لتوسيع قناة السويس. نوّعت المغرب اقتصادها، وخصوصا في مجال الملاحة الجوية والإلكترونيات، ممّا أدى إلى ارتفاع في الاستثمار الأجنبي المباشر من أوروبا.
وقد بُذلت في الدول النامية في المنطقة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الدول المصدّرة للنفط والتي ليست في الخليج العربي، جهود لتحسين بيئة الأعمال، ولتصحيح أوجه القصور في البنية التحتية وتسهيل وصول رجال الأعمال إلى الفضاء المالي في محاولة لخلق فرص عمل والحدّ من معدّلات الفقر. ومن المتوقع أن تنعكس نتائج هذه الجهود في السنوات القادمة.
خسائر لا يمكن حسابها
أدّت الاضطرابات في المنطقة إلى مآسٍ إنسانية وخسائر اقتصادية هائلة. ويقدّر البنك الدولي، بأنّ الصراعات في مصر، العراق، ليبيا، سوريا، تونس واليمن، والتي أثّرت أيضًا على الأردن ولبنان، كلّفت ما يقارب 169 مليار دولار بين عامي 2011-2013. ويعادل هذا المبلغ 20% من مجموع الناتج المحلّي الإجمالي لتلك البلدان. أدّى الصراع السوري المستمرّ إلى نزوح أكثر من نصف سكان سوريا عن منازلهم. وانخفض نحو 75% من السكان تحت خطّ الفقر. بلغت معدّلات البطالة الرسمية 35% عام 2013، ولكن ينبغي أن يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك. وفي المقابل، أوقف تمدّد داعش التجارة بين العراق، الأردن ولبنان. انخفض عدد الشاحنات التي تجتاز الحدود الأردنية العراقية من 500 شاحنة يوميّا إلى 25. وقد عرقلت الأزمة العراقية وصول الصادرات اللبنانية إلى أسواق الخليج.
عدم اليقين بشأن أسعار النفط
انخفضت أسعار النفط بشكل كبير منذ شهر حزيران عام 2014. يمكن للسعودية ودول الخليج أن تنجو من ذلك حتى الآن وأن تحافظ على أسعار منخفضة. فلديها أصول مالية كبيرة. ولكن بالنسبة للجزائر، إيران، العراق واليمن، ومع متطلّبات الميزانية المتزايدة بسبب عدد السكان الكبير فيها مقارنة بدخلها من النفط، هناك مساحة أقلّ للمناورة. ولذلك، فهي حسّاسة للتقلّبات في أسواق النفط العالمية، مقارنة مع مصدّرات النفط في الخليج.
ما هو المتوقّع في عام 2015؟
يقدّم البنك الدولي سيناريو إيجابيّا بخصوص نموّ الاقتصاد في الشرق الأوسط عام 2015، وخصوصا إذا اعتدلت التوتّرات السياسية وحفّزت الاستثمارات في مصر وتونس، والاستئناف الكامل لتصدير النفط في ليبيا وزيادة إنتاج النفط العراقي. ومن المتوقع أن يتراوح الانتعاش الاقتصادي في الشرق الأوسط بين 4.2% حتى 5.2% وفقا للبنك الدولي. ويقدّم صندوق النقد الدولي سيناريو إيجابيّا، ولكنه أكثر اعتدالا، لعام 2015 (نحو 3.8 من الانتعاش)، وخصوصا إذا استمرّت الصراعات ولم يُسجّل تحسّن ملحوظ في التجارة مع أوروبا. وفي كلتا الحالتين، تحتاج المنطقة إلى ما لا يقلّ عن خمس سنوات للانتعاش وستضطرّ إلى توفير أربعة ملايين فرصة عمل جديدة كلّ عام فقط من أجل منع معدّلات البطالة من النموّ.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز