على مدى عقود طويلة، تم الحديث عن رغبة العديد من الدول في الشرق الأوسط ببناء منشآت نووية. في الفترة الأخيرة، أصبحت هذه الرغبة أكثر واقعية، من بين أمور أخرى، على ضوء تقدّم المحادثات النووية بين إيران والغرب.
ماذا وأين؟
تُعتبر روسيا، التي بنت في الماضي محطّة الطاقة النووية النشطة في بوشهار في إيران، عنصرا رئيسيا يقف خلف الهلع الجديد – القديم من النووي في المنطقة. من المتوقع أن تبدأ روسيا في وقت لاحق من هذا العام ببناء بعض المفاعل في تركيا وقد توصّلت أيضًا إلى اتفاقات مشابهة مع الجزائر، مصر، إيران والأردن. في المقابل، تحاول دول أخرى تعويض الوقت الضائع. وقد وقعت كوريا الجنوبيّة على عقد لبناء أربعة مفاعلات في الإمارات العربية المتحدة، حيث إنه من المتوقع أن يبدأ الأول من بينها العمل في 2017. حتى دول مثل الأرجنتين، كندا، الصين، تشيكيا، فنلندا، فرنسا، اليابان وبريطانيا تُلاحق اتفاقات خاصة بها لبناء مفاعلات في المنطقة.
من المعتاد أن يقال إنّ إيران وإسرائيل تمتلكان القدرات النووية الأكثر تقدّما في المنطقة. بالإضافة إلى نشاط تخصيب اليورانيوم الخاصة بها، تمتلك إيران محطّة الطاقة النووية النشطة الوحيدة في المنطقة. تقع بقية بلدان الشرق الأوسط بعيدا وراء كلا البلدين. رغم أن لدى تركيا ومصر إلمام منذ سنوات طويلة بالبحث النووي في مفاعلات بحث صغيرة، ولكن برامجهما الطموحة لم تُطبّق تماما ولم تتمكّنا حتى الآن من إقامة مفاعلات نووية نشطة؛ وهي إقامة بحاجة إلى تمويل ومساعدة دبلوماسيّة وتقنية معقّدة.
بدأت جهود مصر الأخيرة في الحصول على الطاقة النووية منذ العام 2006، تحت حكم نظام حسني مبارك، ولكن تمّ تعليقها في ظلّ الثورة عام 2011
بدأت جهود مصر الأخيرة في الحصول على الطاقة النووية منذ العام 2006، تحت حكم نظام حسني مبارك، ولكن تمّ تعليقها في ظلّ الثورة عام 2011. على الرغم من التقارير الدورية بخصوص أنّ روسيا ستبني المُفاعِل النووي الأول في مصر، فإنّ الاضطراب السياسي والاقتصادي القائم الآن في بلاد الفراعنة تبقي هذا المشروع على المستوى النظري فقط.
وقّعت السعودية في شهر آذار الأخير على مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبيّة لبناء المفاعل النووي الأول لها، ولكن هناك بعض العراقيل التي تواجه هذا التعاون، ومن بينها الحظر الواقع على كوريا على بيع تكنولوجيا من الصناعة الأمريكية لدول مثل السعودية التي لا يوجد لها مع واشنطن اتفاق تعاون في المجال النووي.
وقد ذكرت صحيفة صانداي تايمز الصادرة في لندن مؤخرا بأنّ السعودية ستنضمّ إلى النادي النووي بواسطة شراء سلاح نووي من باكستان. يخشى السعوديون، الذين يمولون معظم البرنامج النووي الباكستاني، من أن تسرّع صفقة النووي بين عدوّتها إيران وبين الغرب من البرنامج النووي الإيراني فحسب. في إطار ذلك، على ما يبدو، فقد زار وزير الدفاع السعودي باكستان مؤخرا.
في تركيا، وبعد عقود من المحاولات الفاشلة في الحصول على الطاقة النووية، أطلق الحزب الحاكم – حزب العدالة والتنمية – خطة إذا ما طُبّقت بجميع تفاصيلها سيكون لدى البلاد ثلاثة أو أربعة مفاعلات نووية حتى نهاية عام 2015. في شهر نيسان عُقد حفل افتتاح البناء لمفاعل نووي ، بتمويل وتشغيل روسيا. ويجري في الأردن في الوقت الراهن بناء مفاعل للأبحاث بتمويل كوريا الجنوبيّة. لدى عمّان أيضًا مذكرة تفاهم مع روسيا لبناء محطة توليد طاقة نووية أولى.
يبدو أنّه من بين الدول الطامحة لامتلاك طاقة نووية في المنطقة، فإنّ الإمارات العربية المتحدة فقط هي القريبة من الحصول عليها. من المفارقات، وبشكل مغاير لتركيا ومصر، فإنّ الإمارات العربية المتحدة تفتقد للخبرة النووية الكبيرة. وقّعت عام 2009 على صفقة بقيمة مليارات الدولارات لبناء أربعة مفاعل مع كوريا الجنوبيّة. ومن المتوقع أن تعتمد بشكل أساسيّ على الخبراء الأجانب حيث ستبدأ هذه المفاعل بالعمل في 2017.
بين الدول الطامحة لامتلاك طاقة نووية في المنطقة، فإنّ الإمارات العربية المتحدة فقط هي القريبة من الحصول عليها. الإمارات العربية المتحدة تفتقد للخبرة النووية الكبيرة. وقد وقّعت عام 2009 على صفقة بقيمة مليارات الدولارات لبناء أربعة مفاعل مع كوريا الجنوبيّة. ومن المتوقع أن تعتمد بشكل أساسيّ على الخبراء الأجانب حيث ستبدأ هذه المفاعل بالعمل في 2017
السعودية أيضًا، مصر، تركيا والأردن ستعتمد على شركاء أجانب من أجل بناء وتشغيل مفاعلاتها النووية الأولى. وجميع هذه الدول كذلك ملتزمة أو تفكر في الشراكة مع روسيا، والتي وسّعت بشكل ملحوظ من سيطرتها على مجال التصدير النووي. يستخدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضمانات إقامة المفاعلات كرافعة استراتيجية مع الدول من أجل ضمان دعمها لقضايا أخرى مثل أنابيب الغاز. تعاني جميع البلدان في المنطقة أيضًا من أوجه قصور أساسية في المعرفة المحلية في مجال النووي ولا تستطيع بنفسها إدارة مفاعلاتها النووية الأولى.
رغم الخشية من أن تُستخدم الطاقة النووية التي ستتشكّل في بلدان المنطقة لأغراض عسكرية، تُوضح جيسيكا بارنوم من معهد الدراسات “World Political View” بأنّ مفاعلات الماء الخفيف المخطّط بناؤها في بلدان الشرق الأوسط لن تشكّل مصدرًا كافيا لتخصيب اليورانيوم أو البلوتونيوم بمستوى يسمح بصناعة السلاح النووي. رغم أنّ هذه المفاعلات سوف تستطيع إنتاج البلوتونيوم الذي يمكن من الناحية التقنية استخدامه لأغراض عسكرية، ولكنه سيكون موبوءًا جدّا بالذرات غير المرغوب بها والتي ستُعقّد عملية تصنيع واستخدام القنبلة. فضلا عن ذلك، ستضطر جميع الدول في المنطقة والتي تطمح إلى الحصول على الطاقة النووية إلى العمل تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ممّا قد يُحبط بسرعة كل محاولة لتوجيه البلوتونيوم لأغراض عسكرية.
الخوف: الإرهابيون سيهاجمون المفاعلات أيضًا
رغم أن السباق الحالي نحو الطاقة النووية يزيد من المخاوف من استخدام هذه الطاقة التي سيتم إنتاجها في المفاعلات لأغراض عسكرية، ولكن سوى الخوف من اندلاع حرب نووية هنا في المنطقة، أحد المخاوف الأكثر عملية هي احتمال أن تصبح هذه المفاعلات أهدافا للمتشدّدين في الشرق الأوسط، ممّا قد يؤدي إلى تسرّبات على غرار تشيرنوبل أو فوكوشيما. ومع ذلك، فعلى مدى التاريخ لم ينجح أي تنظيم إرهابي أو دولة في القيام بهجمة ناجحة على مفاعل نووي نشط. حدث النموذج الأقرب خلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا، حينذاك هدّدت طائرة حربية صربية بمهاجمة محطة توليد طاقة صربية.
ويشهد الماضي أيضًا على حالتين تم فيهما قصف وتدمير مفاعلات كانت قيد البناء. عام 1981 حدثت عملية أوبرا، التي تم في إطارها قصف المفاعل النووي العراقي “تمّوز” من قبل سلاح الجو الإسرائيلي (وحتى قبل ذلك تم قصفه من قبل طائرات إيرانية). عام 2007 هوجم المفاعل النووي الذي كان قيد البناء في سوريا، وقد نسبت هذه الهجمة في العالم أيضًا لسلاح الجوّ الإسرائيلي. ولأنّه على ما يبدو لم تكن هناك مواد نووية في تلك المفاعلات، لم يكن هناك تسرّب نووي. وفقًا لصحيفة “Foreign Policy”، فإنّ الهجمات الوحيدة ضدّ مفاعلات نووية نشطة جرت عام 1991 و2014، عندما حاولت العراق وحماس على التوالي قصف المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة بواسطة صواريخ وقذائف، ولكنها فشلت.
هدّد تنظيم حزب الله بقصف ديمونة بواسطة ترسانته الصاروخية إذا اندلعت حرب أخرى مع إسرائيل. وأعلنت إيران بأنّ المفاعل الإسرائيلي يقع في بنك أهدافها
ولا يزال المفاعل، مع ذلك، يُعتبر من الأهداف الجذابة. وقد هدّد تنظيم حزب الله فعلا بقصف ديمونة بواسطة ترسانته الصاروخية إذا اندلعت حرب أخرى مع إسرائيل. وأعلنت إيران بأنّ المفاعل الإسرائيلي يقع في بنك أهدافها أيضًا. ونظرا للفوضى التي ينشئها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وسائر فروعه وأعدائه في المنطقة وفلسفة نهاية العالم لديهم، لا يمكن تجاهل احتمال محاولات الهجوم ضدّ المفاعلات النشطة. حتى أنظمة الدفاع الأكثر حداثة لا يمكنها ضمان الدفاع الكامل عن تلك المفاعلات.
إذا قام إرهابيون فعلا بمهاجمة مفاعل نووي ما في الشرق الأوسط، فسيكون التسرّب النووي والإشعاعات المشعّة معتمدة على جودة أنظمة الحظر في تلك المفاعل وقدرة فريق الطوارئ على الحدّ من الانبعاثات؛ وهو تحدّ صعب حتى بالنسبة للدول الأكثر تطوّرا، كما حلّت كارثة فوكوشيما باليابان. إنّ الإرهاب أو الحرب التي ستجري في الوقت الذي يكون فيه المفاعل تحت الخطر ستزيد فقط من تعقيد المسائل أكثر.
والآن، يسأل صنّاع القرار في الشرق الأوسط أنفسهم إذا ما كان لعب الروليت الروسية مع المفاعلات النووية يستحقّ المخاطرة. هناك من يدّعي بأنّ الأمر يستحقّ المخاطرة الأمنية فقط إذا واجهت المنطقة نقصا حادّا في الطاقة. تتعامل البلدان الغنية بالنفط والغاز – كالجزائر، إيران، السعودية وغيرها – فعلا مع استخراج بعض مصادر الوقود، ولكن جميع الدول في الشرق الأوسط تشترك في بديل عملي وهو: الطاقة الشمسية. في عدة بلدان، مثل المغرب، الجزائر والإمارات العربية المتحدة، تشكّل الطاقة الشمسية فعليا جزءًا كبيرا من سوق الطاقة المحلّي.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز