مرَّ أسبوعان صعبان على يائير نتنياهو. كان يعرف مسبقًا أنها ستكون أسابيع صعبة، أسبوعان من الدراسة الحثيثة للامتحان النهائي لدورة القانون الدولي، في إطار مساق القانون الدولي في الجامعة العبرية. لكن ما لم يتوقعه هو أنه سيستيقظ ليرى نفسه أمام عاصفة من الفضائح العالمية. بدأت العاصفة تحديدًا من جهة دولة النرويج الهادئة، حيث نشرت صحيفة نرويجية – مسيحية مقالة تحت عنوان “ساندرا تواعد ابن هدف الإرهاب الأول في العالم”، وأُرفقت المقالة بصور من الفيسبوك تؤكد الادعاءات، حيث تظهر فيها شابة شقراء وباسمة تجلس قريبًا جدًا من نتنياهو الشاب. كان في الصور الكثير من أجل إثارة إسرائيل والعالم بأكمله: كيف يمكن لابن رئيس حكومة إسرائيل، شاب يهودي، أن يواعد شابة مسيحية بل ونرويجية…
“ساندرا”، كما بات الجميع في إسرائيل يعرفونها، هي ساندرا لايكنر، فاتنة نرويجية تبلغ الخامسة والعشرين من العمر وتدرس موضوع الإعلام المرئي في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا. بدأت علاقتها مع نتنياهو الابن، البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، قبل بضعة أشهر.
إلا أن قصة الشاب الصغير، يائير نتنياهو، تصبح مثيرة أكثر ومزعجة حتى عندما نلقي نظرة بسيطة على تاريخه.
بداية هذه القصة، في يوم شتائي لذكرى حرب تشرين من العام 2009 في المدينة الشمالية المختلطة، عكا: دخل سائق عربي بسيارته إلى منطقة يهودية في المدينة وأشعل شرارة مواجهات اندلعت بين العرب واليهود، التي جُرح خلالها مواطنون وتعرّضت الكثير من الأملاك للتخريب. ظهرت مباشرة مع انبلاج فجر أقدس يوم عند اليهود، على صفحات شبكة التواصل الاجتماعية مجموعة تحت اسم “على إثر مذبحة عكا – أنا أيضًا أقاطع البضائع العربية!”. وتم أيضًا إلحاق تعليل بالعنوان: “انتهك العرب أقدس يوم في السنة عندنا. لم يحدث ذلك في سوريا ولا في مصر. حدث ذلك هنا في دولة إسرائيل – الدولة القومية الوحيدة لليهود! بما أن السلطات اليسارية لن تفعل شيئًا حيال ذلك ووسائل الإعلام ستجعل من العرب مساكين، يجب علينا أن نفعل أقل ما يمكن لإنقاذ كرامتنا ومقاطعة أي مشروع أو سلعة عربية!!!”.
كحال مجموعات كثيرة على الفيسبوك، أيضًا بما يخص هذه المجموعة هناك اسم لمدير المجموعة: يائير نتنياهو، ابن رئيس الحكومة. كان عمره 17 عامًا عندما تم تشكيل هذه المجموعة، وهو أيضًا صاحب أول عبارة نشرت في تلك الصفحة: “ادعوا أيضًا كل أصدقائكم للانضمام. هذا موضوع هام!” منذ إنشاء تلك الصفحة، لم تشهد المجموعة أي نشاط، وانضم إليها فقط 23 شخصًا.
الكشف عن أفكار نتنياهو الشاب مفاجئة. نظرًا للخبرة السياسية والإعلامية، تحافظ عائلة نتنياهو على خصوصيتها بشكل محترم. وسائل الإعلام بعيدة عن حياة العائلة اليومية، أو البيت الخيالي الذي خلف الدوائر الأمنية. يظهر أبناء رئيس الحكومة إعلاميًا في حالات نادرة، ويلتزم يائير نتنياهو على الفيسبوك الصمت المطبق.
وما الذي نعرفه عمومًا عن يائير نتنياهو؟
حتى هذا اليوم، لم تتناول الصحافة الإسرائيلية بشكل كبير حياته وحياة شقيقه الأصغر آفنر، وجاء وفقًا لتعليل ذلك الأمر أن الحديث هو عن ابنين لا علاقة لحياتهما الشخصية بحياة والدهما وحياته السياسية. ولكن يائير لم يعد طفلاً. أنهى تعليمه، التحق بالخدمة في الجيش الإسرائيلي، واستطاع أن يتسبب ببعض المشاكل أثناء خدمته العسكرية، وأنهى الخدمة واليوم هو طالب جامعي يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، وله رأي مستقل ولا يخجل من تسليط الأضواء نحوه وهو فخور بعائلته.
نظريًا، تبدو سيرة حياة يائير نتنياهو شبيهة بسيرة حياة أي شاب مقدسي ناجح: لقد تم تشخيصه كطفل متفوّق، أنهى دراسته بتفوّق في مجال المسرح في المدرسة الثانوية للفنون في القدس، وعمل في عدة مجالات منها: خدمة كاملة في وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دلالات على علاقة طويلة الأمد، درس لنيل اللقب الأول من الجامعة العبرية، وهنالك بعض الصور وهو يحمل سيجارة ومشروب كحولي في حفلة عيد ميلاده في أحد ملاهي تل أبيب الكبيرة.
تجدر الإشارة، إلى أن تصرفات نتنياهو الشاب تلفت الكثير من الأنظار في كل مكان، وهناك الكثير من الأعين التي تراقبه حيث يذهب، كما هو متوقع من شاب حظي في عمر ست سنوات بشخصية دمية في برنامج ساخر في ذروة ساعات البث التلفزيوني. يقول معارف العائلة بان آفنر، شقيق يائير الأصغر، هو ابن أبيه وأن يائير هو ابن أمه، سارة نتنياهو. حتى أن يائير ذاته يقول أمام أصدقائه أن علاقته مع عائلة والدته أعمق. كان يكنّ الكثير من التقدير لجده شموئيل، والد سارة، الذي توفي قبل عامين. في الولاية الأولى من رئاسة نتنياهو للحكومة بين الأعوام 1996 – 1999، ترعرع في بيت جده وجدته، وبين جدران بيتهم تشكلت أفكاره. أقام الجد شموئيل في آخر عام ونصف من حياته، في بيت رئيس الحكومة في شارع بلفور وكان يائير يتناول معه الطعام ويعتني به. بعد وفاته انتحب جده وقال أن تلك الفترة، التي كان فيها قريبًا منه كثيرًا، كانت أسعد فترة في حياته.
يصف المحيطون بـ “يائير” شخصيته بأنها أكثر رقة مما يوصف به في الصحافة: نباتي منذ عامين، متابع نهم لقناة ناشونال جيوغرافيك، شخص يحب أن يهتم بنفسه بمراسم تقديس يوم الجمعة، بينما تكون إلى جانبه أمه التي تشعل الشموع. لا ينقص أبدًا من يشهد على أنه، خارجيًا، هو صاحب أفكار سياسية يمينية متطرفة وأن لديه ميل شديد للجدال – ولكن داخليًا، يقول المقربون منه، إنه إنسان مكترث يمتعض كثيرًا من حال الناجين من الهولوكوست، يهتم بالتاريخ والمسرح، يقرأ “رسائل يوني”، “مختصر تاريخ البشرية” للمؤلف يوفال نوح هرري وكتابات جده، يعزف البيانو ويحب التنزه في الطبيعة.
كانت إحدى صفات نتنياهو الأكثر بروزًا هي الأيديولوجيا اليمينية الواضحة والمتينة – يائير لم يتردد بالتعبير عن مواقفه وكان يعرف كيف يعبّر عنها بشكل منمق. مما يذكر أنه خرج يومًا بجولة ضمن كتيبة منطقة الضفة الغربية مع مراسلين بريطانيين، وأخبرهم بإسهاب عن زميلته في المدرسة التي راحت ضحية واحدة من العمليات الإرهابية وعن أهمية جدار الفصل.
لا يبدو حاليًا أن يائير ذاته مهتم بهذه الضجة الإعلامية التي أثيرت حوله وحول صديقته النرويجية الجميلة. خلال هذا الأسبوع قال للمقربين منه انه لا يعرف سبب كل هذه الجلبة، وأنه ليس إلا شابًا يبلغ ثلاثة وعشرين عامًا ويواعد شابة. لا يجري الحديث عن زفاف أو ما شابه ذلك.
هل ليس واضحًا حاليًا مستقبل يائير نتنياهو؟ هل سيتبع خطى والده السياسية؟ هل سينسى أن والده وعائلته سينهون المرحلة السياسية من حياتهم؟ هل سيستمر بالمغالاة بآرائه السياسية اليمينية أكثر من والده؟ يبدو أنه لا يمكننا أن نعطي إجابات على كل هذه الأسئلة ولكن وفقًا لما تسير عليه الأمور اليوم، ربما نجحنا في رسم صورة يخطو الابن البكر لرئيس الحكومة نتنياهو نحوها…